اختيار رفع الأسعار في أصعب شهر على السوريين … أستاذ جامعي: يجب أن نكون الآن في مرحلة التعافي.. فما الذي حدث؟
| طلال ماضي
يرى خبراء اقتصاديون أن القدرة الشرائية للمواطن السوري تضررت بشكل كبير بعد قرارات رفع أسعار المحروقات، وارتفاع أسعار السلع الجنوني في الأسواق، ويعتبرون أن توقيت القرار لم يكن مناسباً، والحكومة تقدم حلولاً مالية مؤقتة وليست اقتصادية طويلة المدى، ويسألون عن البرنامج الوطني لسورية في ما بعد الحرب، والخطة الإستراتيجية سورية 2030 التي بموجبها يجب أن نكون اليوم في مرحلة التعافي الاقتصادي.
واعتبر استشاري تطوير الأعمال والاستثمار فراس شحادة أن معالجة ملف الدعم خلال الفترة التي وضعتها الحكومة لمعالجته كأحد حوامل عملية إعادة توزيع الدخل اصطدمت بمؤثرين اثنين يتعلق الأول بانخفاض كفاءة المؤسسات المسؤولة عن إدارة الملف، ويخص الثاني عامل التوقيت المناسب، وبالنتيجة أثرت معالجة الدعم سلباً في عدالة التوزيع من جهة، وأدت إلى رفع تكلفة الإنتاج وساهمت في رفع معدلات التضخم من جهة ثانية.
وأشار شحادة إلى أن ضعف إدارة ملف الدعم أدى إلى ظهور حلقات انتفاعية وتجار محدثي النعمة، وأدى إلى خسارة الخزينة لمبالغ كبيرة تحت اسم الدعم الذي لم يصل إلى مستحقيه.
وأكد شحادة أن الحرب في سورية ساهمت في زيادة معدلات الفقر وفق خطيه الشديد والعام، وارتفعت نسبة السكان تحت خط الفقر العام، وازدادت الأسر التي تعاني انعدام الأمن الغذائي مع تفاوت هذه النسب بين محافظة وأخرى، واليوم هذه الأسر مع رفع أسعار المحروقات وارتفاع الأسعار ازدادت أعباؤها، وخاصة أن الرفع جاء في منتصف الشهر وخلال الشهر الأصعب على السوريين المعروف بشهر المونة ودخول المدارس، داعياً كل من لديه القدرة لمد يد المساعدة ولو كان بالقليل لتخفيف الأعباء عن الأسر الفقيرة في هذه المرحلة الأقسى على الشعب السوري، والإسراع في إيجاد صيغة للحماية الاجتماعية بالنسبة للعجزة وكبار السن الذين ليس لديهم رواتب تقاعدية ويعيشون على الإعانات المجتمعية.
وحول توقيت رفع الأسعار والأثر السلبي على الشارع السوري بين الأستاذ الجامعي الدكتور ولاء زريقا أن الحكومة وضعت البرنامج الوطني لسورية في ما بعد الحرب، والخطة الإستراتيجية سورية 2030، وحددت من خلاله الرؤى والأهداف والسياسات الإرشادية والإطار البرامجي التنفيذي، وتم الأخذ بالحسبان المتغيرات المتسارعة وظروف الحرب، وقسمته إلى أربع مراحل، المرحلة الأولى أطلقت عليها مرحلة الإغاثة من 2019 إلى 2020، والثانية مرحلة التعافي من 2021 إلى 2024، والثالثة مرحلة الانتعاش من 2025 إلى 2028، والأخيرة الاستدامة من 2029 إلى 2030، مشيراً إلى أن توقيت رفع الدعم كان غير موفق، صحيح أنه ضمن هذه المرحلة من البرنامج، لكن لو تمت معالجته قبله لكان أفضل لأن الوضع الاقتصادي كان أفضل، ولم تكن معدلات الفقر بهذا الحجم، وكانت الحكومة وفرت من الهدر الذي وقع وأدى إلى ظهور فئة من البرجوازية الجديدة، فهل من المعقول أن تكون يومية معتمد الخبز تعادل يومية عدة موظفين من الفئة الأولى؟ ولماذا لا يكون الدعم للأفراد بدلاً من السلعة؟
وأكد زريقا أن مرحلة التعافي 2021 – 2024 كان من المخطط ضمنها عودة القطاعات الإنتاجية للعمل، وتقديم الخدمات، وبدء ظهور نتائج وآثار تدخلات مرحلة الإغاثة، واستعادة التوازن، ووقف النزيف الحاصل باستخدام وسائل التمويل الخارجية والداخلية المتوفرة، وإعادة ترتيب الإنتاج المادي والمعنوي، وترميم سلاسل الإنتاج تبعاً للتكاليف والأهمية، والتركيز على البنى التحتية من الطاقة والمياه والنقل، لكن للأسف هذه المرحلة لم يكتب لها النجاح، ونحن اليوم أصبحنا على أعتاب نهاية المرحلة ويحق لنا أن نسأل عن الفائدة من وضع الخطة في حال لم تنفذ بالاتجاه الصحيح!
ولفت زريقا إلى أن المؤشرات التي وضعتها الحكومة في البرنامج ضمن مرحلة التعافي أي في هذه الأيام زيادة نسبة العاملين من حملة الشهادة الجامعية من 25 إلى 29 بالمئة عن المرحلة السابقة إلا أن ما نشاهده هو خسارة هذه الكفاءات بشكل مستمر، وإفراغ المؤسسات من الخبرات، وبعد التضخم الكبير الجميع أصبح يتجه نحو مشروعه الخاص أو الهجرة، كما خططت الحكومة ضمن مرحلة التعافي إلى زيادة النسبة في إنتاجية العامل من 5 إلى 15 بالمئة، وما نشاهده في الواقع للأسف هو تراجع الإنتاجية.
وبين زريقا أن الخطط الأخرى التي وضعت خلال مرحلة التعافي منها فتح منافذ تصدير للمنتجات السورية، وإقامة شراكات تجارية إستراتيجية، والتركيز على التخطيط المحلي والإقليمي، وإصلاح سوق العمل وتحقيق معايير العمل اللائق، وتحسين إمكانات الوصول إلى الخدمات العامة، وتعزيز كفاءة وكفاية البنى التحتية الإنتاجية، وهذه الخطط لم نر منها سوى الوعود ورفع الدعم في أسوأ وقت وظروف اقتصادية يعاني منها المواطن.
ودعا زريقا إلى بذل الجهود لوقف هذا التدهور المتسارع في حالة ذوي الدخل المحدود، ومعالجة الأثر الكبير على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تقف اليوم عاجزة عن إكمال مشوارها بعد دراسة الجدوى الاقتصادية لمشاريعها التي هي في الأساس تحمل نسبة مخاطرة عالية، والوقوف إلى جانب من أطلق مشروعه وحمايته من التعثر والخسارة خلال هذه الفترة.