اقتصاد

ابحث عـن الاستعـمار «فهو أصل البلاء»!

| د. سعـد بساطـة

شغـل الصحافة الشاغـل هذه الأيام؛ انقلاب النيجر؛ وقد نستغـرب اهتمام العـالم ببلد أفريقي فقير؟ أما لو عـرفنا حجم مناجم المواد النادرة والتي «يشفطها» الفرنسيون خلسة لفهمنا الحكاية!

النيجر إحدى دول الغرب الإفريقي وأكبرها مساحة، بلد التناقضات، فبينما يصارع شعبها مشاق الحياة نجد لديها ثروات طبيعية ضخمة؛ والبؤس يبدو بوجوه مواطنيها الذين يمتلكون أغنى ثروات العالم (يورانيوم، ذهب، بترول، والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة)؛ ومن المفارقات أن تكون أفقر دول العالم، بينما يسهم اليورانيوم فيها بتزويد الطاقة النووية بفرنسا (35 بالمئة من احتياجاتها) وهذه بدورها تمثل 75 بالمئة من الطاقة الكهربائية الفرنسية.

إذن هو الاستعـمار بوجهه الاقتصادي؛ فقد بات لا يعـبأ باحتلال بلد ما؛ بل ينهب ثرواته بتواطؤ مع السلطات الفاسدة؛ ويتابع صم آذاننا بمواعـظه المزيفة عـن الحرية والعـدالة. في عـالمنا الحالي الذي تتشدق فيه الميديا؛ بعـبارات لزجة من قبيل: التسامح؛ والمحبـة، ، وغـيرها؛ كانت بضع دول تسيطر عـلى العـالم.. أخص بالذكر: بريطانيا وفرنسا وإسبانيا؛ ولا ننسى هولندا وبلجيكا والبرتغـال. وتتجاوز بعـنفها ووحشتيها شريعـة الغـاب!

الاستعـمار مصطلح أطلق على السياسة التوسعية التي اتبعتها الدول الأوروبية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هو ظاهرة تهدف لسيطرة دولة قوية على أخرى ضعيفة وبسط نفوذها من أجل استغلال خيراتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالتالي نهب وسلب لمعظم الثروات.

أعلنت الجمعية العامة عام 1990، العقد الدولي للقضاء على الاستعمار الذي تضمن خطة عمل محددة.

يعرف العالم الآن نوعين من الاستعمار وهما الاستعمار التقليدي الذي ارتكز على الغزو العسكري ونهب الثروات، والاستعمار الحديث الذي اصطلح عليه بالإمبريالية العالمية ويعـني السيطرة الاقتصادية على الأمم دون الغزو العسكري!

يعرف الاستعمار الفرنسي في الجزائر كأحد أبشع النماذج الاستعمارية، وذلك أنه لم يكتفِ بالاحتلال العسكري للأرض والاستغلال اللاإنساني للفرد الجزائري في خدمتها، بل سعى جاهداً لاحتلال العقل وتهديم البنى الحضارية للمجتمع وإعادة صياغته بما يتماشى مع تحقيق الهدف الاستيطاني.

لننقب اليوم بأفريقيا: فهي منتج رئيسي لــ70 بالمئة من المعادن المهمة للصناعات العالمية، مثل اليورانيوم والذهب والأحجار الكريمة العالية القيمة مثل الألماس، إضافة إلى النفط والغاز. رغم ذلك تعتبر بلدان القارة الإفريقية الأفقر والأقل تنمية على المستوى العالمي. وبالمثل: أميركا اللاتينية؛ والدول الخاضعة في آسية.

قد يكون من المناسب استحضار بعض الأرقام التي تساعد بتحديد المشكلة؛ 30 بالمئة من موارد العالم المعدنية تتركز في إفريقيا. تلك القارة التي تمتلك 8 بالمئة من احتياطات الوقود الأحفوري و12 بالمئة من احتياطيات الغاز الطبيعي؛ وتستحوذ على 65 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة على كوكب الأرض و10 بالمئة من المياه العذبة المتجددة.

صنفت الأمم المتحدة، 35 دولة إفريقية من بين 46 دولة كأقل بلدان العالم نموًّا. حيث 90 مليار دولار سنويًّا تفقدها خزائن دول القارة في شكل تدفقات مالية وتجارية غير مشروعة. قارة غنية بالفرص كما المشاكل. والفرص هي للدول الأوروبية المستغـلة!

الأفارقة، فوق كل القهر والمجازر التي تجرعوها، ملزمون بدفع أتعاب فرنسا في كل ما فعلته بهم. فدولة مثل توغو تدفع سنوياً نحو 40 بالمئة من ناتجها القومي للمستعمر… وتتمكن فرنسا من إبقاء هذه المنظومة على قيد الحياة عبر سلسلة من الأعمال الدموية… فواحد وستون من أصل سبعة وستين انقلاباً في القارة السمراء كان من حصة المستعمرات الفرنسية… فمثلاً عندما أراد الرئيس التوغولي السابق أوليمبيو أن ينسحب من المنظومة الاستعمارية الفرنسية جرى الانقلاب عليه… ودخلت وحدة فرنسية عسكرية البلاد وقتلته بطريقة شنيعة… انقلابات دموية مشابهة حصلت في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو وغيرها…

وفرضت فرنسا على هذه البلاد التداول بعملة خاصة اسمها فرنك أفريقي Franc CFA… ارتبط باليورو بعد أن اعتمدت فرنسا العملة الأوروبية… هذه المنظومة مبدؤها مركزية المصرف الفرنسي، الذي يفرض على الدول الأعضاء إيداع ما لا يقل عن 50 بالمئة من احتياطيها النقدي لديه… بالتالي يصبح اقتصاد هذه الدول خاضعاً لفرنسا بالكامل… ولا تقدر على وضع سياسات مالية خاصة بها لحماية اقتصادها… بل تتحول سيولتها إلى أداة لسد العجز المالي الفرنسي…

ختاماً نقول بثقة: إنه لولا النظام الاستعماري الذي يستعبد مواطني دول العـالم الثالث لخدمة ترف الغـرب لما كانت النهضة هناك: الأنوار والأشعار والبحوث؛ ومازالت دول العالم الثالث مبهورةً بإنجازات الغـرب اليوم.؟!..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن