شؤون محلية

التعليم المهني: نعمة أم نقمة..؟

| ميشيل خياط

يعود موسم التسجيل في الصف العاشر للناجحين بشهادة التعليم الأساسي هذه السنة، من دون مفاجآت تذكر، على الرغم من مرور عامين على صدور القانونين 38- 39، اللذين نصا على تحويل المدارس المهنية والمعاهد التقنية المتوسطة إلى مراكز إنتاجية، للمساهمة في عجلة الإنتاج، وتأمين دخل مالي للطلاب والمدربين والمدرسين والإداريين، ما كان سيصوغ حافزاً قوياً لإقبال حماسي على مدارس التعليم المهني، من دون الحاجة إلى الإجبار.

لكن هذا لم يتحقق بعد، ومؤخراً صدرت تعليمات القبول في الأول الثانوي المهني والتقني ونصت على علامات شبيهة تقريباً بالعام الماضي وما قبله، تراوحت بين 2188 في طرطوس و1520 في دير الزور من (3100)، وبين 2100 في ريف اللاذقية و1450 في ريف دير الزور.

وهذه العلامات ستجبر 30 بالمئة من حملة شهادة التعليم الأساسي لهذا العام (أي 69684 طالباً وطالبة) من أصل (232280 ممن نجحوا هذا العام) على التوجه نحو التعليم المهني، بصفتهم حصلوا على علامات أقل من زملائهم في المحافظة ذاتها أو ريفها.

وهذا الإجبار بتلك الطريقة، يعمق عاماً إثر عام، النظرة الدونية للتعليم المهني والتقني في مدارسنا.

وتقود تلك النظرة إلى نسب تسرب مرتفع، إذ غالباً ما يتقدم من أجبروا على المدرسة المهنية إلى امتحانات الشهادة الثانوية العامة بصفة أحرار، بدليل انخفاض عدد خريجي التعليم المهني، ففي العام الحالي مثلا تقدم إلى امتحانات الشهادة الثانوية العامة (239509 طلاب وطالبات)، نجح منهم (156256) طالباً وطالبة في الدورة الأولى وكان عدد الناجحين في التعليم المهني والتقني بفروعه الثلاثة (17138) طالباً وطالبة، الصناعة: 9975 والنسوية 2620 والتجارية 4543.

وكانت هذه الأرقام متوقعة لأن عدد المتقدمين إلى امتحانات التعليم المهني كان ضئيلاً وهو (27415 طالباً وطالبة).

علماً أن نسب النجاح كانت مرتفعة ووصلت إلى 78.28 بالمئة في الشهادة النسوية و68.37 بالمئة التجارية و67.82 بالمئة الصناعية.

وبات شائعاً أننا إزاء خطأ مجتمعي فادح، وهؤلاء الطلاب الذين يشعرون بالغين لأنهم أجبروا على التعليم المهني هم ضحايا مجمع يسلك عكس مصلحته وتنطبق عليه الحكمة: الناس أعداء لما جهلوا.

إن التعليم المهني والتقني في سورية، يوفر لطلابه دراسة علمية ممتازة بعد تطوير مناهجه، ويمنح طلابه شهادة ثانوية باتت تتيح لهم حالياً متابعة الدراسة إذا رغبوا، في الكليات التقنية في الجامعات الحكومية، وفي فروع عديدة من الجامعات الخاصة كما أن عدداً كبيراً منهم يقبل بالمعاهد المتوسطة. وتلك الشهادة مقبولة بالعديد من الكليات العسكرية، كما أن 5 بالمئة من الأوائل يحق لهم التسجيل مباشرة في كليات الهندسة الكهربائية والميكانيكية الحكومية.

وفوق ذلك كله وهنا الامتياز الكبير، أن خريج الثانوية المهنية يمتلك مهارة يدوية، ويتقن مهنة هي في موروثنا حماية من الفقر.

ونكرر دائماً: إن صاحب الصنعة مالك قلعة.

إن تكاليف التعليم المهني باهظة جداً بالمقارنة مع التعليم العام، ونرى أن من يذهب إلى هذا التعليم هو محظوظ فعلاً، على كثير من الصعد.

ولئن فشلت كل المواعظ على هذا الصعيد، وعلى الرغم من وجود حجج قوية جداً ودامغة تؤكد أنه من غير المعقول هذا التهافت على تعليم عام يسعى أغلب خريجيه إلى وظيفة وراء طاولة، وهي قد باتت نادرة، وهذا واضح من خلال عدد من جرى تعيينهم في المسابقة الكبرى مؤخراً، فإن الرهان كان وسيبقى على تطبيق القانونين 38- 39 اللذين يحولان المدارس المهنية والمعاهد التقنية إلى مراكز إنتاجية. إذ إن التطبيق الجزئي في بعض المدارس المهنية للقانون 38 وفر دخلاً مالياً بلغ 200 ألف ليرة شهرياً لكل طالب.

علماً أن الفائدة ليست للطلاب فقط، بل هي وطنية.

وبهذا المعنى فإن التعليم المهني نعمة للطلاب والوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن