ثقافة وفن

رحيل عميد الصحافة العربية وفارسها … طلال سلمان.. المناضل العروبي الكبير الذي دافع عن قضايا الأمة العربية قاطبة

| وائل العدس

تهاوى القلم بعد أن جفّ حبره لتسقط آخر قطراته وسماً بطولياً في تاريخ مناضل شرّف مسيرته طوال سنوات حياته بالكلمة الحرة، تاركاً خلفه إرثاً إعلامياً مشرقاً سيظل محفوراً في ذاكرتنا، كاتباً ماهراً وروحاً إيجابية ملهمة، وليفتقده القراء العرب قلماً ورأياً حراً وناقداً، وبشخصه وفكره تحليلاً وبعد نظر واستشرافاً للأحداث.

إنه عميد الصحافة العربية وفارسها وفارس القلم القومي العربي طلال سلمان الذي رحل يوم الجمعة عن عمر 85 عاماً.

رحل بعدما كان شاهداً ومتفاعلاً ومحللاً وناقداً ومؤثراً في صياغة وصناعة وعي الأجيال المعاصرة وثقافتها، رحل وهو يحمل أسراراً ثقيلة وأفكاراً مزدحمة وتجربة صحافية قلّ نظيرها.

رحل وهو من قال: «أديت واجبي، ووفيت خدمتي… خدمة الأمة، ولكن لا بد للحكاية أن تنتهي».

هو المناضل العروبي الكبير الذي دافع عن قضايا الأمة العربية قاطبة، وشكّل نموذجاً حقيقياً لدور الصحافي ومعنى الإعلام، وطوال سنين طويلة ظل صوته نقياً أصيلاً وسط ضجيج الخلافات والصراعات، ليصبح مدرسة في الصحافة ومرجعاً حقيقياً لضوابط المهنة وأخلاقياتها، وممثلاً عن الكلمة الملتزمة.

يعتبر أحد أبرز وأنبل سيوف الكلمة، المدافع الأبرز عن العروبة والقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وعن تحرر واستقلال الشعوب وعن المقاومة وحق العرب باستعادة آخر حبة تراب من الاحتلال الصهيوني والغربي.

تميزت شخصيته بمزيج من رهافة الوجدان السياسي والصلابة في الموقف، ما عرّضه إلى ضغوط متزايدة بلغت أوجها في نجاته في 14 تموز 1984 من محاولة اغتيال أمام منزله فجراً تركت ندوباً في وجهه وصدره.

سيرة غنية

ولد طلال سلمان في بلدة شمسطار (غربي مدينة بعلبك في البقاع اللبناني) عام 1938.

بدأت مسيرته نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، استهلها مصححاً في جريدة «النضال»، فمحرراً صحافياً في جريدة «الشرق»، ثم محرراً فسكرتيراً للتحرير في مجلة «الحوادث»، فمديراً للتحرير في مجلة «الأحد».

وفي خريف عام 1962 أصدر في الكويت مجلة «دنيا العروبة»، ليعود إلى بيروت ليعمل من جديد في «الصياد» و«الأحد» حتى تفرّغ لإصدار «السفير» في أواخر عام 1973.

هو عضو مجلس نقابة الصحافة اللبنانية منذ عام 1976، وقد اشتهر بحواراته العميقة مع أغلبية الرؤساء والمسؤولين العرب.

حاز جائزة الدبلوماسي والمستشرق الروسي فيكتور بوسوفاليوك الدولية المخصصة لأفضل نقل صحفي روسي وأجنبي للأحداث في الشرق الأوسط، وتسلم الجائزة في 7/11/2000.

وفي عام 2004 وفي الذكرى الثلاثين لإصدار «السفير» كرّمته المؤسسات الثقافية والنوادي في أنحاء لبنان كله، وتسلم منها الكثير من الدروع التقليدية، وألقى أكثر من عشرين محاضرة في مختلف المناطق اللبنانية.

اختاره منتدى دبي الإعلامي «شخصية العام الإعلامية» لسنة 2009، وتسلم الجائزة في احتفال رسمي في مدينة دبي حضره رسميون من دولة الإمارات وشخصيات سياسية وإعلامية من مختلف البلدان العربية. وقد بادرت الجمعيات والهيئات والمنتديات والمؤسسات اللبنانية المختلفة إلى تكريمه احتفاء بفوزه بهذه الجائزة. وكان أهمها في هذا السياق حفل تكريم نقابة الصحافة اللبنانية في 21 آب 2009 حيث ألقى خطاباً تحدث فيه بإسهاب عن حال الصحافة العربية وعن المشكلات التي تعترض دورها التنويري، وعن دور الصحافة اللبنانية وخصوصاً في بث التنوير والثقافة والمقاومة.

وفي 23 نيسان 2011 منحته كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية درجة الدكتوراه الفخرية تقديراً لدوره المتفرد في الصحافة والإعلام والأدب الصحافي.

من مؤلفاته: «مع فتح والفدائيين» عام 1969، ثرثرة فوق بحيرة ليمان عام 1984، حجر يثقب ليل الهزيمة عام 1992، الهزيمة ليست قدراً عام 1995، على الطريق.. عن الديمقراطية والعروبة والإسلام عام 2000، هوامش في الثقافة والأدب عام 2001، هوامش في الثقافة والأدب والحب عام 2009، كتابة على جدار الصحافة عام 2012.

جريدة السفير

طلال سلمان هو مؤسس وناشر ورئيس تحرير الصحيفة اللبنانية اليومية الشهيرة «السفير» التي رفعت شعاراً لها منذ انطلاقتها عام 1974: «صوت الذين لا صوت لهم»، أي ملايين المعذبين في الأرض.

كانت هذه الصحيفة الأكثر انتشاراً ومصداقية لمدة تزيد على خمس وأربعين سنة، برز سلمان خلالها نموذجاً مميزاً في ميدان الصحافة والتحليل العميق والإستراتيجي، متخطياً كل الصعوبات ومواجهاً كل التحديات دون أن يقدم تنازلاً، أو أن يتردد قلمه أو فكره أو التزامه للحظة.

كانت الصحيفة لسان حال الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية والمنبر المدافع عن قضايا الشعوب في الوطن العربي والعالم.. وكانت افتتاحية الصحيفة، على صفحتها الأولى، بقلم طلال سلمان، جاذبة عميقة ومرآة صادقة للموقف القومي تجاه قضايا الساعة المطروحة.

كان الرأي العام يترقب افتتاحياته اليومية بعنوان «على الطريق»، والتي تميزت بالوضوح السياسي وصلابة الموقف، ويترقبه بحماسة مماثلة في «نسمة»، الشخصية التي ابتدعها في «هوامش» يوم الجمعة، وهي شخصية ذات دفء وجداني حميم ترسم «بورتريهات» للمسرح السياسي والثقافي والأدبي، وتصور صدق المشاعر الإنسانية وشغفها بالحياة وحماستها لها ولأخلاقيات الذوق الرفيع.

كانت «السفير» بيته ومحرابه ووطنه وعائلته، لكنه اضطر مرغماً إقفال شريان حياته متمماً كامل واجباته تجاه كل صانعي مجد صحيفته، ففي عام 2017، توقفت «السفير» عن الصدور إلى الأبد، تحت وطأة تغيرات عالمية طالت الصحافة الورقية.

زملاء الكلمة

فور إعلان رحيله، تصدى كبار الكتّاب والإعلاميين لرثائه بما طاب من الكلمات التي يستحقها:

وضاح عبد ربه: «رحم اللـه الأستاذ طلال الذي أسس وترأس فريق تحرير صحيفة السفير اللبنانية حتى قرر إغلاقها».

حسن م يوسف: «اليوم فقد الذين لا صوت لهم صوتهم، الإعلامي العربي اللبناني الكبير طلال سلمان ينتقل لدار الحق، لروحه السلام وعليه السلام».

مصطفى المقداد: «رحيل طلال سلمان صاحب مدرسة السفير الصحفية حاملاً معه أصوات الذين لا صوت لهم من مهمشي الأمة، إلى جنان الخلد أيها الحامل طهر فلسطين».

نضال قبلان: «عميد الصحافة اللبنانية، رئيس تحرير جريدة السفير، الصديق والزميل العزيز، ما زلت أذكر زيارتكم لي في منزلي بأبو ظبي أواخر التسعينيات صحبة نخبة من الإعلاميين اللبنانيين، وتلك الجلسة الجميلة التي غمرتها روحك المرحة، رحمك اللـه وأسكنك فسيح جناته، خسارة كبيرة لكل من عرفك».

جورج قرداحي: «رحل الأستاذ، عَلَمٌ من رجالات الإعلام الكبار في بلادي، حمل قلمه ومضى.. صوت من لا صوت لهم، ترك قبل مدة، وسيترك إلى الأبد، فراغاً كبيراً في المشهد الإعلامي اللبناني والعربي، طلال سلمان، أبا أحمد، ستفتقدك الأقلام الحرة.. لترقد روحك النبيلة بسلام».

سامي كليب: «جزء من روح الإعلام ورحيق العروبة وصدق الالتزام وإشعاع لبنان، يرحل مع الأستاذ والصديق الكبير طلال سلمان.. دمعة على خد الوطن وجرح في قلوب كل من عرفه أو عمل تحت رايته، خسارة لا تعوض رحمه الله».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن