مَنْ المستفيد؟
| بنت الأرض
في نظرة متفحصة للأحداث التي تعصف بمنطقتنا منذ سنوات ولا تزال، لا بدّ من طرح سؤال مهم قد يساعد في معرفة الأهداف المبتغاة، ألا وهو من المستفيد من هذه الأحداث؟ قد نكون هنا بحاجة لتذكير القارئ المتابع أن الخبر الأهم على وكالات الأنباء العالمية قبل هذه الأحداث كان الأزمة الاقتصادية التي كانت تحيق بالولايات المتحدة وبدول أوروبية عديدة بدأت باليونان. وكانت التوقعات تشير إلى أن فرنسا قد تكون البلد الثاني بعد اليونان الذي سوف تناله هذه الأزمة. وظهرت الأبحاث والتوقعات عن أزمة النظام الرأسمالي والبحث عن حلول، وعن مستقبل النفط، وإلى ما هنالك. وإذا ما تجاوزنا أحداث خمس سنوات مضت واستعرضنا المشهد الدولي اليوم، نجد أن الحديث قد اختفى تماماً عن أزمة اقتصادية تهدّد دولاً غربية، وبدأ الحديث المكثّف اليوم عن أزمة اقتصادية حادة تنال من السعودية ودول الخليج بعد تخفيضها أسعار النفط بهدف إلحاق الضرر بالاتحاد الروسي وإيران. اليوم وبعد هذه الحروب الطاحنة على أراضي منطقتنا والتي تمّ اختلاقها بذرائع مختلفة من ربيع عربي إلى «داعش» إلى ما هنالك، نجد أن الولايات المتحدة تزيد من عدد جنودها وقواعدها في العراق، وتضع خطة خمسيّة لمصادرة ثروات شمال إفريقية انطلاقاً من ليبيا، التي أصبحت بلداً مدمّراً مستباحاً، ونجد أن الولايات المتحدة حصدت مئة مليار دولار من بيع الأسلحة للسعودية فقط، والتي تم توريطها بحروب استنزاف لاحتياطياتها النقدية الهائلة. وكل هذا القتل والدمار السعودي في اليمن والعراق وسورية وليبيا، تدفع ثمنه المملكة لمصلحة تشغيل شركات السلاح الأميركية الحاكم الحقيقي هناك. كما أن فرنسا تجاوزت أزمتها الاقتصادية بعد انهيار ليبيا ونهب احتياطياتها النقدية وتقوم بتصدير السلاح هي الأخرى لدول الخليج وتأييدها لمواقفهم على أسس مالية لا علاقة لها بالإنسان أو حقوقه ولا بالديمقراطية ومرتكزاتها.
في الوقت ذاته نجد الكيان الإسرائيلي يَعدمُ ميدانياً مئة وتسعة وأربعين شاباً وشابة فلسطينية منذ تشرين الأول في انتهاك سافر لكل القوانين الدولية وحقوق الإنسان بحجج واهية، على مرأى ومسمع العالم من دون أن يحرك أحد ساكناً في أي مكان، ونرى انتهاكات الأقصى والجموح الاستيطاني في فلسطين والأراضي العربية المحتلة مع انعدام إمكانات الفعل العربي وعدم رغبة أي جهة في العالم في إنقاذ هذا الشعب من طيش احتلال بغيض وتركه لمصيره يقاوم بجسده أقسى أنواع الجرائم بحق الإنسانية.
وفي الوقت ذاته أيضاً نجد مسار الأحداث وخاصة بعد إعدام المعارض السعودي السلمي نمر النمر يخدم تأجيج الفتنة الطائفية في المنطقة، والتي كانت الهدف الأول والأهم منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. فمع أن المعارض النمر هو معارض سياسي بامتياز لنظام بني سعود، مطالب بالحريات وحقوق المواطنة، فقد تمّ التعامل معه كشيخ شيعي وفق الأسلوب الوهابي الأصولي بالنحر، من دون التركيز على البعد السياسي الذي كان هدفه الأول والأخير المعارضة السلمية التي لم تتجاوز حدود الخطابة والكتابة. فهو لم يحمل سلاحاً يوماً ولم يحرّض على الفتنة كما يفعل نظام بني سعود ولم يرتكب عمل عنف واحداً في تاريخه، فكيف يتم إعدام معارض سلمي بالسيف على حين يدعم الغرب رسمياً ما يسميها معارضة «معتدلة»، مع أنها تمارس الإرهاب المسلح علناً، ولا يدين الذبح الوحشي لمعارض مسالم؟. ويتابع الإعلام الغربي تحريض خيوط الفتنة من خلال الأكاذيب والصور المفبركة التي نشرها عن بلدة مضايا على حين لم يذكر عشرات البلدات المحاصرة في سورية من الإرهابيين الوهابيين والتي يجب أن يندى جبين الإنسانية لأوضاعها.
وفي بعد آخر نجد السعودية المتورّطة بالإرهاب والقمع والحروب تشن عدواناً بعد آخر بحجج واهية رافعة شماعة إيران، فتمزّق أقدمَ وأعرقَ بلدان عربية، هي أصل الحضارة والتاريخ العربي، من أجل تدمير هذه الحضارة وتشغيل معامل السلاح الأميركية فنجد الدعوات السعودية التي كانت خفية قد أصبحت علنية بالتطبيع مع العدو مع دعوات أخرى متزامنة معها ضد العروبة وضد العمل من أجل فلسطين وتشتيت الساحة العربية أكثر فأكثر. فهاهي أحلاف يتم الإعلان عنها بين السعودية وتركيا وإسرائيل لعرقلة أي تسويات أو حلول في المنطقة، قد تعمل على وقف سفك الدماء، ووقف الدمار والقتل العبثي الذي يأتي تنفيذاً لخطط صهيو- أميركية تخطط لمئة عام قادمة للقضاء على الحضارة العربية، وتنصيب دولة يهودية تشكّل إمبراطورية عسكرية واقتصادية في المنطقة.
وجواباً عن سؤالنا مَنْ المستفيد من كل هذه الأحداث؟ ومن الذي يقف وراء قيام «داعش» بالسيطرة على النفط من العراق إلى سورية إلى ليبيا والتهديد الأميركي باحتلال بلدان شمال إفريقيا، نجد أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني هما المستفيد الأكبر من كل الحروب التي افتعلتها السعودية، ومعها دول خليجية وعربية تابعة للغرب على مدى السنوات الخمس الماضية، وأنّ العرب في كلّ أقطارهم وخاصة في فلسطين والعراق وسورية واليمن ولبنان وليبيا ومصر، هم الخاسر الأكبر. هل حدث كل هذا محض مصادفة؟ أم تمّ التخطيط له وتمويله ووضع جداول زمنية لمراحله العديدة التي شهدناها؟ بالطبع التخطيط لم يكن سعودياً بل صهيو- أميركي، التنفيذ وخاصة التمويل، سعودي خليجي بحت، وها هو المرشح الجمهوري ترمب يدعو السعودية للدفع إذا كانت تريد حمايتها ضد إيران ويؤججون الفتنة أملاً منهم بإشعال حرب بين السعودية وإيران تشغّل معامل سلاحهم وتنهي أزماتهم الاقتصادية. وكما فعلوا بصدام سيفعلون بالسعودية، استنزافاً لمواردها واحتياطياتها ومقومات دولتها. السؤال أيضاً أين هو التخطيط الإستراتيجي على الضفة الأخرى الذي يستقرئ ويُحذّر ويضع الخطط الاحتياطية ويأخذ الاستعدادات المتينة لحماية البلدان والأوطان؟
نحن اليوم بحاجة لمن يتابع ويقرأ ويحلّل ويستنتج ويخطّط، ولا يعمل فقط بردود الأفعال كما فعل العرب على مدى العقود الماضية. أما حان للعرب أن يفهموا ويقنعوا بعد كلّ هذه البراهين الملموسة أنهم جميعاً مستهدفون، وأن الخطة تطالهم جميعاً بلداً بعد آخر، مستخدمين نفط الخليج لإحراق حضارة العرب؟ ولكن الحريق لن يخمد قبل إحراق المساهمين في إشعاله وامتداده.