ثقافة وفن

السينما السورية لصيقة الحرب والشعب … المخرج فراس محمد لـ«الوطن»: الأفلام السينمائية لا بد أن تحمل هوية البلد الذي جاءت منه

| مصعب أيوب

السينما تجمع وتضم فنوناً عديدة والأفلام لديها القوة المذهلة في تحريك العواطف والمشاعر، ويعتقد البعض أنها وسيلة للترفيه أو التسلية، أو ربما يعتقدون أنّ الهدف منها جني الأموال فقط، وهو في بعض الأحيان صحيح، لأن نسبة كبيرة ممن يتابعون الأفلام لا يتساءلون ما أهمية هذه الأفلام أو ما الرسالة التي تحملها؟ أو ما الفائدة المستقاة من مشاهدة الأفلام، ولكن لا بد لكل عمل سينمائي أو تلفزيوني مهما قل شأنه من أن يحمل رسالة فيكون على عاتقه مهمة إيصالها للجمهور وإمتاعه في ثمرتها ونتاجها.

سينما الحرب

السينما السورية خلال فترة الحرب أخذت على عاتقها مهمة تعريف العالم والجمهور بكل حيثيات وتفاصيل الحياة اليومية التي عاشها الشعب السوري خلال فترة الحرب، بالإضافة لتركيزها على الجانب الإنساني الذي تميز به السوريون حتى في أحلك الأوقات والتي منها الإيثار ومد يد العون والمساندة بالمال والنفس والجهد الجسدي، فالأزمة الأخيرة التي حلت بسورية لم تكن قصة عابرة أو خاطفة حدثت خلال أيام وطواها النسيان، وإنما امتدت لأكثر من عشر سنوات عانى فيها السوريون الفقد والموت والرعب والدمار والعوز، وتركت أثراً بليغاً في نفس كل سوري، ولأن الفن والفنان ينسلخان من الإنسان والمجتمع كان لا بد من تجسيد صور الحرب بكل أشكالها والتركيز على أضرارها وتبعاتها، ولأن أضرارها كانت كبيرة وواسعة وطالت الحجر والبشر وكل شيء حي بطبيعة الحال فإن الفن والدراما لا يمكنهما أن ينأيا بعيداً عن لعنة هذا الخراب والسير بعيداً.

البحث عن الحياة

أخرج فيلم مطر حمص المخرج جود سعيد ليدخلنا في جو من الدراما المشبعة بالمعاناة وتدور قصة هذا الفيلم عن المعاناة التي عاشها سكان مدينة حمص أثناء المعارك التي حصلت في المدينة وحصار بعض أهالي المدينة فيها تحت القصف والدمار، حيث صور الفيلم حالة الخوف والذعر التي كانت موجودة بين المحاصرين وكيف بحثوا عن النجاة والبحث عن الحياة، حيث حمل هذا الفلم رسالة إنسانية عن حجم المعاناة في ظل الحرب السورية، فالمدنيون في جميع أنحاء سورية كان هدفهم الأساسي هو البحث عن فرصة للحياة، وأنهم يحلمون باليوم الذي تنتهي فيه الحرب في سورية.

وكان في بطولة الفيلم كل من «محمد الأحمد ولمى الحكيم وكرم الشعراني ووسيم قزق وعلي سكر وغيرهم».

ولم يغفل المخرج السوري أيضاً عن تصوير واقع الحياة اليومية لبعض النساء اللواتي خطفن على أيدي مجموعات إرهابية مسلحة والتعذيب الذي تعرضن له والإهانة مصوراً في فيلمه بواقعية التباعد بين الأخوين والعداء الذي قد يضطر أحدهما لقتل الآخر وذلك في فيلم نجمة الصبح الذي أخرجه سعيد وألفه بالتعاون مع سماح القتال ليبين للجميع أن الحرب الأخيرة فرقت حتى الأخوين اللذين ضمهما رحم واحد بعد أن أجهضت الحرب كل المحاولات للخلاص بسلام.

حقد دفين

الفيلم الذي أخرجه وألفه عبد اللطيف عبد الحميد والذي يحمل اسم أنا وأنت وأمي وأبي يرصد حكايات من المشهد السوري المعاصر بأدق التفاصيل، ويعالج الواقع المعيش واليومي في سورية من خلال يوميات أسرة عصفت بها أحداث سورية الراهنة فتعيش حالات من الفوضى الشديدة بين أفرادها ومحيطها.

فيقع الشاب «طرفة» الذي يؤدي خدمته الإلزامية بحب إحدى الفتيات «عفاف» التي تسكن بجانب مكان خدمته، وذلك بعد أن يقوم بائع طعام بدس السم له في الأكل لأنه يخدم إلى جانب الحكومة وتقوم الفتاة بالاتصال بأحد أقاربه لإسعافه بعد أن رأته من شرفة المنزل، وبعد أحداث مطولة تنتهي حياة العاشقين قتلاً على يد مجموعة مسلحين يرأسهم بائع الطعام نفسه.

ممارسات وحشية

في فيلم رد القضاء للمخرج نجدت أنزور تأليف ديانا كمال الدين سنلاحظ بشكل جلي كيف صور الفيلم الحياة اليومية التي عاشها عناصر وضباط قوى الأمن الداخلي في سجن حلب المركزي وبطولاتهم وتضحياتهم في قصة واقعية ملحمية حيث يعرض لنا الحصار الذي عاشه السجن لما يقارب عام ونصف العام على يد الإرهابيين، وقد ركز أنزور في هذا الفيلم على الحياة اليومية والمعارك التي شهدها السجن في تلك الفترة، وقد شارك في بطولته «لجين إسماعيل ومجد فضة وجولييت عواد وفايز قزق وعامر علي وغيرهم الكثير».

وكذلك فقد ركز أنزور في أول تعاون له مع المؤسسة العامة للسينما على الجرائم التي اقترفتها المجموعات المسلحة والتي دنست بها الأراضي السورية من خلال فيلم فانية وتتبدد تأليف هالة دياب الذي تدور أحداثه حول ممارسات التنظيم الإرهابي بحق سكان بلدة سورية، وصولاً إلى استعادة الجيش السوري السيطرة عليها، بمساعدة أبنائها، فصور ما يحدث من قتل وتدمير واغتصاب وتهجير وتكفير على أيدي المجموعات الإرهابية تحت اسم الدين فيعرض الفيلم قصة وطن تدمر وأم ثكلى وفتاة تتألم وطفل بكى قبل أن يضحك وفي الوقت نفسه يبعث رسائل مهمة للمجتمع، قدم الفيلم محاجاة فكرية كشفت عن الفكر الهش والهمجي الذي ادعته تلك التنظيمات الإرهابية من خلال بث الرعب والفقر والترهيب في مناطق عدة، وكان من أبطاله «فايز قزق وزيناتي قدسية وعلاء قاسم وعبد الهادي صباغ ومجد فضة وبسام لطفي وهناء نصور».

خير بالفطرة

وفي العام 2018 أنتج فيلم عزف منفرد للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد الذي يُضيء على فترة الحرب القاسية التي عاشتها سوريا خلال عام 2013 حيث يتورط موسيقي في إسعاف كهل إلى المشفى ليجد نفسه في مواقف لا ذنب له بها، فيعرض قصصاً إنسانية وواقعية معبرة لأفراد في رسالة مفادها أنه رغم تكالب الظروف وتعاظم الأعباء ما يزال الخير في الإنسان السوري وهو لصيق به ولن يعود عليه إلا بالخير بطبيعة الحال.

تبعات الحرب

مؤخراً عرض فيلم الحكيم للمخرج باسل الخطيب والكاتبة ديانا جبور الذي تجري أحداثه ضمن بلدة ريفية نائية، وتحكي قصة طبيب «دريد لحام» يكرس وقته وحياته لخدمة أهل هذه البلدة، بما يمتلكه من خبرات مهنية وحياتية.

ويركز الفيلم على بعض الحالات الاجتماعية التي خلفتها الحرب وانعكاساتها على سلوك الناس ومصائرهم وأخلاقهم، من خلال مواجهة الحكيم أزمة شخصية أثناء زيارة حفيدته له، ليضع الفيلم المتلقي أمام حالة إن كان سيواجه أزمته وحيداً أم لا بعد كل ما قدمه لأهل البلدة، وتكشف أحداث الفيلم التأثير النفسي للحرب على الشعب السوري الذي ما زال يعاني من الفقد والأضرار واسعة النطاق والمصاعب الاقتصادية.

عزيمة وإصرار

الفنان أيمن زيدان صور الحرب وتداعياتها بفكره وبفنه من خلال تسلمه دفة إخراج فيلم «غيوم داكنة» الذي كتبه بالشراكة مع ياسمين أبو فخر، حيث جسد فيه الخراب الذي لحق بالبشر والحجر في لوحة فنية لم تخلُ من الأمل من خلال التوغل في إحدى قرى ريف حمص لينقل صورة حية عن تداعيات الحرب المشؤومة والمحاولات الحثيثة لسكانها من أجل العيش وإنعاش أنفسهم وأهلهم، فقد وضع زيدان في هذا العمل يده على الجرح الذي ينزف بجسد السوريين جميعاً.

كما كان لزيدان بصمة قوية أيضاً في السينما التي نقلت وجع سورية وجراحها في فيلم «أمينة» طارحاً من خلاله قوة المرأة السورية وعزيمتها وصبرها على الألم والفقد، وسلط الضوء على طريقة تعاطيها مع تبعات الحرب ليحرك وجدان المشاهد ويقدم دروساً في الصبر والتفاني والإباء، وقد شاركه في الكتابة سماح القتال وتسلمت الفنانة نادين خوري بطولة الفيلم مؤدية شخصية أمينة.

مسابقات إقليمية وعالمية

وعن هذا الشأن يخبرنا المخرج السينمائي فراس محمد أن السينما السورية خلال الأزمة الأخيرة على سورية كان شغلها الشاغل هو الاقتراب قدر الإمكان من الواقع وإعادة رصده ونسج حكايات تنطلق من أفراده ويومياته وهو ما جعلها قريبة جداً من الإنسان والمعاناة والفقد وآثار الحرب القذرة حيث إن السينما لا يمكن أن تنفصل عن الواقع ولا يمكن أن تتجاوزه ولا بد أن تكون السينما ابنة المكان والزمان وخصوصاً في فترة تشهد فيها المنطقة أحداثاً عظيمة ووجود تفاصيل هذه الأحداث في مجريات الأفلام السينمائية أو حتى بناء الهيكل الدرامي للعمل ككل على هذه الأحداث بات أمراً ضرورياً.

ويرجع محمد توجه السينما السورية إلى تسليط الضوء على هذه الأحداث إلى أن السينما السورية لا تعنى بتحقيق الربح التجاري على عكس الدراما التي توجهها متطلبات السوق وهو ما فرض عليها تغيير بعض المعطيات أو المواضيع في أماكن عدة، وقد جسدت الدراما في أعمال عديدة أيضاً تبعات الحرب وتداعياتها وآثارها ولكن في مواضع كثيرة باتت مكررة على حين أن السينما قدمت في كل عمل سينمائي قصة معينة تختلف عن الأخرى.

وأشار محمد إلى أن جمهور التلفزيون واسع ومتنوع ولا يمكن أن يعنى في كل الأحيان بالحرب وظروفها وأشكالها وما إلى ذلك وخصوصاً أن الأعمال التلفزيونية ربما لا تعرض في السوق المحلية فحسب.

كما نوه إلى أن الأفلام السينمائية تخوض في مهرجانات ومسابقات عالمية وإقليمية وهي تعنى بالتقاط اللحظة وهو ما يعرف بتعريف الجمهور بمجريات الأحداث التي تدور في البلد الذي يحمل الفيلم جنسيته وهي إحدى وظائف السينما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن