عقدت مجموعة «بريكس»، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، الدول صاحبة أسرع نموّ اقتصادي في العالم، قمتها الـ15 في جوهانسبرغ.
وتكتسب «بريكس» أهمية في التعاملات التجارية العالمية، لأن أعضاءها يمثّلون أكثر من 42 في المئة من سكان العالم و23 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و18 في المئة من التجارة الدولية.
على جدول أعمال القمة موضوعان مهمان: أولاً البحث في توسيع المجموعة، ما يحوّلها إلى أوسع تكتل للأسواق الناشئة. وثانياً تعميق استخدام العملات المحلية في التجارة بين الدول الأعضاء في المجموعة واحتمال إنشاء عملة مشتركة، وذلك في محاولة منها للحد من هيمنة الدولار من ضمن ما باتت تُعرف بحملة «إلغاء الدولرة De – Dollarization».
نشهد اليوم ولادة ثنائية جديدة آخذة في التبلور بعد انتهاء نظام الحرب الباردة الذي قام على ثنائية الشرق والغرب، كما نشهد تبلور أنماط وقواعد وأولويات وسلوكيات مختلفة تطبع العلاقات الدولية، حيث تمثل «بريكس» الثقل أو القطب الجاذب فيما صار يُعرف بالجنوب العالمي.
نحن أمام أجندة دولية تحمل أهدافاً ورؤى، بعضها قريب المدى مثل التوسيع التدريجي للمجموعة، وبعضها بعيد المدى لخلق أطر وآليات بديلة عن تلك القائمة التي تتحكم بها بشكل كبير قوى الشمال العالمي. ويندرج ذلك كله في مسار تحول إستراتيجي على المستوى الدولي أطلقته مجموعة «بريكس».
ويرى الباحث الاقتصادي خالد الشافعي أن أميركا ليست لديها دائماً القدرة على الضغط الدولي، لأن من حق كل دولة أن تتعامل بالشكل الذي يحقّق مصلحتها الاقتصادية.
يمكن القول إن الدول المؤسسة لـ«بريكس»، تمثل قوة حقيقية على الصعيدين العسكري والاقتصادي، حيث تضم 4 من أقوى جيوش العالم، وتمتلك أفقاً اقتصادياً رحباً في الحال والمستقبل.
يجمع المحللون على أن «الاتفاق حول مبدأ توسيع «بريكس»، الذي يتكون بالفعل من جزء كبير من أكبر اقتصادات العالم النامي، يعد انتصاراً أخلاقياً للرؤية الروسية والصينية للكتلة كموازنة لمجموعة السبع».
«بريكس» طوق النجاة ومخرج آمن ومشروع عملاق لإعادة الاعتبار لمن تمسكوا بعدم الانحياز. فحلم «بريكس» يمنح الجرأة السياسية والاقتصادية، والتحول إلى استخدام وتقوية العملات الوطنية والمحلية في التجارة البينية بين الدول الأعضاء، والاستقلال عن المؤسسات النقدية الغربية.
نجاح هذا التكتل، ربما تؤكده أرقام التبادل التجاري خلال العقدين الماضيين، وقد زادت بنسبة 300 في المئة.
دعا الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في افتتاح قمة «بريكس» الدول الأعضاء فيها إلى إنشاء عملة مشتركة للتجارة والاستثمار بعضها مع بعضٍ، بوصفها وسيلة للحد من تعرضها لتقلبات أسعار صرف الدولار.
وقد أشار مسؤولون واقتصاديون إلى الصعوبات التي ينطوي عليها هذا المشروع، بالنظر إلى الفوارق الاقتصادية والسياسية والجغرافية بين دول «بريكس».
قال زعماء المجموعة إنهم يريدون استخدام عملاتهم الوطنية أكثر بدلاً من الدولار الذي ارتفع بشكل حاد العام الماضي مع رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وحيث إن دول «بريكس» اليوم تمثل 40 في المئة من سكان العالم، فإن تجمع الدول الصناعية السبع لا يشكل سوى 10 في المئة، ثمة كذلك الاقتصاد الذي يبلغ ربع الناتج المحلي العالمي. وإذا انضمت بالفعل السعودية وإيران والجزائر بقوتها النفطية والجيوسياسية، وماليزيا وإندونيسيا ومصر فقط بوزنها الديموغرافي وملايينها السكانية، فأنت هنا بالفعل أمام تجمع اقتصادي هائل.
وأعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، في نهاية القمة أن مجموعة بريكس- قررت رسمياً دعوة كلّ من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، للانضمام إلى المجموعة الطامحة لتصبح قوة اقتصادية عالمية.
وأوضح رامافوزا أن انضمام هذه الدول سيكون بداية من الأول من كانون الثاني 2024، لتلتحق بذلك بمجموعة الدول الناشئة الساعية إلى تعزيز نفوذها في العالم.
وفي مؤتمر صحفي مشترك بين قادة دول «بريكس» أكد رامافوزا الاتفاق على اعتماد بيان جوهانسبرغ في ختام القمة، وقال إن المجموعة التي تتخذ قراراتها بالإجماع، اتفقت على «المبادئ التوجيهية لعملية توسيع «بريكس» ومعاييرها وإجراءاتها».
من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة عبر الفيديو، إن الاستمرار في توسيع «بريكس» من شأنه تفعيل دور التكتل على الصعيد الدولي، ورأى أن مسألة اعتماد عملة موحدة لا تزال معقدة، وبحاجة لمزيد من النقاشات.
ومن جهته، قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن توسيع «بريكس» يعزز المجموعة، ويعطي زخماً للعمل المشترك.
أما رئيس البرازيل لولا دا سيلفا، فأكد أن اهتمام الدول الأخرى بالانضمام لمجموعة «بريكس»، أظهر مدى أهميتها في مساعي إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد.
من جانبه، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن «توسيع العضوية هذا حدث تاريخي وأضاف إن «التوسع يعد أيضاً نقطة انطلاق جديدة للتعاون بالنسبة لـ«بريكس»، فهو سيمنح آلية تعاون «بريكس» قوة جديدة وسيعزز قوة الدفع باتجاه السلام والتنمية في العالم».
لقد أعرب زعماء «بريكس» عن اعتقاد مشترك بأن النظام الدولي يخضع لهيمنة الدول والمؤسسات الغربية ولا يخدم مصالح الدول النامية، كما أكدوا ضرورة إرساء نظام عالمي متعدد وإنهاء هيمنة الدولار.
وفي هذا السياق، رأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ضرورة إصلاح «البنية المالية التي عفا عنها الزمن والمختلة وغير العادلة» في العالم.
يمثل «بريكس» لحظة وعي أممي على مستوى شعوب العالم ما بعد النامي، ومنها شعوب حققت معدلات نمو متميزة قولاً وفعلاً.
قمة «بريكس» وجهت للغرب وللعالم مجموعة رسائل منها؛ التخلص من الدولار كعملة عالمية مسألة لا رجعة عنها، نحن نعمل على إيجاد آليات تسوية مالية أفضل، بعيداً عن الآليات الغربية، لأن دول «بريكس» أصبحت تتخفف من ارتباطها بالدولار.
ليس سراً القول إن هذا التجمع الكبير لم يكن يهدف، ولا يظن أنه يستهدف المشارعة والمصارعة العسكرية مع أحد، بل جرى التفكير فيه بوصفه نوعاً من «حصون الأمان» التي تقي الأمم والشعوب من تقلبات العم سام وحلفائه الأوروبيين، ولاسيما مع هيمنة الاقتصاد الأميركي على مقدرات العالم، وهو المشهد الذي مضت به المقادير على مدى 3 عقود، أي منذ تفكك الاتحاد السوفييتي. والعالم يشهد اليوم ولادة عصر مالي جديد.