ثقافة وفن

توريث الفن… هل موهبة أصيلة أم نجاح محقق؟ … أبرزهم رشا شربتجي وسيف سبيعي وحازم زيدان والسدير مسعود… نماذج أكدت استحقاقها النجومية

| مصعب أيوب

درج قديماً وحتى في زماننا المعاصر أن تتناقل بعض الأسر المهنة التي يعتاش منها الآباء ويرثها الأبناء كالنجارة والحدادة وصنع الحلويات والحفر على الخشب والزخارف وسواها من الحرف التي يتلقنها الأبناء من آبائهم منذ الطفولة عبر ترددهم إلى ورشة عمل الأب أو دكانه خلال عطلتهم، فيتقنون تلك المهنة، ويبدعون فيها، وهو ما يشير إلى أنه يمكن توريث الصنعة الحرفية، فهي مهارة آلية يمكن تطويرها بالتدريب والممارسة، فجرت العادة أن يرث الناس مهناً وأموالاً وعقارات وما إلى ذلك، لكن البعض يرث من أهله النجاح والشهرة والفن والغناء والبراعة في الرقص أو التمثيل وكذلك الإخراج، وقد احتلت الشاشات مؤخراً أسماء كثيرة لوجوه شابة جديدة، أسهم -بطبيعة الحال- وجود أقاربهم في انخراطهم في هذا الميدان.

بيئة فنية

لا شك في أن هناك بعضاً من الصحة في نظرية الوراثة، لأن الجينات تنتقل من الآباء إلى الأبناء، لكن هذه النظرية يشوبها بعض الشوائب، لأن التأهيل يلعب الدور الأهم في النجاح، وهو ما تتطلبه مهنة الفن حيث لا يكفي أن يرث المولود موهبة التمثيل بالفطرة من أحد والديه، وإنما هو بحاجة لصقل هذه الموهبة ورعايتها وبذل مجهود كبير لتقويتها.

وإن البيئة التي ينشأ فيها أحدنا تؤثر بشكل كبير في اهتماماته ورغباته وميوله، حيث إن المناخ العام الذي يترعرع فيه يتمحور حول فنانين أصدقاء، وحول قراءة نصوص درامية وتصوير مشاهد في ساعات متأخرة من الليل أو حضور حفلات فنية راقصة وعروض مسرحية وما إلى ذلك، تجتمع هذه العناصر لتوجد شخصاً محباً للفن ومندمجاً به وشغوفاً بالوصول إلى ما عليه حال أهله.

موهبة حقيقة

مجالات فنية عديدة تندرج تحت بند توريث الفن فهناك الكثير من الأبناء الذين انخرطوا في الميدان الفني أسوة بأهلهم كان مصيرهم الفشل حيث إنهم اعتمدوا بالدرجة الأولى على نجاح آبائهم، على حين أن آخرين برعوا وتألقوا وحجزوا لأنفسهم مكانة فنية لائقة أثبتت كفاءتهم واستحقاقهم النجاح.

لا شك في أنه من الواجب على الأهل أن يدعموا أبناءهم ويقدموا لهم المساعدة ويعبدوا الطريق أمامهم، وبطبيعة الحال فإن الوراثة هي نقطة الانطلاق، ولكن لكي يضمن الابن لنفسه مكانة مرموقة عليه أن يثبت نفسه بقوة على الساحة الفنية، وبطبيعة الأمر بشكل تدريجي علاوة على امتلاكه الموهبة الحقيقية والشغف اللازم الذي يخلق لديه حب المهنة، وبفضل علاقات الأهل والدعم المادي يمكن أن يحقق الابن شيئاً يعجب الجمهور ويحبه المتلقي، لكن عليهم ألا يتوقفوا بتوقف هذا الدعم والمال.

الآباء يقدمون النصائح

كاتب السيناريو سامر سلمان أوضح في تصريح لـ«الوطن»: إن فكرة توريث الفن ليست مستهجنة أو غريبة في حال لم يتم إقحام الوريث في الفن، وعلى العكس تماماً فإنه لو تمتع ببعض الموهبة واكتسب الخبرة من البيئة التي نشأ فيها، والتصق بوالده ليستفيد من تجاربه ومحاولاته المتنوعة، وأخذ منه بعض النصائح والتعليمات التي تصوب له بعض الأخطاء أو تحدد له مساراً صحيحاً يسير فيه، فهو بطبيعة الحال ضمن أجواء داعمة للفن وتتبناه، فإن هذا شيء إيجابي وربما يختصر مراحل عديدة ربما يحتاجها الابن في التدريب والتعليم الأكاديمي.

وتابع سلمان: إن عملية زج الابن في أعمال درامية ليضمن له والده النجاح والشهرة بشكل مسبق من دون تمتعه بالموهبة الكافية ربما توجد عنده بعض الغرور ولن يكون فناناً ناجحاً ولن يحقق الشهرة المطلوبة أو ربما سيكون نصيبه الفشل، وأفاد: إن فكرة التوريث لا يمكننا أن نجزم بأنها صحيحة وكذلك لا نؤكد أنها خاطئة ولا بد من دراسة كل الأبعاد والحالات، هل حقق شيئاً متميزاً بمعزل عن والده؟ هل ظهرت موهبته فعلاً بشكل جلي من خلال بعض الأدوار البسيطة ومنذ البدايات؟ وعلى ضوء المعطيات التي بين أيدينا يمكن أن نقر بقاءه واستمراره أو إزاحته لأن وجوده سيكون عبئاً وسيوجد بعض المشاكل ولن يكون إضافة فنية أو مهنية، فالعمل الفني بنسبة كبيرة إبداعي ولا يمكن أن يحقق النجاح المطلوب إلا بوجود المبدعين من أصغر مشارك فيه إلى أكبرهم.

نماذج من الدراما السورية

ومن أمثلة الأبناء الذين ورثوا مهنة الفن عن آبائهم وأثبتوا كفاءتهم وجدارتهم باستحقاق هذه المكانة والوصول إلى النجومية والشهرة الفنان حازم زيدان ابن الفنان أيمن زيدان، وقد امتدت الوراثة هذه إلى أن أدى الابن شخصية والده ذاتها في مسلسل يوميات مدير عام، حيث لعب الابن في مسلسل أيام الدراسة شخصية مدير عام، وقلد فكرة العمل التي تقوم على تنكر المدير العام والتنقل بين الموظفين في مديريته، وكشف الأخطاء ومحاسبة المذنبين، وتسهيل سير معاملات المواطنين، فكان أن أذهل المشاهدين ببراعته وأدائه وكأن الزمان عاد بهم عشرات السنين ليذكرهم بما قدمه والده سابقاً.

الفنان القدير غسان مسعود أورث ابنه مهنة التمثيل وكذلك الإخراج، فها هو الشاب السدير مسعود يخوض تجارب إخراجية عديدة منها فيلم المخاض وفيلم خلل، وكذلك فقد أخرج مسلسل قيد مجهول الذي حاز شهرة كبيرة وحصد نسب مشاهدة عالية، وذلك بعد خوضه بطولة عدة أعمال تلفزيونية ومنها نبتدي منين الحكاية وأحمر مقابلة مع السيد آدم، وفي الوقت ذاته فقد كان لابنته اللوتس مسعود.

الفنان الراحل وفيق الزعيم أورث ابنه براء الزعيم أيضاً مهنة الفن بعد أن دعمه والده في عام 2003 من خلال إشراكه في دور صغير في المسلسل الذي ألفه (الياسمين والإسمنت) حيث كانت هذه المشاركة مجرد تجربة عابرة فحسب، ولكن عندما تعرض الأب والابن للنقد والمضايقات أرادا أن يثبتا عكس ذلك ويؤكدا للجميع موهبته، وقد شارك الابن في أعمال البيئة الشامية بشكل كبير تماماً كما سبقه والده.

الفنان مظهر الحكيم مهد الطريق بطبيعة الحال لابنتيه أماني ونسرين الحكيم لتكونا في المكان الذي طمحن إليه الدراما السورية، كذلك هو الحال مع الفنان الشاب هافال حمدي الذي أشركه والده طلحت حمدي في العمل الذي ألفه وأخرجه، وأفسح المجال أيضاً في هذا العمل لأختيه هيفين وهيف حمدي للدخول في عالم الفن، ولكن لأسباب غير معروفة لم تسنح الفرصة إلا للطفل هافال للوصول إلى النجومية من خلال أدواره التي أداها والتي منها حارس القدس والكندوش وعلى قيد الحب.

الأمر ذاته بالنسبة للفنانة ديمة بياعة التي دخلت عالم الفن بمساعدة والدتها سلمي المصري في مسلسل الكواسر 1998، وكذلك أيضاً الفنان والمخرج سيف سبيعي الذي يحقق نجاحاً كبيراً اليوم على الساحة الفنية بعد أن مد له والده الراحل رفيق سبيعي يد العون للوقوف ثابتاً في هذا الميدان، وكذلك المخرجة رشا شربتجي ابنة المخرج الراحل هشام شربتجي التي كان يصطحبها والدها كثيراً معه إلى مواقع التصوير ليزيد من خبرتها وبراعتها في مجال الإخراج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن