ثقافة وفن

الإبداع الأدبي والتشكيلي في مرحلة المراهقة … جانبان مهمان يمنحان المراهق فرصة تأكيد الذات

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان «الفنون والمراهقة، الأدب- الفن التشكيلي»، تأليف غسان قنديل، تقع في 215 صفحة من القطع الكبير، وتستعرض هذه الدراسة جانبين مهمين من حياة المراهق: الإبداع الأدبي، والإبداع التشكيلي، لدورهما في تنمية التفكير الإبداعي، ومنح المراهق فرصة التجريب، ومحاولة تأكيد الذات، وتسلط الضوء على كيفية تربية المراهقين للوصول إلى أعلى مستويات السعادة. فمن سمات التخلف الحقيقي عدم الاهتمام بهذه الشريحة المبدعة، وعدم توفير المكانة لها في الصف والمجتمع وعدم الاعتراف بإنتاجاتها الفنية والفكرية وتسميتها بمسمياتها الحقيقية (أدب المراهق، فن المراهق).

وتتناول الدراسة الموضوعات التالية في الأدب: الأدب والمراهقة، مستويات الإبداع، المتنفسات العاطفية السليمة عند المراهق، طرق التفكير والإدراك عند المراهقين، الزمان- المكان- الفراغ- والشباب، الفراغ والقراءة «المطالعة»، الفراغ واللعب، نماذج من التأليف «إنتاج الفتيان».

إضافة إلى الموضوعات التالية في الفن التشكيلي: طبيعة فن المراهق ودور المدرسة المهم في ذلك- وأثر البيئة في طبيعة فن المراهق، الاتجاهات الفنية لفن المراهق والعوامل التي تعوق نمو فن المراهق، المراهقة والتراث، إثر تذوق الجمهور والثقافة على فن المراهق، الزمان والمكان، قراءة لوحة مراهق، الفن التشكيلي والتفوق المدرسي، المفهوم الجمالي لدى المراهق، موهبة الوالدين في غاية الأهمية، كيف نحمي المبدعين من المراهقين؟ كيف نقلل من التأخر الدراسي؟ متابعة أعمال المراهقين.

طبيعة أدب المراهقة

وفي البداية يتحدث الكاتب عن أدب المراهقة بوصفه أدباً غامضاً ومصطلحاً لم يستقر من حيث مفهومه ومعناه.

ويشير إلى طبيعة أدب المراهق التي تتميز بخصائص عقلية وسيكولوجية غير مستقرة أحياناً ومطمئنة أحياناً أخرى حسب الحالة التي يعيشها المراهق، فكثيراً ما تتداخل الأفكار وتكشف عن حكايات تؤكد أن الدوافع الحقيقية وراء سلوك العديد من المراهقين تعود في حقيقتها إلى عوامل أو ظروف لا تتطابق مع ما نروجه نحن تجاهها، وأن العديد من سلوكيات المراهقين كانت بهدف إثارة الانتباه.

ويقسم غسان قنديل طبيعة أدب المراهق إلى ثلاثة أقسام رئيسة، أولها المراهقة المبكرة التي يحاول فيها الطلاب تسجيل الواقعية وهذه المحاولة تعوق تحقيق القيم الأدبية في إنتاجهم وقد يجمع أحدهم بين أجناس متعددة، وقد يكون الشعر حاضراً في هذه المرحلة على شكل ومضة يحتاجها المراهق. وثانيها مرحلة المراهقة الوسطى التي يتجه الشباب فيها إلى التجريد قليلاً، ومن الواضح أن عملية التفكير الموجودة في العمليات الشكلية تنتج إبداعاً قد يكون متميزاً وأحياناً الإغراق في التجريد الذي قد يصل بالمراهق إلى الخمول، وتبقى القوة الدافعة والطاقة كامنة إلى حين. أما ثالثها فهي مرحلة المراهقة المتأخرة التي تتميز بحب الفتيان لبعض الموضوعات وهم يهتمون بالمهارة وانتخاب الوسيلة ويتجهون في ذلك إلى اتجاهات شخصية ضمن فترات الرؤيا، وهنا تعني التجربة النفسية المكونة من الإحساس والمتعة الجمالية التي تعكس الصورة الداخلية للمراهق.

فن المراهق

ويبين الكاتب أن دراسة فن المراهق تخضع إلى التقسيمات السابقة ذاتها، مشيراً إلى أنه في مرحلة المراهقة المبكرة يظهر التسجيل القريب من التصوير الضوئي وتنشأ مرحلة التطور عن فن الطفل حيث يدخل الوعي والموضوعية أحياناً والذاكرة لتتلاقى في صنع العمل الفني الذي يمزج بين الطفل والمراهق ليقدم لنا عملاً فنياً لا يحمل القيم الفنية الدقيقة.

ويوضح قنديل أنه في مرحلة المراهقة الوسطى يتجه الشاب إلى داخل وعيه اليقظ ليكشف زواياه وبتكثيف فيركز على التجريد قليلاً ويقدم ملامح داخلية ونفسية بمجملها ساكنة يتخللها حدث متحرك، كما يهتم بالموضوعات الصامتة ودراسة الوجوه مع التفصيل الشديد أحياناً، وفي هذه المرحلة يظهر المراهقون شغفهم بالقدرة على الرسم الدقيق.

ويؤكد أن مرحلة المراهقة المتأخرة تتميز بحب الشباب لبعض الموضوعات والاهتمام بالمهارة وانتخاب الوسيلة متجهين في ذلك باتجاهات شخصية ضمن مدد الرؤيا، وتعني هنا التجربة النفسية المكونة من الإحساس على الرغم من ميله إلى التفسير بعدّها أعمالاً فنية مستقلة. كما يقول: «في هذه المرحلة يتسع أفق المراهق وينطلق إلى عالمه الآخر، يرسم ليعبر عن شيء هو في بعض الأحيان لا يدركه أو يعرفه، فتصبح الألوان لديه صارخة وهادئة متزامنة مع حالته النفسية، حينئذ يظهر جلياً ميله لأنواع الفنون كلها ومن خلال وعيه الاجتماعي يستطيع التعبير».

ويشير قنديل إلى أن معظم المراهقين يعشقون رسم الطبيعة الحية ويعالجون الموضوعات التي تحوم حول العائلة، ويميلون إلى التعبير عن المناظر الطبيعية ويظهر في اتجاههم هذا بعض المهارات في الرسم وفي إظهار درجات التظليل المختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن