ثقافة وفن

المترجمون يحتفلون بيومهم الدولي للترجمة دور حضاري وثقافي وعلمي منذ فجر التاريخ

| وائل العدس

لعبت الترجمة دوراً بارزاً في تقدم الحضارات التي احترفتها فكانت أساساً لثورات علمية عالمية.

يأتي ذلك بعد أن نهلت المجتمعات العلمية في دول شتى من معارف حضارات أخرى مكملة رحلة البحث والاستكشاف القائمة على الموروث العلمي للإنسان في بلاد أبعدتها الجغرافيا وقرّبتها اللغات.

ومع وجود ما يزيد على 6 آلاف لغة حول العالم مع تقارب المسافات التي قادتنا إليها وسائل التواصل الاجتماعي، زادت أهمية الترجمة كوسيلة لمد جسور التواصل والتعاون بين الحضارات.

وتكمن أهمية الترجمة في دورها الفارق والمهم في حوار الحضارات الذي يهدف إلى تقوية التواصل في فهم الحضارة ضمن إطار من التعاون المبني على الاحترام المتبادل والأمانة والدقة.

وقد لعبت الترجمة دوراً حضارياً وثقافياً وعلمياً بدأ منذ بزوغ فجر التاريخ البشري، ولا تزال تقوم بدورها حتى وقتنا هذا، على الرغم من تحديات العولمة وحصار التكنولوجيا، الذي يسعى للحد من تطورها واستمرارها.

وعندما نتحدث عن الترجمة فإننا بالضرورة نتحدث عن اللغة، أو اللغات، مع انعكاساتها المعقدة على الهوية والتواصل والتكامل الاجتماعي والتعليم والتنمية وأهميتها الإستراتيجية للبشر وكوكب الأرض.

اليوم الدولي

ففي مثل هذا اليوم من كل عام، يتم الاحتفال باليوم الدولي للترجمة، للإشادة بعمل المتخصصين في اللغة، الذين يلعبون دوراً مهماً في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون.

إن نقل العمل الأدبي أو العلمي، بما في ذلك العمل الفني، من لغة إلى أخرى، والترجمة المهنية، بما في ذلك الترجمة المناسبة والتفسير والمصطلحات، أمر لا غنى عنه للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي والإنتاجية في الخطاب العام الدولي والتواصل بين الأشخاص، وهكذا، في 24 أيار عام 2017، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 71/288 بشأن دور المتخصصين في اللغة في ربط الدول وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية، وأعلنت يوم 30 أيلول يوماً دولياً للترجمة.

مهنة نبيلة

وفقاً لليونيسكو، فإن الترجمة مهنة نبيلة محورها نشاط معرفي وفضاء ثقافي وإبداعي، وتتجلى أهميتها لكونها تفضي إلى تقارب الثقافات والشعوب، ونشر علومها المختلفة على نطاق أوسع بدلاً من حصر فائدتها في المجتمع المحلي، فهي تسمح بحوار الثقافات بين مختلف الشعوب والأمم، على اختلاف لغاتها وأعراقها ومعتقداتها، بدلاً من الانكفاء محلياً في عصر أصبحت فيه العولمة هي السمة الأكبر.

وإحقاقاً لأهمية الترجمة، أطلق الاتحاد الدولي للمترجمين الذي تأسس عام 1953 فكرة الاحتفاء باليوم العالمي للترجمة منذ عام 1991، كمناسبة لإظهار التعاون بين المترجمين في أنحاء العالم، ولتعزيز أهمية الترجمة وأعمال المترجمين، ثم تجاوبت الجمعية العامة للأمم المتحدة مع هذا الطرح واعترفت بهذا اليوم واحتفت به للمرة الأولى في 30 أيلول عام 2017 كما أسلفنا سابقاً.

تاريخ الترجمة

ورد في سجلات التاريخ عن المترجمين والمفسرين المحترفين بأنهم ظهروا منذ عام 4000 قبل الميلاد، حيث كان الرومان أول من باشر مهنة الترجمة، وكان «سيسيرو» و«هوراس» أول من وضع النظريات المتعلقة بالكلمة والمعنى.

أما أول حضارة عرفت الترجمة فهي حضارة ما بين النهرين، وكانت عبارة عن معجم مكتوب فيه مجموعة كلمات وتقابلها معانيها، وازدهرت الكتابة بعد ذلك في بلاد الرافدين ومصر القديمة.

ولأن الترجمة فن قديم قدّم الأدب المكتوب، فقد تمت ترجمة أجزاء من ملحمة جلجامش السومرية، من بين أقدم الأعمال الأدبية المعروفة، إلى عدة لغات آسيوية منذ الألفية الثانية قبل الميلاد.

عند العرب

عرف العرب الترجمة منذ أقدم عصورهم، وكانوا يرتحلون للتجارة صيفاً وشتاءً ويتأثرون بجيرانهم في مختلف نواحي الحياة، فعرفوا بلاد الفرس، وانتقلت إليهم ألوان من ثقافتهم، وانتقلت بعض الألفاظ الفارسية إلى اللغة العربية، وظهرت في شعر كبار الشعراء، وكان الأعشى من أشهر من استخدموا في شعرهم كلمات فارسية، وكذلك عرف البعض جيرانهم البيزنطيين.

إذاً، احتك العرب منذ الأزل بالشعوب الثلاثة المحيطة بهم، الروم في الشمال والفرس في الشرق والأحباش في الجنوب، ومن الصعب قيام مثل هذه الصلات الأدبية والاقتصادية من دون وجود ترجمة، وإن كانت في مراحلها البدائية.

وفي زمن الدولة الأموية، تمت ترجمة الدواوين، على حين كانت الترجمة في العصر العباسي بعد الفتوحات، واتساع رقعة الدولة نحو الشرق والغرب، واتصال العرب المباشر بغيرهم من الشعوب المجاورة ولاسيما في العصر العباسي، ازدادت الحاجة إلى الترجمة، فقام العرب بترجمة علوم اليونان، وبعض الأعمال الأدبية الفارسية، فترجموا عن اليونانية علوم الطب والفلك والرياضيات والموسيقا والفلسفة والنقد.

وبلغت حركة الترجمة لدى العرب مرحلة متطورة في عصر الخليفة هارون الرشيد وابنه المأمون، الذي يروى أنه كان يمنح بعض المترجمين مثل حنين بن إسحق ما يساوي وزن كتبه إلى العربية ذهباً، ومن المعروف أن المأمون أسس دار الحكمة في بغداد بهدف تنشيط عمل الترجمة، وقد ترجم وألّف حنين بن إسحق الكثير من الكتب في علوم متعددة، وتابع ابنه هذا العمل.

وفي القرن التاسع الميلادي، قام العرب بترجمة معظم مؤلفات أرسطو، وهناك مؤلفات كثيرة ترجمت عن اليونانية إلى العربية، وضاع أصلها اليوناني فيما بعد، فأعيدت إلى اللغة اليونانية عن طريق اللغة العربية، أي إنها لو لم تترجم إلى اللغة العربية لضاعت نهائياً.

ولعل أشهر كتاب ترجمه العرب هو كتاب «كليلة ودمنة» الذي ألفه باللغة السنسكريتية الفيلسوف الهندي بيدبا، وقام عبد اللـه بن المقفع وهو فارسي الأصل في عهد الخليفة أبي جعفر المنصور بترجمته من الفارسية إلى العربية وأضاف إليه بعض الأشياء. ولقد حدث أن أعيدت ترجمة الكتاب إلى اللغة الفارسية عن النص العربي، لضياع الترجمة الفارسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن