قضايا وآراء

الخبر ليس بحاجة إلى إعراب

| منذر عيد

قد لا تبدو قراءة ما يجري من أحداث في الجنوب السوري، وتحديدا في محافظة السويداء بحاجة إلى ترجمان محلف، أو إلى خبير في تاريخ سياسات الدول الاستعمارية، والحركات الانفصالية، الأمر الذي دفع الجميع من أصلاء ووكلاء إلى «اللعب» على المكشوف، فيما يبدو أنها محاولة لكسب الوقت والدخول في مرحلة التنفيذ للمخطط المرسوم لتلك المنطقة.

في البداية ثمة أمران لافتان في أحداث السويداء، الأول وفيه شيء من الاستغراب وهو طريقة تعاطي الولايات المتحدة الأميركية والدول «المزروبة في حظيرتها» هناك، حيث تعيد تلك الدول الخطوات والأساليب والأدوات ذاتها في مشروعها الواضح، واللعب على البعد الطائفي والقومي، لإنشاء كانتون مستقل في الجنوب على غرار ما تسمى «الإدارة الذاتية» الكردية في شرق الفرات، يمكنها في حال نجاح الأمر، وهو أمر مستبعد ومستحيل الحدوث، من مد سيطرتها على كامل الحدود السورية العراقية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال عبر تكوين منطقة متصلة مرورا بمنطقة التنف المحتلة، والمستغرب في الأمر أن ذاك الأسلوب لم يفلح سابقا في بداية 2011، ويبدو أنه يترنح حالياً في أولى خطواته، وهذا ما بدا واضحاً في تصريح رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سورية دان ستوينيسكو بضرورة الاهتمام الجاد والفوري بما يحصل في السويداء ومعها اللاذقية، وحديثه عن ضرورة السماح بالتجمع السلمي، وهنا مربط الخيل، حيث لم يتعرض للمظاهرات أحد ويبدو أن هذا جاء على عكس الأمنيات الأوروبية، وحديث ستوينيسكو يفسر على أنه طلب لتدخل «الأصيل» المشغل للوكيل بشكل مباشر لتأجيج الأوضاع بشكل أو آخر، عبر افتعال أعمال تثير البلبلة وتستفز المجتمع الأهلي في السويداء.

الأمر الثاني، مسارعة الوكيل في النزول عن صهوة المطالب المعيشية، والذهاب مباشرة في الإعلان عن نياته الحقيقة من دون أي تردد، فحضرت شعارات ورايات الانفصاليين من مناطق «الإدارة الذاتية» الكردية، ورايات مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية، بعلم الانتداب، فكانت المسارعة إلى إعلان مجموعة من الضباط المتقاعدين عما سموه «مشروع لإدارة السويداء وريفها من خلال تشكيل لجنة مجلس مؤقت ولجنة عسكرية لإدارة شؤون المحافظة وتسيير أمور السكان فيها»، ومن دون أدنى شك أنه كتب بيد أميركية- صهيونية، الأمر الذي تنبه له عقلاء المحافظة، عبر تأكيد الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء أن ما يسمى ببيان الضباط المتقاعدين في السويداء والذي يهدف لتشكيل مجلس إدارة مؤقت، هو آراء شخصية تمثل أصحابها فقط، وأن ذاك البيان لا يمثل موقف الرئاسة الروحية مطلقاً.

المطالبة بتحسين الوضع المعيشي لأي كان، حق لا نقاش فيه، إلا أن ما يحدث في السويداء خرج عن تلك المطالب، من خلال محاولة مجموعة محددة ومعروفة بارتهانها إلى الخارج، أرادت أن تجعل من لقمة الناس ومعيشتها وقوداً لحرب جديدة ولإعادة إحياء تقسيم سورية، «فمن العناوين تقرأ الرسائل»، وهذا يبدو جلياً من خلال الأسماء التي تقود مشروع الفتنة في السويداء وفي مقدمها المدعو وحيد البلعوس، وقد ارتبطت أعماله منذ العام 2011، بقيادتين روحية وسياسية خارج سورية ومعادية لها، إضافة إلى شخص يدعى سامر الحكيم، وهو معروف بعلاقته مع القيادة الأميركية في التنف، حيث تحدثت تقارير أن الحكيم مرتبط بمالك أبو الخير وبـ«حزب اللواء السوري»، الممول من بريطانيا وقطر، وهؤلاء من تعوّل عليهم أجهزة الاستخبارات في ثلاث دول هي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لتنفيذ المخطط الأميركي بضم مدينة السويداء إلى حزام الحصار الأميركي القادم من شرق الفرات وحتى محافظة درعا.

الخبر القادم من السويداء ليس بحاجة إلى إعراب، فالمدعو سامر الحكيم أعلن في شهر شباط أمام وجهاء قريته «خازمة» في ريف المحافظة الجنوبي الشرقي أنه يسعى إلى تشكيل فصيل مسلح بدعم من دول خارجية لم يسمها، وأن مقاتلين من ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية –قسد» سيشرفان على عمليات التدريب وأن الفصيل سيكون نواةً لإنشاء «حماية وإدارة ذاتية» في المحافظة.

إن قيام أولئك المرتزقة، وهم قلة قليلة شذت عن شيم ومكارم أهل السويداء أحفاد المجاهد سلطان باشا الأطرش، بارتهان المحافظة، وشل جميع مفاصلها الرسمية والاقتصادية العامة، يجب أن يقابل من العقلاء والشرفاء في المحافظة بالرفض لممارساتهم، والنكران لأفعالهم، وذلك عبر رفع الصوت، وفصل المطالب المحقة بما يخص الوضع المعيشي، عن مشاريع الفتنة التي خطتها اليد الأميركية- الصهيونية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن