ثقافة وفن

سيرة الإعلان وأول إعلان عربي …  قل للمليحة في الخمار الأسود .. ماذا فعلتِ بناسك متعبدِ

| شمس الدين العجلاني

دعاية أم إعلان!؟ قديماً أطلقوا كلمة دعاية لكل ما يروّج إلى مادة ما أو عمل ما لاستقطاب الناس «الزبائن» إلى ذلك الشيء سواء كان منتجاً أم مهنة، ومن ثم تطور الأمر فأصبحت الدعاية بمفهوم والإعلان بمفهوم آخر.
يعرف الإعلان الآن بأنه المجاهرة، بمعنى أن فلاناً أعلن عن شيء، أي جاهر به ونشره بين الناس بهدف استقطاب الناس إليه، ويقولون أيضاً إن الإعلان كلام منمق تصاحبه صورة أو لا تصاحبه، تنشره الصحف والمجلات، أو تبثه الإذاعة والتلفاز أو تعرضه دور السينما على شاشاتها ليطلع الناس على مضمونه، ولكن التعريف العلمي المعاصر هو: اتصال غير شخصي بمعلومات، مدفوعة الأجرة عادة، ويميل للإقناع غالباً، وذلك حول سلعة أو خدمة أو فكرة، تمولها جهة ما عبر وسائل عدة للاتصال.
و هنالك آراء متعددة حول الإعلان وأنه «حسب رأي» عالم الاجتماع فانس بيكر يلجأ إلى حيل تعتمد على التأثير النفسي لغرس اسم السلعة أو الشيء المعلن عنه في نفس المتلقي، لإحداث الأثر الإعلاني المطلوب.
لقد أضحى الإعلان في وقتنا الحالي صناعةً وفناً وهو على درجة من الخطورة: «إذا تركنا صناعة الإعلان من دون رقابة فسوف تسيطر على حياتنا وتأسرها، حيث دخلت دول صناعية كبرى في منافسات محمومة، لغزو بعضها بعضاً من جهة، والتكالب لغزو العالم النامي، الذي صار ينعت في الأوساط الاقتصادية العالمية، بأنه العالم الاستهلاكي، ما يؤكد أن حرب الإعلانات مسموح فيها استخدام كل أساليب المكر والخداع.. حتى ولو وصل الأمر إلى أن يتبرأ المعلن من أصله وجذوره، من أجل حفنة دولارات- فانس بيكر-»
للإعلان تأثير اجتماعي كبير بما يبث في وسائل الاتصال المختلفة من إعلانات ودعايات تجارية. هذا فضلاً عن الأفكار التي دخلت إلى مجتمعاتنا وغيرت من خصائص هذه المجتمعات ومقوماتها، فالرسائل الخفية التي تبثها الإعلانات التجارية لا تهدف فقط للترويج للسلعة وإنما هي في أحيان كثيرة تهدف إلى الترويج لأفكار جديدة وعادات جديدة تتسلل إلى المجتمع دون شعور أو انتباه من أفراده، فعلى سبيل المثال في يومنا هذا هنالك إعلانات تجارية تروج لمنتجات عديدة تقوم غالباً بتمثيلها نساء بمواصفات معينة، فالمرأة في الإعلان التجاري غالباً ذات قوام ممشوق، وطول فارع ولطافة غريبة، وفي هذا بث لرسالة خفية ترسخ مفهوماً محدداً للجمال الأنثوي، فالمرأة الجميلة هي التي تشبه فتيات الإعلان، والبيت الجميل هو البيت الذي يشبه ذاك الذي يظهر في الإعلان… إلخ وفي هذا كما لا يخفى على أحد، رسائل اجتماعية تغير كثيراً من نظرة الأفراد في المجتمع لمفاهيم الجمال والقيمة الإنسانية والفنية والتربوية ما ينعكس بمجمله على عاداتنا وتقاليدنا وحياتنا بشكل عام.
ولكن في الوقت نفسه أرى أن الإعلان يوثق حالة المجتمع والدولة وتطورهما.. ويمنحنا صورة عامة عن تلك الأيام، بمعنى لو عدنا إلى الصحف والمجلات السورية الصادرة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي لعرفنا بعضاً من الصناعات التي كانت قائمة آنذاك وبعضاً من التجار والأطباء والمدارس… وفي الوقت نفسه نستطيع من صحف ومجلات أيام زمان رسم صورة المجتمع آنذاك.

تاريخ الإعلان
فن الإعلان صناعة قديمة جداً وليست من الفنون المستحدثة، بدأ الإعلان على أشكال تطورت بمرور القرون حتى أصبح فناً وصناعة قائمة بحد ذاتها كما الآن.
يذكر المؤرخون أنه وجد في مدينة «بومي» بإيطاليا لوحات أثرية حجرية احتوت على إعلانات مكتوبة، بدأ الإعلان بعد ذلك من خلال المناداة والإشارات والرموز كرسائل إعلانية إلى أن تم اختراع الطباعة، فكان ذلك إيذاناً ببدء ثورة جديدة في تاريخ صناعة فن الإعلان، ويذكر بعض المؤرخين أن أول إعلان ظهر كان في عام 1840م حين طبع «وليم كاتسون» إعلاناً صغيراً يدعو إلى شراء كتاب ديني، وقيل أيضاً إن ذلك حصل عام 1591م، وإن هنالك صحيفة إنكليزية نشرت دعوة لشراء القهوة في عام 1652م.
تطور فن الإعلان في وطننا العربي مع تطور الطباعة وتقدمها وصدور الصحف والمجلات، وأول إعلان صدر في الوطن العربي كان في الصحيفة التي أصدرتها الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، ثم صحيفة (القطائع) التي أسسها «محمد علي باشا» عام 1831م وكذلك كان الوضع مع الصحف السورية واللبنانية ومن بعدها العراقية…

أول إعلان عربي
يقال إن العرب عرفوا الإعلان منذ عقود قديمة من خلال الشعر وأن الشاعر ربيعة بن عامر الذي عاش في العصر الأموي هو أول من قام بإعلان تجاري، فحين اشتكى له بائع «الخمار» في البصرة عن كساد بضاعته لأنه لم يبق لديه سوى اللون الأسود فقال «ربيعة»:
قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلتِ بناسك متعبدِ
قد كان شمّر للصلاة ثيابه حتى وقفت له بباب المسجدِ
ردي عليه صلاته وصيامه لا تقتليهِ برب دين محمدِ
فتسابقت نساء البصرة لشراء الخمار الأسود، وبذلك روّج «ربيعة بن عامر» بضاعة صاحبه وأنهى أزمته التسويقية.
ويذهب بعض الباحثين للقول إن أدبنا العربي ذخر بهذا النوع من الإعلان فالمتنبي رفع ملوكاً وسلاطين إلى القمة وأنزل الآخرين إلى الحضيض من خلال الدعاية التي ضمنها في شعره، ومازلنا نتذكر إلى الآن قصيدته التي هجا بها الحاكم المملوكي كافور الأخشيدي والتي مطلعها «عيد بأية حال عدت يا عيد «فهُدر دم» المتنبي» على إثر هذه القصيدة التي تناقلها العرب وحطت من قيمة الحاكم المملوكي.
كما يقال إن الملوك والأمراء والزعماء والوزراء كانوا يخطبون ود المتنبي ويأملون أن يطأ بلاطهم وينزل بباحته. وأن «المتنبي» كان وسيلة مباهاة بين هؤلاء الملوك.. بل يذهب البعض للقول إنه لولا «المتنبي» لما عرفنا عظمة «سيف الدولة» أو «عضد الدولة»، ومساوئ «كافور».
والأدب العربي يذخر بالأمثلة الكثيرة عن هؤلاء الشعراء الذين ينطوي بعض شعرهم تحت عباءة الإعلان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن