ماركو كارنيلوس، دبلوماسي إيطالي عمل ممثلاً لبلاده في الأمم المتحدة وكان مبعوثاً خاصاً لثلاثة رؤساء حكومات إيطالية من عام 1995 حتى عام 2011 ثم عين سفيراً في العراق حتى عام 2017، نشر تحليلاً في المجلة الإلكترونية «ميديل ايست آي» في 26 من شهر آب الجاري تحت عنوان: «هل يمكن لتوسيع بريكس إنهاء صلاحية معسكر العشرين الكبار»، يبين فيه أن «زيادة معسكر دول بريكس إلى 11 دولة بدأ يمزق بشكل متزايد هيمنة الغرب ويتفوق على ما يسمى كتلة السبع الكبار التي تشكلها الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وهو في الوقت نفسه يقسم كتلة (العشرين الكبار) لأنها تضم سبعة دول من كتلة بريكس وهي: روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والأرجنتين والبرازيل والسعودية، التي لن تجد مكانها المناسب في هذه الكتلة، وهذا ما سوف ينهي صلاحية وجود كتلة باسم (العشرين الكبار) ومن المتوقع أن ينضم إلى بريكس الجزائر وأندونيسيا وباكستان وتركيا ونيجيريا وقزاخستان وربما فيتنام في عام 2024، فتصبح هذه الكتلة أكبر قوة في الطاقة (البترول والغاز) وعدد السكان ومعدل النمو الاقتصادي وفي قوة الأسلحة النووية وفي القدرة الجيوإستراتيجية الشاملة».
يعتقد كارنيلوس أنه مع إعلان انضمام الدول الست في الأول من كانون الثاني 2024 من المتوقع أن يتخذ «بريكس» اسما آخر أكثر شمولية من الاختصار الذي يدل على الدول الخمس المؤسسة له: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
ومع ذلك يسلم كارنيلوس بأن الكتلة الغربية مثل «السبع الكبار» و«العشرين الكبار» تمتلك تحالفات وتوافقات تزيد على درجة التحالف القائم الآن لدى دول «بريكس» لأن دول الكتلة الغربية تجتمع في الحلف الأطلسي وفي الاتحاد الأوروبي، لكن ذلك لا يعني أن الدول الإحدى عشرة في «بريكس» لن تتجه نحو تحقيق المزيد من درجات التحالف والاتفاق على قضايا ومصالح مشتركة كثيرة وخاصة إعادة صياغة قواعد النظام العالمي البديل للنظام العالمي الأميركي الامبريالي. فهذا الهدف الإستراتيجي الذي يحقق المصالح المشتركة لأكبر عدد من دول العالم في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية سيتمكن من التغلب على الضغوط والعراقيل التي سيضعها الغرب ضد هذا التحالف العالمي الجديد الذي سينتج أكثر من 70 بالمئة من النفط والغاز في العالم.
ويؤكد هذا الدبلوماسي الأممي أن ما سوف يشهده العالم من هذه الكتلة بعد زيادة عدد الدول المنضوية فيها، سيشكل زلزالاً لكل القوى الاستعمارية التقليدية التاريخية التي لم تر منها معظم الشعوب سوى الاستعمار والحروب الهادفة لاقتسامها والسيطرة على مصادر ثرواتها ومواقعها الإستراتيجية.
وإضافة إلى ذلك من المقدر لهذه الكتلة العالمية الكبرى على كل المستويات أن تقوم بتغيير نظام وقواعد عمل منظمة الأمم المتحدة التي ولدت بعد حربين عالميتين وهيمنت على إداراتها ومؤسساتها القوى الاستعمارية نفسها التي تقاسمت المستعمرات وفرضت منذ عام 1945 مصالحها على إدارات منظمة الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة المتعددة من مقرها في الولايات المتحدة أكبر الدول الامبريالية في تاريخ العالم.
ولا شك أن جميع الدول التي كانت ضحية لهذه القوى الاستعمارية التاريخية ستتطلع مع كتلة دول «بريكس» في السنوات المقبلة إلى مواجهة الهيمنة الأميركية على الأمم المتحدة والعمل على إعادة توظيفها نحو دور يحقق العدل وتوازن المصالح المشتركة لكل الشعوب.
من المؤكد أن انضمام عدد من الدول العربية والإسلامية لكتلة «بريكس» وتوسيع دورها ونفوذها في المستقبل على المستويات الإقليمية والعالمية، سيقدم لجيل هذه الدول بداية عالم تتغلب فيه هذه الكتلة على كل الصعوبات والعراقيل التي كانت المؤسسات العالمية المهيمن عليها من الغرب، تضعها أمام هذه الدول، وستتمكن معظم دول العالم حينئذ من إدارة ثرواتها وسياساتها باستقلالية لمصلحة شعوبها خلال هذا القرن بعد أن سلبت الدول الاستعمارية الغربية معظم ثرواتها في القرن الماضي، وسوف يسجل التاريخ لكل قادة الدول العربية والإسلامية الذين انضموا إلى كتلة «بريكس» صفحات لن تنساها الأجيال التي حرمها الغرب من معظم مصادر تطورها ومستقبلها، ولذلك يؤكد كارنيلوس أن «عالماً جديداً بدأ يفرض نفسه على عالم هيمنة الغرب ومصالحه».