شؤون محلية

مثال من قمح العام الحالي

| ميشيل خياط

انتهت أعمال تسويق موسم قمح عام 2023، وأعلن وزير الزراعة أنه قد تم استلام 770ألف طن قمح من إنتاج مقدر بمليون طن، وتم أيضاً استلام 100 ألف طن من المناطق غير الآمنة (التي لا يسمح المحتلون فيها للمنتجين) بنقل محصولهم إلى المناطق الآمنة من سورية.

يزرع القمح في 65 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة في سورية، وكان في الماضي البعيد رمزاً صارخاً لفقر الفلاحين السوريين، إذ كان يباع الكيلو غرام منه بالقروش، ما أدى إلى هجرة فلاحية كبيرة من الريف إلى المدينة ومن سورية إلى دول الخليج والعالم.

وكان سر تلك المأساة يكمن في أنه في سنوات الخير كان الإنتاج الوفير يسيء للفلاحين بدلاً من أن يساعدهم على ترميم خسائر سنوات الجفاف العجاف، إذ استناداً إلى قانون العرض والطلب الأساسي في الأسواق الحرة كانت الأسعار تهبط هبوطاً حاداً كلما كبر الإنتاج وتحققت وفرة غزيرة منه.

وهذا ما نلاحظه حتى الآن على صعيد كل المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية، باستثناء المحاصيل الإستراتيجية: القمح- القطن- الشعير- الشوندر، التي حظيت بتسعير حكومي نص على حد أدنى لا يمكن التراجع عنه أبداً، وتميز القمح بوجود مؤسسة عامة- حكومية- في سورية، منذ نصف قرن تقريباً، تسهر على تسويقه، وقد وصل الإنتاج منه في بعض السنوات، قبل الحرب الجائرة على سورية إلى أربعة ملايين طن في السنة، ونصف هذا الرقم من الحسكة التي يحتل الأميركيون والأتراك حالياً أغلب أراضيها الغنية بالقمح والقطن والنفط والغاز والأغنام.

نجحت تلك المؤسسة- وبات اسمها السورية للحبوب- نجاحاً باهراً، إثر اعتماد أسعار مغرية ومحفزة للقمح، ففي العام الحالي مثلاً تم تسعير كيلو غرام القمح بـ2800 ل. س، وعلى الرغم من استمرار الحرب العسكرية على سورية بأشكال مختلفة ومتنوعة على عدة جبهات، وعلى الرغم من الصعاب الاقتصادية الهائلة والحصار الأميركي الغربي الخانق، نجح الفلاحون الذين زرعوا، 517 ألف هكتار في المناطق الآمنة في أن ينتجوا مليون طن قمح، ونجحت- السورية للحبوب- في تسوق 770 ألف طن منه، ما يسهم مساهمة مهمة في تأمين جزء من احتياجاتنا من الخبز، ومعروف أن الرغيف هو ملك المائدة في بلادنا، ومن أمثالنا الشعبية أننا لا نشبع إذا لم نأكل خبزاً.

نستهلك- حسب أرقام وزير الاقتصاد- 2، 2 مليون طن من القمح سنوياً، وما من شك أن استلام السورية للحبوب 770ألف طن من المناطق الآمنة و100 ألف طن من المناطق غير الآمنة، يخفف من حاجتنا إلى الاستيراد، وهذا الأمر مهم جداً، علماً أن مستورداتنا من القمح منتظمة وتأتينا من جمهورية روسيا الاتحادية ضمن اتفاقيات تنفذ بدقة، ولدينا دائماً كميات كبيرة من القمح مخزنة لعدة أشهر قادمة.

ولعل الفضل الأساسي والجوهري في ذلك كله، يعود إلى الالتزام المطلق بسعر القمح، سعر الحد الأدنى الذي تلتزم المؤسسة الشراء به.

وهذه الميزة الرائعة مفقودة على صعيد كل المحاصيل الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، وهذه المحاصيل هي عملياً 70 بالمئة من إنفاق السوريين الشهري على تغذيتهم.

إن كل ما نراه من تخبط في الأسواق وعدم القدرة على ضبط الأسعار، سببه غياب الحد الأدنى للأسعار الذي يحمي المنتجين، فتراهم يضطرون إلى رفع الأسعار أيام شح الإنتاج لتعويض خسائرهم أيام قلة الإنتاج أو غيابه.

لدينا صالات ومجمعات السورية للتجارة، يمكنها حماية الإقبال تباعاً على تحديد حد أدنى لأسعار العديد من المنتجات الزراعية المهمة والأقل أهمية تباعاً من الزيت والحمضيات والبطاطا والبندورة والباذنجان، إلى اللحوم والدواجن والبيض والحليب.

وما يضمن للفلاح ربحه هو السماح له باستعادة التكاليف مع هامش ربح عبر ما يعرف بالسعر النهائي، المراقب تموينياً حسب التكلفة.

إن حماية الفلاحين، وهم رمز الأداء النبيل المنتج، هي السبيل لاستمرارهم في الزراعة وعدم قلع الأشجار أو إغلاق الحظائر والمداجن، ما يوفر غدقاً في الإنتاج ليعم الخير على جميع المواطنين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن