يعترف المفكر السياسي في الكيان الإسرائيلي أفرايم غانور في تحليل نشره في صحيفة «معاريف» العبرية في 30 من شهر آب الماضي أن «الحكومة الإسرائيلية تحولت إلى ما يشبه الشركة المفلسة العاجزة عن الاستمرار في وظيفتها ولذلك حان وقت تغييرها بعد أن خيبت توقعات كل من أثنى عليها وأصبحت تلحق ضرراً بمستقبل وجود إسرائيل».
ويضيف غانور إنها انتقلت من نواح اقتصادية وأمنية إلى «وضع لا يشجع الراغبين فيها على البقاء» ويوصي في نهاية تحليله بالعمل على إنهاء هذه الحكومة «بسرعة قبل تزايد الأخطار».
هذا الواقع يراه الكثيرون من حقيقة أن كل المواضيع الأمنية والاقتصادية التي حددتها حكومات الكيان خلال السنوات الأربع الماضية على جداول عملها بقيت دون حلول بل تفاقمت نتائجها وفرضت على الكيان دفع ثمن باهظ في المواجهات مع المقاومة في داخل فلسطين المحتلة وازداد تآكل «قدرة ردع» جيش الاحتلال على جبهتي الشمال من جنوب لبنان وجبهة الجنوب الكيان من قطاع غزة.
هذا التدهور الأمني في وضع الكيان أصبح بالتالي من أهم مواضيع جدول العمل الأميركي وخططه من أجل إيقاف انهيار الكيان وتأمين حماية وجوده في المنطقة، ولذلك قررت الإدارة الأميركية إشغال جبهة جنوب لبنان بموضوع تثبيت شروط عمل متشددة لقوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني، وفتح مسألة ترسيم الحدود بين الكيان ودولة لبنان بهدف توليد ظروف تستخدمها واشنطن وتل أبيب للالتفاف على المقاومة اللبنانية في الجنوب ومحاصرتها، وبهذه الطريقة تسعى واشنطن إلى إشغال المقاومة اللبنانية بخيارين كلاهما يخدمان أهداف الكيان وهما: إما ترسيم الحدود البرية لخلق جدال بين الحكومة اللبنانية والمقاومة، وإما فرض تضييق جديد على هامش حركة وحرية المقاومة في جنوب لبنان عن طريق اليونيفيل.
وبهذا الشكل الذي ترغب واشنطن وتل أبيب في رسمه للجنوب اللبناني والمقاومة تكون تل أبيب قد أشغلت لبنان والمقاومة لفترة من الوقت، فتتجه بالمقابل إلى إشغال المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بموضوع التوصل إلى تهدئة تبدأ باستغلال الحديث حولها بتكثيف سريع لحملاتها الإرهابية ضد مجموعات المقاومة المسلحة داخل الضفة الغربية، لكن السؤال الذي تشكل إجابته الحكم الحاسم بفشل هذا المخطط الأميركي – الإسرائيلي هو: هل أصبحت الإدارة الأميركية في ظل التطورات الإقليمية والعالمية الجارية منذ شباط عام 2022 قادرة على فرض النتائج التي تريد تحقيقها في المنطقة لضمان أمن الكيان الإسرائيلي؟
ما زال معظم المتابعين لهذه التطورات يرون عدداً من العوامل التي تؤكد تراجع القدرة الأميركية على فرض قراراتها في المنطقة وأهم هذه العوامل هي:
أولاً – على المستوى العالمي، تراجع زمام المبادرات الهجومية الأميركية – الأوروبية على روسيا في الحرب في أوكرانيا بعد أن تحقق استنزاف كبير للقدرات الغربية الأميركية وعجزها عن تغيير نتائج الحرب أمام تزايد قدرات وزمام المبادرة الهجومية والدفاعية لروسيا والصين وكتلة الدول المناهضة للنظام الأميركي الامبريالي وخاصة بعد توسيع كتلة دول «بريكس».
ثانياً – على المستوى الإقليمي، زيادة توجه عدد من دول المنطقة نحو اتباع سياسة لا تطابق السياسة الأميركية الأحادية وبشكل جعلها تخرج فيه عن بعض مساراتها، فحين تسير العلاقات الإيرانية السعودية على طريق الاتفاق والتضامن على الرغم من كل الضغوط الأميركية، فهذا يعني أن واشنطن لن يكون بمقدورها أن تفعل ما تريد في هذه المنطقة لحماية الكيان وسياساته التوسعية في المنطقة، بل إن مؤامرة الكيان الفاشلة في اختراق ليبيا قبل أسبوع ووجهت بضربة قاسية من الشعب الليبي لكل من واشنطن وتل أبيب وجعلتهما يتراجعان معاً عن متابعتها برغم كل الظروف المضطربة التي تحيط بالوضع الليبي، وإذا كان المبعوث الأميركي الخاص بالشرق الوسط عاموس هوخشتاين يسعى إلى ترويج خطته الأميركية – الإسرائيلية في ترسيم الحدود، فإن لبنان المتمسك بوحدة الثلاثي المقدس: الشعب والجيش والمقاومة، لن يحتاج إلى جهد كبير في المحافظة على كل ما أنجزته المقاومة على المستوى الوطني اللبناني وعلى مستوى محور المقاومة الإقليمي.