قضايا وآراء

العبرة بالخواتيم

| الدكتور مازن جبور

اتخاذ موقف من الأحداث الجارية في شمال شرق البلاد، يذكرنا دائماً بأن العبرة بالخواتيم، خصوصاً أن الطرفين المتصارعين وقفا معاً في وجه الدولة السورية، وانخرطا في مشاريع تقسيمها برعاية الاحتلال لاثنتي عشرة سنة مضت، ومن ثم فإن التعويل على استدارة تلك العشائر نحو دولتهم الوطنية وإعلانهم النفير ضد ما يسمى «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، يرتب عليه الكثير من المحاذير ويثير الكثير من الأسئلة.

إن موقف العشائر العربية الموجودة في سورية من الأحداث الجارية في البلاد منذ العام 2011 وحتى الآن، حديث طويل فيه الكثير من التناقض والغموض، ولفك هذا التناقض والغموض يجب التركيز على أين تكمن المصلحة، على اعتبار أنها كانت محدداً رئيسياً في الموقف مما يسمى «الثورة السورية»، حتى إن بعض العشائر انقسمت داخلياً في موقفها حسب مصالح كل قسم، فمثلاً عشيرة الولدة في محافظة الرقة اتخذت موقفاً مؤيداً لـ«الثورة» وفي الوقت نفسه معارضاً لـ«قسد»، ويرجع ذلك إلى رغبتها في استعادة أمجادها الاقطاعية التي حققتها بموجب قربها من الاحتلال العثماني، فكانت تعمل تحت كنف النظام التركي، على حين أن أبناء عشيرة الولدة في الحسكة، وقفوا إلى جانب الدولة السورية، لأنهم استفادوا من أراضٍ في الحسكة تعويضاً لغمر أراضيهم، كذلك فإن الكثير من العشائر انضمت إلى «قسد» بهدف تقاسم آبار النفط، ومن ثم فإن ما سبق يفرض علينا أولاً البحث في الدوافع التي قادت تلك العشائر إلى الانقلاب على «قسد»، لمعرفة أهدافها وتوجهاتها.

من المهم الأخذ بعين الاعتبار، أن ما يجري يتم تحت نظر الاحتلال الأميركي، الذي يقف صامتاً متفرجاً، دون أن يناصر أحد الأطراف ضد الآخر، فمصالحه لم تمس وهي محفوظة من الطرفين، وهذا الحفاظ على مصالحه يمثل أبرز الهواجس التي تلف موقف العشائر العربية المنتفضة في وجه «قسد»، على أمل أن يكون موقفها من الاحتلال تكتيكياً، بهدف التفرغ لـ«قسد» في المرحلة الحالية، إذ إن الهواجس ستبقى قائمة بانتظار أن تتضح توجهاتها وأهدافها لاحقاً وقريباً.

لقد لجأت تلك العشائر إلى الاحتلال التركي لمناصرتها ودعمها بحسب ما تردد من أنباء إعلامية، وفيما لو ثبت ذلك، فهذا يعني انتقالها من تحالف مع محتل إلى تحالف مع محتل آخر، ومن انخراط في تنظيم مسلح خارج على الدولة إلى انخراط في تنظيم مسلح آخر أيضاً خارج على الدولة، بمعنى أن نتيجة هذه الانتفاضة، صفرية، بالنسبة للدولة السورية.

انسجاماً مع المعطيات السابقة، يمكن وضع سيناريو للأحداث، مفاده أن اتفاقاً ضمنياَ أميركياً تركياً، لرسم حزام عازل حول مناطق سيطرة «قسد»، مقابل انخراط تركي بمشروع أميركي أكبر، هدفه رسم شريط عازل من أقصى جنوب غرب سورية إلى أقصى شمال شرقها، وهو ما يتقاطع مع الأنباء عن انتقال المسلحين من إدلب ومحيطها نحو قاعدة الاحتلال الأميركي في التنف، والأنباء الإعلامية التي تشير إلى ما يخطط له حالياً في جنوب سورية.

إن الدولة السورية، كانت وما زالت يدها ممدودة لكُردها الراغبين بالعودة إلى كنف الدولة والرافضين لمشاريع التقسيم، وهي التي وقفت إلى جانبهم في وجه العدوان التركي، من منطلق مسؤوليتها عن شعبها وعن أرضها، وهي كذلك إلى جانب العشائر العربية، طالما أنهم متمسكون بالمبادئ الوطنية الأساسية من وحدة وسيادة واستقلال سورية، والعمل على طرد المحتل من على أرضها، وهو ما يتطلب موقفاً محدداً وواضحاً من العشائر العربية تجاه دولتهم.

يبدي السوريون تعاطفاً ودعماً للعشائر العربية التي انشقت عن «قسد»، وبدأت تطردها من القرى والبلدات في ريف دير الزور الشرقي، على أمل أن تنضوي تلك العشائر تحت عباءة الجيش العربي السوري، وأن يستعيدوا معاً تلك الجغرافيا المنهوبة الخيرات، لكن تجارب سنوات الحرب السابقة تعلمنا أن العبرة في الخواتيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن