أمين الخياط.. بدأ مشواره مع سعاد محمد وأثنت عليه أم كلثوم ونجاة الصغيرة … تشرب الفن الأصيل وتذوق اللحن الجميل في كنف والده الهاوي للموسيقا والصديق لأهلها
| وائل العدس
احتضن وأخذ بيد الكثير من المطربين والمطربات الذين أصبحوا نجوماً، ليكون رقماً صعباً في عالم التلحين والتأليف الموسيقي السوري والعربي، محققاً لنفسه الحضور على طول الساحة الواسعة التي تجاوزت سورية.
إنه الموسيقار أمين الخياط الذي يعد من أمهر العازفين والملحنين، ومايسترو علّم أجيالاً كثيرة ودربها ووضعها على درب النجاح.
هو حالة لن تُكرر؛ قدّم بفنه الأصيل الكثير للفن والفنانين، وقدّم بعلمه وخلقه الكثير، وهو الأنيق في العلاقات والأحاديث والتصرفات واللباس، الكريم والسخي واللطيف مع الصغير قبل الكبير.
رافق كبار المطربين السوريين والعرب مثل صباح فخري وأم كلثوم ونجاة الصغيرة ووديع الصافي وصباح ومها الجابري وميادة الحناوي.
كما زار العديد من الدول العربية وشارك في مهرجاناتها مثل مهرجان عمان للأغنية ومهرجان الأغنية العربية في أبو ظبي.
وحصل على ميداليات وجوائز وشهادات تقدير من سورية والكويت والأردن وسلطنة عمان وليبيا والمغرب ومصر والإمارات.
بيت موسيقي
في واحد من بيوت حي العمارة الدمشقي ولد عام 1936، ونشأ وتربى في كنف والده الهاوي للموسيقا والصديق لأهلها أمثال صابر الصفح ورفيق شكري ونجيب السراج وماري جبران وحليم الرومي وأمير البزق محمد عبد الكريم وغيرهم، حيث اعتاد وإياهم اجتماعات السمر يوم الخميس من كل أسبوع، فتشرب الفن الأصيل وتذوق اللحن الجميل، كيف لا وقد عاش مع سهرات والده وسمع القصيدة والموشح والقد، وكل أصناف الموسيقا، وحلم باليوم الذي يصبح فيه العازف والملحن، فتقدم للالتحاق بالمعهد الموسيقي الشرقي ليكون من أوائل المسجلين فيه وأصغرهم سناً، واجتهد وتعلم العزف والأوزان والضّروب والنوتة الموسيقية، وتدرب طويلاً على العزف على آلة القانون على يد العازف الشهير محمد العقاد، وكان سعيد الحظ لأن الأستاذ ميشيل معوض كان أستاذه الحقيقي في العزف على آلة القانون، ومن خلال نصائحه وإرشاداته أتقن العزف على هذه الآلة، وقد رافقه الأخير حتى بعد تخرجه عام 1954، حيث ظل يرعاه ويمده بعلوم الموسيقا.
أولى الحفلات
بعد تخرجه عام 1954، وجد نفسه بين أساطين العزف كعمر النقشبندي وياسين العاشق، وعمل في تدريس الموسيقا، إلا أنه لم يجد نفسه بهذا المجال فترك التدريس، فكانت أولى محطات العمل لديه في بيروت، حيث شارك المطربة سعاد محمد حفلاتها كعازف لمدة عام كامل، وفيما بعد عُين في إذاعة حلب لتكون له الخبرة من موطن الطرب وأهله، ولتكون له كذلك فرقته الموسيقية الأولى «الأوتار الذهبية»، ولحنه الأول لأغنية «كل ما تخطر على بالي» من كلمات شاكر بريخان وغناء الثنائي سمير حلمي ومها الجابري التي لحن لها أيضاً «بلد العز يا بلدي» كلمات شاكر بريخان، ثم توالت ألحانه لسحر وكنعان وصفي ومحمد خيري ومحمد مرعي وبسمة التي لحن لها أغنية «يا قدس».
عاد إلى دمشق وعُين في مديرية المسارح التابعة لوزارة الثقافة عازفاً لآلة القانون، كما كان اسمه ضمن المجموعة التي كُلفت بتأسيس المعهد العربي للموسيقا، إلا أن عقد العمل في أوروبا أخذه لمدة ثلاثة أعوام جاب بها مجموعة من الدول الأوروبية، ليتركها ويعود عام 1963، والتقى رفاقه في الإذاعة والتلفزيون وعرف معاناتهم في البحث عن فرقة موسيقية تلبي حاجة برامج المنوعات لديهم، فكان سعيه لإنشاء فرقة «الفجر»، فتوجه إلى زملائه العازفين في المعهد، وانتقى عدداً من العازفين الناشئين، وبدؤوا التدريب والعمل وانطلقوا بالفرقة وأثبتوا حضورهم، ومع مرور الوقت كان لهم مكان في كل الحفلات التي تقام في سورية، ليتجاوزوها إلى مجمل دول الوطن العربي، لتكون هذه الفرقة حاضرة في متناول كل مطرب وفنان قادم إلى سورية.
في التلحين
لحن الراحل للكثير من المطربين والمطربات في سورية، فلحن للمطرب دياب مشهور أكثر من خمس عشرة أغنية من أشهرها «طولي يا ليلة»، ولحن للمطربة إلهام العديد من الأغنيات منها قصيدة «رأى الحبيب».
كما لحن لمها الجابري ومصطفى نصري وفاتن حناوي ومصطفى ماهر وسمير حلمي وسحر والثلاثي الأندلسي وفهد بلان وموفق بهجت وفؤاد حجازي وشادي جميل وإلياس كرم.
وشارك في تلحين عدد من القصائد والموشحات في مسلسل «الوادي الكبير»، كما شارك في تلحين بعض الأناشيد الدينية في البرنامج الديني «أسماء اللـه الحسنى»، وفي عام 1973 زار القاهرة وخلال وجوده فيها لحن لعدد من المطربات مثل مها صبري وشريفة فاضل والمطربة ندى، وسجل ألحانه لإذاعة «صوت العرب».
وخاض غمار التلحين للأطفال، ولحن الكثير من الاسكتشات لبرنامج الأطفال التلفزيوني الذي كانت تعده وتقدمه هيام طباع، وجميعها من كلمات عمر حلبي.
كما خاض غمار التأليف الموسيقي فوضع مجموعة من المقطوعات الموسيقية منها «أيام زمان، ألوان، دمشق».
وفي مجال الموسيقا التصويرية وضع موسيقا مجموعة من المسرحيات للمسرح القومي في منتصف الستينيات من القرن العشرين، من أهمها «عرس الدم»، كما وضع ألحان عدد من الأغنيات التي أداها الممثلون في المسرحية، ووضع موسيقا عدد من الأفلام السينمائية منها الفيلم التسجيلي «العرس الشامي» وفيلم «خياط للسيدات» للنجمين دريد لحام ونهاد قلعي وإخراج سيف الدين شوكت.
أعمال إدارية
وبعيداً عن الموسيقا وشجونها تولى مجموعة من الأعمال الإدارية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، كرئيس لفرقة الإذاعة والتلفزيون، ومراقب لبرامج التلفزيون الموسيقية، ورئيس الدائرة الموسيقية، ومستشار لشؤون الموسيقا في الهيئة، كما كان له المشروع الذي عمل فيه مع الفنانين عمر حجو وجميل ولايا؛ وهو إنشاء نقابة الفنانين، وقاموا بإعداد القوانين وتنظيمها عام 1967، وكان فيها نائب نقيب مرة، ونقيباً لثلاث مرات من عام 1971 حتى عام 1977.
وكان لأمين الخياط وجود مهم في مهرجان الأغنية السورية بدوراته العشر، إذ لحن عدداً من الأغنيات، وكان أحد المشرفين الموسيقيين فيه وعضواً دائماً في لجنة التحكيم، وتولى إدارة المهرجان لمرة واحدة في دورته العاشرة عام 2004، ولحن فيه لوحة الافتتاح التي حملت عنوان «يا شام المجد».
بين أم كلثوم ونجاة
ومن أهم الحفلات التي شارك فيها هي الحفلة التي أقامها فخري البارودي لأم كلثوم على مسرح معهد «اللاييك» عام 1955، وعزف أمين على القانون ضمن الفرقة الموسيقية.
تلك كانت من أصعب اللحظات التي عاشها في حياته، ويذكر أنه عزف بعض التقاسيم أمامها، وكذلك المقدمة الموسيقية لأغنية «ذكريات» فأثنت عليه وهنأته على عزفه.
وحين زارت المطربة نجاة الصغيرة دمشق عام 1954 لإحياء بعض الحفلات والغناء في نادي «إشبيلية» بمرافقة أهم العازفين، كان من المفترض أن يكون معها عازف القانون محمد العقاد، ولكن لسفره المفاجئ قام بترشيحه، يومها رفضت نجاة أن ينضم إلى العازفين الكبار معها لصغر سنه، إلا أن العقاد أصر على مشاركته، وهذا ما كان، وفوجئت نجاة الصغيرة حينها بمقدرته على العزف، فاعتذرت منه وأثنت عليه.
مع صباح فخري
روى أمين الخياط حكاية عودة انطلاقة الكبير الراحل صباح فخري من دمشق منتصف ستينيات القرن الماضي، وبدايات انتشاره عربياً، في شهادة من مؤسس وقائد فرقة «الفجر» الموسيقية التي رافقت الراحل في بداياته لعشر سنوات.
وقال الخياط: «عندما عملت بالشراكة مع المخرج الراحل جميل ولاية على برنامج للتلفزيون السوري الناشئ عن الموسيقا العربية، بحثنا عمن بإمكانه أداء الموشحات بلحنها الأصلي، فكان من بين خياراتنا الأبرز صباح فخري الذي أرسلنا في طلبه من حلب، فأتى للشام، واستقر فيها منذ ذلك الوقت، سنة 1964».
وأضاف: «كان صباح مؤذناً في أحد جوامع حلب، وتوسطنا لدى مدير الأوقاف، كي يتم نقله إلى دمشق مبدئياً، واستقال لاحقاً، وتفرّغ للغناء».
وكشف أن فخري أحيا حفله الأول خارج سورية في عمّان، بطلبٍ من أحد أصدقائه، منتصف ستينيات القرن الماضي.
وتابع: إن فخري أذهل سامعيه في هذا الحفل، حيث تم تسجيله وبثه إذاعياً من دون علمنا، ليبدأ تداول اسمه على نطاق واسع في الأردن التي شهدت بداية شهرته عربياً، ليصبح فيما بعد نجم النجوم.
وشهد الخياط أن فخري كان أستاذاً بأداء النغمات الشرقية، وموسوعةً في الحفظ، يبحث عن اللحن ويحرص على الاستماع إليه بأصوات مؤديه الأصليين.
ورافقت فرقة «الفجر» الموسيقية صباح فخري نحو 10 سنوات، إلى أن أعيا أمين الخياط التعب من مرافقــة مطربٍ مولع بالغناء، يبدأ حفلاتــه في العاشـــرة ليلاً، وقد لا تنتهي قبل الخامسة أو السادســة صبـاحـــاً، وكانت إحدى أعظم الحفلات التي رافقه فيها بصالة الملك الراحل محمد الخامس في المغرب، ووصفها بـ«ليلـــة لا تنسى»، حضرها قرابة 1500 شخص، وكان الجمهور بمنتهى الرقي، وأتت هذه الحفلة بعد ملتقى لمديري إذاعات الدول العربية بأبوظبي سنة 1967، تمت دعوتهمـــا إليـــه، وغنى صبـــاح أمامهم، ففتحت له أبواب الشــهرة في العالم العربي.
الثقافة والنقابة
أصدرت الهيئة السورية للكتاب في وزارة الثقافة عام 2016، الكتيب السابع من سلسلة «مبدعون» للكاتب أحمد المفتي سيرة حياة أمين الخياط.
وكرمته وزارة الثقافة في يوم الثقافة لعام 2017.
وتقديراً لمسيرته المعطاء التي أثرت الحركة الموسيقية عبر عقود طويلة زارت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح أمين الخياط في مستشفى الأسد الجامعي بدمشق في آب الماضي، مثمنةً مسيرته الفنية التي رفدت الموسيقا السورية بروافد إبداعية شتى.
كما أقامت نقابة الفنانين أمسية موسيقية أحيتها فرقة خماسي الموسيقا العربية بقيادة المايسترو هادي بقدونس بعنوان: «إبداع في الذاكرة»، كرمت فيها أمين الخياط إلى جانب الفنان نعيم حمدي، ومُنح المكرمان براءة تقدير، نظراً لإبداعهما في مجال الموسيقا والغناء.
رعاية واهتمام من السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء
كان الموسيقار الراحل يلقى الرعاية والاهتمام الكبيرين من السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة الأولى أسماء الأسد، وبلفتة كريمة من الرئيس الأسد وعقيلته قام منصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية وبحضور نقيب الفنانين محسن غازي والملحن هادي بقدونس والفنان عمر قنوع بزيارة أمين خياط في آب من العام الماضي.
وحينها قال الخياط: إن هذه اللفتة الكريمة من الرئيس الأسد والسيدة الأولى بمنزلة أهم تكريم يتلقاه طوال حياته وطوال 65 عاماً من عمله الفني ويثمّن عالياً هذا التقدير رغم المشاغل الملقاة على عاتق الرئيس.
كما تلقى الراحل الرعاية والاهتمام نفسيهما من القائد الخالد حافظ الأسد طوال مسيرته الفنية.
ميادة الحناوي لـ«الوطن»: وداعاً يا رفيق الدرب
من أهم محطات عمله تلك التي عمل فيها مع الفنانة الكبيرة ميادة الحناوي حيث بدأ معها من أول انطلاقتها ليستمرا بالعمل معاً لمدة خمسة عشر عاماً.
بدأ العمل معها عام 1980 من خلال فرقة الفجر عندما حضر بليغ حمدي إلى دمشق ليسمعها، وكانت هذه المرحلة من أحلى المراحل وأغناها، لأنه رافق حناوي في انطلاقتها الذهبية، وكانت مرحلة مزدحمة بالحفلات في جميع أنحاء الوطن العربي.
وحققت الفرقة نجاحاً جعل المطربين العرب يشترطون أن تكون معهم هذه الفرقة في حفلاتهم أمثال نور الهدى ونصري شمس الدين وصباح وسميرة توفيق وهاني شاكر وشريفة فاضل.
ميادة الحناوي وفي تصريح لـ«الوطن»، وجهت أحر العزاء لعائلته وللعائلة الفنية جمعاء وقالت: «وداعاً أمين الخياط، وداعاً أيها الأب والأخ والصديق، لا أنسى مشواري معك يا أطيب الناس، وداعاً أيها المايسترو العظيم، عزائي لك ولعائلتك ولمحبيك ولكل أصدقائك، وألف رحمة ونور عليك يارب».
وأبدت تأثرها وحزنها الشديدين، مضيفة: «وداعاً يا رفيق الدرب الذي سرناه معاً من أيام بليغ حمدي والسنباطي ومحمد سلطان والموجي، عملنا معاً وشكّلنا فرقة تباهينا بها في أرجاء العالم العربي، لن ننساك».