قرأت منذ مدة منشوراً لشخص يفاخر بأنه واسع الثقافة والمعرفة بالأدب والمسرح والشعر والفنون، المنشور يتحدث عن الشاعر والكاتب الكبير محمد الماغوط، وهذا أمر لا نتدخل فيه، فكل شخص حر فيما يكتب وينشر.
يحاول كاتب هذا المنشور إعطاء صورة عن طقوس الكتابة عند الماغوط فيقول: بعد لحظات من التفكير يتناول محمد الماغوط قلم الحبر الفاخر ويبدأ الكتابة و..
هل كان محمد الماغوط يكتب فعلاً بقلم حبر فاخر؟ ومن أين حصلت على هذه المعلومة القيمة؟!.
بحكم أنني كنت من الجيل الذي كان له شرف المساهمة في صحيفة تشرين منذ تأسيسها، فقد عرفت الكاتب الكبير محمد الماغوط عن قرب، ومن بين الطقوس الخاصة بالكتابة عند الماغوط أنه يكتب عادة بقلم الرصاص وعلى دفتر صغير مخطط كنا نسميه في المرحلة الابتدائية سفينة!.
عندما طلبت منه مجلة «المستقبل» التي تصدر في باريس كتابة زاوية أسبوعية فيها سألوه عن طلباته فقال: الكثير من الدفاتر وأقلام الرصاص.
لقلم الرصاص قصة أخرى جميلة، فمن المعروف أن الإعلامي المصري الكبير حمدي قنديل كان يقدم فقرة أو زاوية في إحدى محطات التلفزة العربية، كان عنوانها «قلم رصاص» والمعنى واضح، فليس المقصود قلم الرصاص الذي نكتب به، بل يشبه القلم بمسدس أو بندقية لإطلاق الرصاص على أهداف يختارها الكاتب للكتابة عنها.
من الملاحظ، بل من المؤكد أن «رصاص» حمدي قنديل كان يصيب أهدافاً هنا وهناك، زاويته مصدر إزعاج للكثير من الحكام والدول!
مرة كتب زاوية جريئة جداً أعلن فيها أنه يكره أميركا، وأوضح أنه لا يكره السياسات الأميركية فقط، بل يكره الشعب الأميركي المتعجرف والمغرور الخارج على كل القوانين الدولية، إذ لا يحق لأي دولة في العالم أن تحاكمه أو تسأله عن أي فعل من أفعاله حتى لو ارتكب أبشع الجرائم بحق البشرية!.
هذه الزاوية قصمت ظهر البعير، فقد اتخذت المحطة التلفزيونية، وبضغط أميركي هائل قراراً بإيقاف الكاتب ومنعت ظهوره على شاشتها.
العنجهية الأميركية تستند إلى القوة العسكرية والاقتصادية ما يمكنها من شن الحروب في كل بقاع الأرض ليس دفاعاً عن حقوق الإنسان والحريات وغيرها مما يزعمون، بل من أجل بسط الهيمنة على العالم ونهب ثرواته.
في فيلم «عسل أسود» بطولة أحمد حلمي، يقرر البطل العودة إلى مصر وهو على متن الطائرة المتوجهة إلى الولايات المتحدة، فيدعي أنه مريض ويريد العلاج، فتسأل المضيفة عبر الهاتف الكابتن عما يجب أن تفعل، فيسألها عن جنسية الراكب فتقول: يبدو أنه مصري، فيطلب منها أن تعطيه حبة مسكن، وكان بطل الفيلم يتابع المضيفة فيبرز جواز سفره الأميركي ويستخدمه كمروحة ليظهره للمضيفة فتتصل بالكابتن من جديد وتقول باللهجة المصرية: «الحق يا كابتن ده باين إنه أميركاني!».
في هذه اللحظة تغير الطائرة مسارها وتعود أدراجها إلى مطار القاهرة فقط لأن أحد ركابها الذين يحملون جواز السفر الأميركي يريد ذلك.. هذا مثال غاية في البساطة عن العنجهية الأميركية.
لذا، أرجوكم زودوني بالكثير من أقلام الرصاص فعندي أهداف لا تحصى يجب أن أصوب عليها، إذا سمح لي باستخدام قلم الرصاص المتفجر!.