«كل من هو مع دمشق هو قومي بالضرورة، وكل من هو ضد دمشق هو خائن بالضرورة، وكل من يقف على الحياد، فأغلب الظن أنه ينتظر ليقبض ثمن خيانته».
لم يكن هذا الإعلان الذي أطلقه الرئيس الأسبق للحزب السوري القومي الاجتماعي في نهايات القرن الماضي الأمين الراحل عبد اللـه سعادة، مجرد إعلان سياسي أجوف، فالكلام هنا عن دمشق، بما تمثله من قيم جغرافية وحضارية واجتماعية وحقوقية، دمشق التي ما فتئت إلا أن تكون بوصلة البوصلة، فمن دمشق ترى القدس والجولان وكل حق منتصر، تراه بعين المقاوم وتراه قريباً للتحرير والتخلص من إرهاب الاستعمار وجحوده.
لقد شكلت القضية القومية وما زالت محور حياتنا ووجودنا، وهي التي انطلقت نحو استرجاع الحقوق وتثبيت السيادة وإقرار الهوية الحقيقية، وكانت دمشق مركزاً فاعلاً لصون هذه القضية والسير بها نحو الانتصار، ولقد استحضرنا هذه المقولة الثابتة في وجداننا ونحن نعيش فصول المؤامرة تلو المؤامرة لإذكاء نيران الحرب التي عصفت ببلادنا من سنوات مضت، واستهدفت دمشق بما تحمله من رمز فاعل فينا ولسورية الوطن.
إن دمشق تمثل لنا شخصيتنا وحقيقتنا بما تشكله من رمز لوحدة البلاد وسيادتها على نفسها، فكان قرار الأعداء باستهداف دمشق لإسقاط الأمة جميعاً، مما استوجب الوضوح في الموقف وتحديد الخيار فإما أن تكون مع دمشق أو ضدها ولا مجال لما بين بين.
إن اللاهثين وراء مشاريع تقسيم البلاد، والتي أصبحت حديث الشارع وهمه الأول، أدركوا تماماً معنى أن يكثروا من الذين يؤمنون بالحياد، وبالتالي تأهيلهم للسير في ركب العداء لدمشق وشعبها بمجرد قبولهم لهذا الحياد المشبوه.
لقد كشفت الأحداث الأخيرة في السويداء والمنطقة الشرقية وضوح هذه المشاريع الرامية لخلق الفتنة المحايدة الراهنة نفسها لمشروع استهداف سورية، فقد ظهرت أصوات نشاز في السويداء لا تشبه أو تشابه انتماء أهلنا الوطنيين هناك، ونحن نشهد تخاذل بعض أبناء شعبنا بعدم الدفاع عن مدينتهم ووقوفهم على الحياد في موقف لا يعبر عن حقيقة أهلنا في السويداء، لقد شكلت بعض الدعوات تحت مسمى «المعارضة» مؤشراً خطيراً لا نستطيع تجاوزه خاصة أمام فرض التعطيل العام وإغلاق مقرات حزب البعث العربي الاشتراكي، في تناقض كبير لمن يدعون حاجتهم للحرية، وبالوقت ذاته يمنعون الآخر من التعبير عن رأيه.
إن استهداف حزب البعث العربي الاشتراكي بهذا الشكل هو استهداف مدان بكل المعايير وهو استهداف مشبوه لا يستطيع أي مراقب تجاوز خطورته وتداعياته الخطيرة، ونحن نؤمن بأن من حق المواطن السوري أن يعارض ويدعو لخطط بديلة وجديدة بشرط أن تكون على قاعدة الانتماء الوطني، أما أن يستقوي بالخارج باسم المعارضة ويدعو إلى الحل من خلال الخارج، فهو قفز فوق هذه الحقائق معتقدين أن البعد الدولي يشكل مخرجاً وَفَاتَهم أن البعد الدولي مصدر التآمر علينا باستمرار.
أما ما يجري في الجزيرة السورية في الشرق منها، يشكل اختباراً وطنياً لمجموع المواطنين هناك خاصة العشائر منها وهي تقود معركة تحرير من ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» في موقف المطلوب منه التلاقي مع الواجبات الوطنية حتى تحرير كل الأرض من الاحتلالات التركية والأميركية وأدواتهم من خلال تعزيز المقاومة الشعبية.
إن تكرار موقف الحياد السابق حين قام الجيش العربي السوري في أكثر من معركة بمواجهة تنظيم داعش وطرده وملاحقته في أكثر من مكان، هو موقف حياد مستهجن لكونه شكل آنذاك عنصر قوة لتنظيم داعش الإرهابي الذي يتمتع بعناصر قوة أخرى أهمها حياد ما يسمى بالتحالف الدولي لضرب الإرهاب، فكل جرائم داعش الإرهابية تجري تحت أنظاره وتحت مراقبة أقماره الصناعية وطائراته وبوارجه، لا بل يمكن القول بدعم كامل من التحالف الذي يتخذ موقف الحياد حين يريد، وموقف الإجرام المباشر ضد شعبنا حين يلزم ذلك، والشواهد كثيرة على ذلك والمنطقة الشرقية ليست أولها أو آخرها، ومدينة تدمر خير شاهد على تورط التحالف في دعم التنظيم وتأمين الطريق لوصوله إلى أهدافه.
إن مشروع تقسيم البلاد الذي نقاومه بشدة، ولن نسمح له بالمرور إلا على أجسادنا، لم يخفِ صراحة دعوته إلى قيام كيان كردي في شمال سورية والعمل على تشكيل ميليشيات لتحقيق هذا السراب المزعوم وتأمين مستلزمات سرقته للثروات السورية بالتشارك مع الأميركي والتركي، لقد شكل الرهان على الأحصنة الخاسرة منذ بداية الحرب على سورية سمة لهذه الحرب، ولم يقتنع بعض الأكراد من شعبنا بضرورة اختيار الحصان الرابح المتمثل بـ«الحصان الوطني» بعد خسارات عدة دفع ثمنها أبناء شعبنا الكردي في العراق وغيرها.
إن الرهان على داعش وتركيا و«قسد» وأميركا وعلى قيادتها العسكرية في قوى التحالف وعلى هيئتها السياسية في الائتلاف المعارض وعلى الرعاة في تركيا وقطر وإسرائيل هو رهان خاسر خاسر.
علينا التنبه أنه في هذه المرحلة الخطيرة، لكل منا موقعه الرائد في صون وحدة البلاد والدفاع عنها في وجه أخطر عدوان يستهدفها، ويجب أن نكون في هذا الموقع كتفاً إلى كتف مع كل القوى الوطنية والتقدمية في هذا الوطن، ووقفتنا معا اليوم هي محطة مهمة لنجدد التأكيد على ثوابت خاضها شعبنا في كل مجالات العمل.
إن مستقبل سورية يرسمه السوريون وحدهم بإرادة سورية وعلي أرض سورية وليس لأي هيئة دولية أو جهة خارجية الحق في أن تفرض أي صيغة لمستقبل سورية، وإننا نرى أن بناء سورية المستقبل لا يمكن أن ينجز أو يعطي نتائج حقيقية بوجود الإرهاب بأشكاله كافة ولذلك فمكافحة الإرهاب والقضاء عليه واقتلاع أساسه الفكري والردع الحازم لرعاته ومموليه وداعميه هي أولوية لا تعلو ولا تتقدم عليها أولوية أخرى، وأي مستقبل واعد لسورية يتوقف بشكل جوهري على القضاء المبرم على الإرهاب، أما الصيغة التي نؤمن بها لسورية المتجددة فتقوم في أساسها على صون السيادة ووحدة التراب السوري والوحدة المجتمعية والوطنية للشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه، والحفاظ على حقوقنا الوطنية وعدم المساس بها أو التفريط بها بأي شكل من الأشكال، ونرفض رفضاً قاطعاً أي طروحات تتحدث أو توحي بأي صيغة أو شكل من أشكال التقسيم، ونؤمن أن الجيش العربي السوري هو سياج الوطن وعنوان منعته وسبيلنا لاقتلاع الإرهاب والقضاء عليه، وضمانة وحدتنا وسيادتنا وحقوقنا.
وانطلاقاً من إيماننا بأن سورية المتجددة يجب أن تكون دولةً مدنيةً علمانيةً ديمقراطيةً تعددية، يتكرس فيها حكم القانون ومبادئ العدالة الاجتماعية وصيغ العملِ المؤسساتي والتشاركي من خلال المؤسسات الدستورية والوطنية على اختلافها، وفي هذا الإطار على كل القوى الوطنية الفاعلة رصّ الصفوف وتكثيف العمل من أجل بلورة رؤيةٍ جامعةٍ تسهم في رسم مستقبل سورية، وأن نُؤمن بأن للمعارضة الوطنية دوراً أساسياً في ذلك، إلا أننا نؤكد في الوقت ذاته بأن المعارضةَ يجب أن تكون تعبيراً عن إرادةٍ سوريةٍ صرفة وأن ترتكز إلى تمثيلٍ شعبيٍ حقيقي، لا أن تكون ارتهاناً لإرادات الخارج ولدول العدوان على سورية كما هو حال هيئاتٍ وهياكل تسمى معارضاتٍ جعلتْ من نفسها أدواتٍ في يد الخارج لتنفيذ العدوان على سورية وتدمير مقدراتها.