قضايا وآراء

ظاهره انقلاب وباطنه صراع دولي

| هديل محي الدين علي

من إفريقيا تقصف منظومة دول «بريكس» جبهات العمق الغربي لتوقف مسارات حساسة بالنسبة لأوروبا التي اعتادت استغلال القارة السمراء واستعمار دولها، بل أسمنت حتى اقتصادها من ثروات الشعوب هناك.

ما يجري في إفريقيا اليوم هو ظاهرة صراع حقيقي بين الدول الكبرى، لما لهذه القارة من ميزات اقتصادية وجغرافية وجيوسياسية عظيمة، وخاصة الغابون التي تعتبرها فرنسا جوهرة التاج بالنسبة لاقتصادها.

الغابون تعد خامسة أغنى دولة في إفريقيا، فهي أكبر منتج للمنغنيز في العالم وفيها الألماس والذهب واحتياطيات من خام الحديد عالي الجودة، إضافة إلى ذلك فإن النفط يمثل أكثر من 70 بالمئة من صادرات البلاد، حيث يذهب جزء كبير من النفط الخام إلى فرنسا والولايات المتحدة.

وتمنح عضوية الغابون في المجتمع الاقتصادي الفرنسي قيمة أعلى للفرنك الصادر عن بنك دول وسط إفريقيا لأنه مرتبط باليورو، إلا أن سياسة الغابون الاقتصادية شجعت المستثمرين الأجانب وأبرزهم الصين وبلجيكا وأميركا.

الانقلاب الأخير وتنحية الرئيس علي بونجو، قلبت موازين باريس ورجحت الكرة الصينية، ففي إفريقيا حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تهديد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لدرجة أنه طلب حضور قمة «بريكس» الأخيرة في جنوب إفريقيا، ما أظهر جلياً العجز الفرنسي ومهد الطريق أمام روسيا والصين وأعضاء «بريكس».

الخطر الصيني على المصالح الغربية في إفريقيا بدا واضحاً من خلال عدة مسارات، فقد زودت الجزائر الصين بميناء على البحر المتوسط، وساهمت جيبوتي بميناء على القرن الإفريقي، وقد تمنح الغابون الصين ميناء على المحيط الأطلسي، وتاريخ العلاقات الصينية الإفريقية قديم وزاخر وتحديداً بعد مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقت عام 2013، حيث عززت بكين نفوذها الاقتصادي في القارة عن طريق توقيع اتفاقيات مع52 من أصل54 دولة إفريقية وأصبح نحو10 آلاف شركة صينية وما يصل إلى مليوني عامل صيني يشاركون في تطوير البنية التحتية وبناء المساكن والإنتاج الصناعي والتعدين.

الانقلابات العسكرية في القارة الإفريقية وما يجري من جولات دولية لوفود دبلوماسية واقتصادية وسياسية هناك، ما هي إلا إحدى ملامح نشوء النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب الذي تقود قاطرته روسيا والصين والمجموعات والتكتلات الاقتصادية والقوى الإقليمية الصاعدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن