قضايا وآراء

عواصف «سوتشي» وأشرعة أردوغان

| منذر عيد

لم تسر رياح نتائج اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي رجب طيب أردوغان أول أمس في سوتشي، كما تشتهي سفن الأخير، بل إن أشرعة سفنه السياسية والاقتصادية لم تتحمل عواصف «سوتشي» التي أثارتها مواقف بوتين، ليعود أردوغان من شواطئ البحر الأسود خالي الوفاض حيث لم تتمكن شباكه من صيد أي «سمكة» على مستوى ملف الحبوب تُمكّنه من التباهي بها أممياً، وتعزز دوره الإقليمي أكثر فأكثر، بل إنه على ما يبدو لم يكن مرتاحاً لما سمعه من بوتين بخصوص سورية.

من الواضح أن ثمة حراكاً دبلوماسياً روسياً إيرانياً بهدف إحياء ملف التقارب بين دمشق وأنقرة، بعد أن شهد مرحلة من الجمود مقابل تفضيل الإدارة التركية تقديم العمل في الميدان العسكري عبر دعمها الأعمال العدوانية للتنظيمات الإرهابية في إدلب، والفصائل الموالية لها في مناطق ريف حلب وشمال شرق سورية.

تجلى التحرك الإيراني الروسي عبر زيارة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق الأسبوع الماضي ولقائه الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، ثم استقباله في طهران نظيره التركي هاكان فيدان، العائد من زيارة إلى موسكو التقى خلالها نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي كشف في وقت سابق أن بلاده اقترحت على تركيا العودة إلى اتفاقية أضنة التي وقعت في تشرين الأول من عام 1998 لمكافحة الإرهابيين، والسماح للجيش التركي بالتوغل في الأراضي السورية حتى عمق خمسة كيلومترات فقط، تحت مظلة غرفة أمنية سورية – تركية مشتركة، ليكون ذاك الطرح رداً رسمياً على ما قاله وزير الدفاع التركي يشار غولر: «تركيا تريد السلام بصدق، لكن لدينا ما نعده نقاطاً حساسة، فلا يمكن تصور أن نغادر سورية من دون ضمان أمن حدودنا وشعبنا».

رسائل موسكو في موضوع التقارب السوري- التركي، لم تتوقف عند كلام لافروف، بل إن الرسالة الأوضح كانت تلك التي سمعها أردوغان من الرئيس الروسي ومن سوتشي بالتحديد حيث نقض التركي جل ما أقرته اجتماعات المدينة بين الطرفين ليؤكد بوتين: «مهم جداً، أننا متوافقون في التوجهات الأساسية لحل الأزمة السورية، مثل احترام سيادة سورية واستقلال وسلامة أراضيها (…)، فالسوريون أنفسهم يجب أن يقرروا مستقبل سورية من دون فرض أي وصفات أو نماذج جاهزة من الخارج».

لكن على ما يبدو أن «فلسفة 1998» التي تحدث عنها لافروف لا تلبي طموح ومشروع أردوغان التوسعي، بل إن تلك الفلسفة تشكل تقويضاً لـ«فلسفة السلطنة» التي نادى بها سابقا ولمرات كثيرة.

وبين حراك طهران وموسكو ومراوغة أنقرة، كان موقف دمشق واضحاً وثابتاً فيما يخص فتح الطريق بين سورية وتركيا، وهو موقف جدد التأكيد عليه أول من أمس المقداد خلال انطلاق مؤتمر «فيا أرب» بقوله: «إن انسحاب تركيا من كل ذرة تراب سورية هو الطريق الوحيد لإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه من تعاون وتنميه تخدم الشعبين الجارين».

خيبات أردوغان لم تقتصر فيما يبدو على موضوع سورية فقط، بل إن الخيبة الكبرى كانت فيما يخص «صفقة الحبوب»، وعدم تمكنه من إقناع موسكو بالعودة إليها بعد انسحابها منها في 17 تموز الماضي، إذ أكد بوتين أنه مستعد لإحياء الاتفاق السابق لكن فقط إذا تم الوفاء بشروط روسيا، كل ذلك قوض آمال أردوغان بالذهاب إلى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 أيلول منتشياً بنصر جديد، ومن الواضح أن بوتين تعمد أن يجعل أردوغان يدفع ثمن بعض الأفعال التي قام بها سابقاً وعملت على إغضاب موسكو، حين أعلن خلال لقائه نظيره الأوكراني فلاديمير زيلنسكي، أنه يدعم دخول كييف لحلف «الناتو»، وإفراج أنقرة عن قادة كتيبة «آزوف»، رغم الاتفاق القاضي ببقائهم في تركيا حتى انتهاء الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن