اقتصاد

عـولمــة. عـوو.. لمـة (لا مؤاخذة)!

| د. سعـد بساطـة

ما من تعـبير أسرفنا باستعـماله مثل «العـولمــة» حتى صار لصيقا بالقرن الـ(21).. نسمعـه؛ نردده؛ وقد نجهل أبرز خفايا مدلولاته!

وهذه العـولمة بتأثيراتها القريبة أو البعـيدة؛ تطول شركاتنا ومؤسساتنا؛ وحتى طرائق تفكيرنا!

دعـني أستهل بحكاية سمعـتها للتو: أم صديقي الأمريكي من كاليفورنيا منزعـجة بشدة؛ لكون الثلاثة الذين يلاعـبونها البريدج لا ينفكون يتحدثون بين بعـضهم بالفرنسية (فهم فرنسيون وفي بلدهم).. والكل يمارس لعـبة بريدج عـبر الإنترنت! من كان يتصور ذلك؟

هنالك مشاعـر جارفة تجتاح كثيرين تجاه العـولمة مثلما يشعـرون تجاه الفجر؛ فمن النعـم أن تطلع عـلينا الشمس كل صباح. ولا حيلة لنا بذلك؛ إنها تفيد أكثر مما تضر؛ وكل ما يودونه الحصول عـلى أفضل ما في النظام الجديد؛ ومحاولة تلطيف الجوانب السيئة فيه.

طراز العـولمة الديموغـرافي؛ هو التحرك من الريف للحضر؛ مع ارتباط وثيق بالموضـة والطعـام واتجاهات التسلية السائدة بالعـالم.

لئن كان مقياس الحروب هو ثقل الصواريخ؛ فإنّ مقياس العـولمة هو السرعـة: سرعـة السفر؛ والتجارة والاتصال والابتكار. وقد عـبـّر عـنها قانون مور: القدرة الحوسبية لشذرات السيليكون سوف تتضاعـف كل 18 شهراً! كان السؤال الاستراتيجي التقليدي بالسابق «ما ضخامة صاروخك؟»؛ الآن: في ظل العـولمة فالسؤال الأكثر تردداً «ما مدى سرعـة المودم لديك؟»…

بواسطة الشبكة العـنكبوتية؛ ولـت تلك الأيام التي كانت فيها المؤسسات تستطيع خداع أصحاب أغلبيتها بأكاذيب واهية!

حقبة العـولمة السابقة؛ قامت عـلى أساس تكاليف نقل رخيصة وسريعـة ما سهل التجارة؛ أما حقبة عـولمة اليوم فهي تكاليف اتصالات متطورة تنخفض كلفتها وتزداد سرعـتها يوماً بعـد آخر! ما يحول الكوكب إلى قرية صغـيرة بالفعـل!

منذ سنوات احتفلت دولة صغـيرة قريبة بإضافتها لنشرة الأخبار الجوية في ( CNN) هذا اعـتراف ضمني من جدوى معـرفة الطقس في عـاصمتها؛ أي إنها «رسمياً» جزء من السياح والزوار والمستثمرين الدوليين (ومن النظام العـالمي)!

ونشأت أمراض جديدة عـلى شاكلة «ميدز» [ MIDS- Microchips Immune deficiency syndrome] ؛ وعـدواه تصيب أي مؤسسة مترهلة والتي تخفق بتلقيح نفسها ضد التغـييرات التي أحدثتها شذرات الكمبيوتر الدقيقة؛ والتي أوجدت أسواقاً أكثر شفافية وأعـقد تركيباً؛ تتميـّز بفئة مميـّزة من الكفاءات. أعـراض المرض تظهر لدى عـجز المؤسسة أن ترفع الإنتاجية؛ وتزيد الأجور؛ وتستطيع المنافسة؛ وتستمر بالابتكار؛ وبالتالي أن تتباطأ في الاستجابة لتغـيّرات العـالم المتسارعـة!

من أجل تخفيض التكاليف؛ نقلت سويس إير (وتبعـتها شركات أخرى وبنوك)؛ مكاتبها الإدارية من سويسرا إلى الهند؛ وكذا الخدمات الهاتفية والإجابة عن تساؤلات الزبائن؛ ثم تبعـتها البريتيش إيروايز وغـيرها.

ومن طرف آخر؛ صوّت النرويجيون ضد الانضمام للـEU عندما شعـروا أن الانخراط بصفوفه يعـني اقتلاع الهوية الخاصة بهم – فهم لا يرغـبون بوضع دقيقهم في مطبخ أوروبي يديره بيروقراطيون -.. لا.. شكراً نفضل المحافظة عـلى نكهتنا النرويجية!

صرنا نتكلم عـن ديمقراطية التكنولوجيا؛ فبواسطة تقانة الرقميات؛ والنمنمة وابتكارات الكمبيوتر والاتصالات؛ أضحى لديك في منزلك: بنكاً ومصنعاً ومكتب سمسرة وصحفاً؛ بشكل دائم.

ولكن.. نحن بحاجة لوضع نظام العـولمة تحت الفحص الدقيق؛ وتقييم دائم لمفاهيمه الضمنية.. إليكم هذا المثال (من تجربة شخصية للكاتب الاقتصادي المرموق: توماس فريدمان) إذ يروي: كنت ببيروت مراسلاً خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1979 وكان من مهامي إرسال تقرير عـن طقس بيروت.. ولكن من كان يعـبأ هناك بحال الطقس ضمن حرب أهلية طاحنة؟ كان الناس سعـداء لمجرد أنهم أحياء! فكانت عـملية استقراء الطقس تتم عـبر القاعـة (هاي فادي كيف الطقس عـندك اليوم؟).. ويتم وضع قياس تقديري للطقس.. بعـدها بسنوات كنت بمهمة مع نيويورك تايمز لكتابة الأسعـار اليومية للدولار وتداولات الأسهم؛ وارتفاع/ انخفاض المؤشرات.. وكان هنالك دائماً بعـض المحللين أن التداولات بلغـت 1.2 مليار دولار في قارات العـالم الست؛ ما أسفـر عـن فكرة في قرارة رأسي أنّ هذه نسخة وول ستريت عـن تقرير الطقس المرسل من بيروت عـلى غـرار «هاي فادي. لماذا انخفض مؤشر داو جونز اليوم؟»…! وأياً كان الرد؛ فسيظهر في صحف اليوم التالي باعـتباره التفسير العـالمي لتصرّف آلاف المتعـاملين في سوق البورصة العـالمي.

سؤالي الآن: كيف الوضع في مؤسستك؛ وآمل ألا تكون الإجابة من قبيل «هاي فادي.. الوضع مستقر تماماً؛ أليس كذلك؟».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن