لم تبدأ ظاهرة شراء الإعلاميين والمثقفين البارحة، ولن تختفي في المستقبل القريب، فهي ظاهرة خفية لا يسمع الناس عادة إلا بالفاشل من عملياتها، إذ لا أحد يعرف حجم هذا النوع من الصفقات ولا عددها، سوى من يدبرونها وينفذونها. يجمع خبراء الحشرات أنك عندما ترى صرصوراً في منزلك، يكون هناك اثنا عشر صرصوراً آخر لا تراها، وقد تكون نسبة صفقات شراء الإعلاميين التي تتم بهدوء أكبر من نسبة الصراصير الخبيئة في أي منزل.
قبل أيام فجّر الصحفي طارق علي فضيحة مدعومة بالوثائق عن محاولة من جهة (معارضة) لشرائه: «العرض الذي قدموه لي يشمل راتباً ثابتاً هو خمسة آلاف دولار شهرياً، وألف دولار مقابل كل فيديو أو بث مباشر، وأقل للمنشور، ليصل المجموع لآلاف كثيرة من الدولارات شهرياً».
صحيح أن معرفتي بالصحفي الشاب طارق بسام علي هي بحدود لقاءاتنا العابرة، لكنني أتابع باهتمام واحترام مسيرته المهنية الجادة، وأعرف منذ عقود والده الزميل الإعلامي بسام علي الذي أشهد له بحسن السمعة ونظافة اليد.
إضافة لقضية طارق، قرأت مؤخراً عن صفقة ثانية فاشلة لشراء صحفي شاب آخر، غير أني سأتجاوز عنها لأنني لا أعرف شيئاً يُذكر عن ذلك الشاب مع الأسف.
ليس إخفاق صفقة شراء الإعلامي هو المؤشر الوحيد على حدوثها، بل إن نجاحها قد يكون مؤشراً أوضح. فإذا صمَت الصحفي الذي اعتاد، منذ بدء الحرب التي تشنها الفاشية العالمية وأدواتها الإقليمية والمحلية على سورية، أن يحسب كلماته بالملِّيغرام، فعليك أن تنتبه جيداً لما سيقوله بعد صمته! فإذا لاحظت أنه بدأ يطلق المقالات رشاً ودراكاً، في اتجاه محدد، فاعلم أن (الاتجاه المعاكس) قد اشتراه! وقد لاحظت مؤخراً، أن بعض من أعرفهم من (الصحفيين الشاطرين) قد نقلوا البندقية من كتف إلى آخر.
المفجع في الأمر هو أن الأشرار غالباً ما يتفننون في استخدام الاختراعات والابتكارات قبل أن يسمع بها الناس الطيبون. والحق أن تطورات الذكاء الاصطناعي وتقنية التزييف العميق باتت تلقي ظلالاً عميقة من الشكوك على كل ما نعرفه من حقائق، فقد نجح محتالٌ مؤخراً، في إقناع امرأة من أريزونا بأنه قد خطف ابنتها، وقد صدقت المرأة زعم المحتال، لأنه تمكن بمساعدة الذكاء الاصطناعي من الحصول على بصمة الفتاة الصوتية، واستطاع من خلال أحد التطبيقات أن يجعل الأم تسمع ابنتها وهي تقول لها بصوتها ما يتلفظ هو به بصوته. المقلق حقاً هو أن الجهات الاستخبارية قد بدأت تستخدم هذه التقنية لتلفيق الأخبار ونشر المعلومات المُضلِلة وتشويه سمعة الناس والتسبب في صراعات اجتماعية وسياسية خطيرة وإنتاج مواد إباحية، وانتحال شخصيات… الخ ونظراً لأن الممثلة الأميركية إيمَّا واتسون بطلة سلسلة (هاري بوتر) قد أعلنت، في العام الماضي، على حسابها في إنستغرام تضامنها «مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية» فقد انتشر لها مؤخراً، فيديو تمت فبركته عبر تقنية التزييف العميق، وهي تقرأ مقاطع من كتاب «كفاحي» للزعيم النازي أدولف هتلر! ولا يحتاج الأمر لأي ذكاء كي نعرف من الجهة التي قامت بهذه العملية القذرة.
أحسب أن الثورة العلمية والتقنية، وما نجم عنها من تقنيات مرعبة في مجال الذكاء الاصطناعي، تقوم حالياً بدفن (الحقيقة) تحت ركام هائل من البيانات لا يكف عن النمو لحظة واحدة!