من الطبيعي أن تعكس أي تطورات سلبية عسكرية أو اقتصادية على الغرب مضاعفاتها السلبية المباشرة على قدرة الكيان الإسرائيلي العسكرية والاقتصادية، بل إن الثمن الذي سيدفعه الكيان من أي حالة ضعف تعتري القدرة الغربية غالباً ما يكون أكبر مما يدفعه الغرب وبخاصة لأن المقاومة تستهدفه في كل يوم.
ولذلك تبذل الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو كل ما في وسعها من أجل إخفاء كل المظاهر السلبية الاقتصادية والعسكرية الناتجة عن أزمة الاقتصاد الغربي – الأميركي في هذه الظروف، وما تفرضه المقاومة عليه من ثمن باهظ.
مجلة «باليستاين كرونيكل- الحولية الفلسطينية» الصادرة باللغة الإنكليزية كشفت في السابع من شهر أيلول الجاري، أن «المعلومات التي جمعتها توضح أن إسرائيل لم تستطع خلال الأشهر الثلاثة الماضية أن تجمع من الاستثمارات الأجنبية سوى اثنين ونصف مليار دولار، وهذا ما يعد خسارة بالمقارنة مع 60 بالمئة من قيمة الاستثمارات التي جمعتها في عام 2022». وبالمقابل اعترفت وزارة المالية الإسرائيلية «بوجود أسوأ وضع يمر به اقتصادها»، وتعزو المواقع الاقتصادية المالية والعالمية هذه الخسارة لأسباب تتعلق «بحالة الاضطراب الدولية والمحلية» التي دفعت شركات اقتصادية وتكنولوجية وتجارية كبيرة إلى الخروج من السوق الإسرائيلي بعد تزايد الأخطار التي أخذت تفرض نفسها من نواح تجارية وأمنية، وهذا ما أكده البروفسور الإسرائيلي آلان بابيه، أحد أهم المعارضين لنتنياهو وسياسته الاستيطانية في تصريح للمجلة بأن «الشركات المالية وشركات الصناعات التكنولوجية العالمية تعد إسرائيل سوقاً يفتقر للاستقرار وتتزايد فيه الأخطار ولا يشجعها على الاستثمار فيه ولذلك يتزايد عدد الشركات التي تسحب استثماراتها من إسرائيل».
على الجهة الأخرى الأمنية يلاحظ العالم كله وليس الشركات وحدها، أن اشتباك المقاومة داخل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس لم يتوقف خلال السنوات الثلاث الماضية وقد بدأ يولد نتائج غير مسبوقة في تاريخ هذا الكيان وهي الهجرة العكسية التي لم تعد تقتصر على المستوطنين من الطبقة المتوسطة والعاملة فقط، بل أصبحت تشمل العقول التكنولوجية التي كانت الاستثمارات الخارجية توظفها لمصلحة التصدير الداخلي والخارجي وخاصة بعد الركود الاقتصادي الذي ارتفعت درجاته فازدادت تأثيراته السلبية على السوق المحلي، وهذه الهجرة العكسية إلى أوروبا وأميركا وكندا لهذه الشرائح من المستوطنين وأصحاب الخبرات في الصناعات التكنولوجية، حرمت الكيان وخاصة خلال العقود الثلاثة الماضية، من أكثر من مليونين من القوة البشرية العسكرية والاستيطانية والصناعية التي غادرت الكيان ولا يمكن التعويل على تعويضها من هجرة اليهود من الخارج إلى الكيان، لأن افتقار الكيان للأمن وللاستقرار الاقتصادي لا يشجع اليهود الذين يعيشون في أوطانهم على الهجرة إلى ساحة حرب لا تتوقف.
حين يرى أي يهودي أو إسرائيلي أنه سيكون الوحيد الذي يفرض عليه الكيان من بين كل يهود العالم، القتال وتعريض حياته للخطر في مواجهة المقاومة، فلن يفكر بالهجرة إلى ساحة حرب كهذه يحيط بها من داخلها ومن حولها كل الشعوب المتربصة به لاستعادة ما سلبه من أرضهم ووطنهم التاريخي، وهذا في واقع الأمر ما تحققه المقاومة داخل الأراضي المحتلة ومن جبهتي الشمال والجنوب، فالذين يغادرون الكيان من المستوطنين إلى أوطانهم السابقة، أصبحوا يشكلون هروباً لثلث القوة البشرية في الكيان، وهذا بدوره ما يفرض تآكلاً متواصلاً في معنويات جيش الاحتلال والمستوطنين ويزيد في الوقت نفسه من تدهور ما يسمى «قدرة الردع» التي لم تعد تمنع أي فلسطيني عن مقاومة المحتلين بجميع أشكال ووسائل المقاومة، ولا شك أن أرقام وحقائق هذه الهزيمة المعنوية يدركها أفراد جيش الاحتلال بأنفسهم حين لا يرون أحداً مما يسمى بـ«المهاجرين اليهود الجدد» القادمين من أوروبا وروسيا وأميركا لتعويض النقص في القوة البشرية العسكرية.
ومهما حاول الكيان ووسائله الإعلامية العبرية والعالمية بذله من جهد لإخفاء هذا الواقع، فلن ينجح في إيقاف تدهور وضعه من الداخل وعبر الجوار، لأن المستقبل المنظور والبعيد لن يكون في مصلحته على المستوى الإقليمي ولا على المستوى العالمي الذي بدأنا نشهد فيه تراجعاً وضعفاً ملموساً في قدرة الامبريالية العالمية على فرض سياساتها وهيمنتها.