محمد قجة يستعرض رحلاته في كتاب «من أوراق الرحلات» … تجارب الشعوب والأمم بصورة حية في هيئة نصوص مكتوبة
| مصعب أيوب
لعل أهم ما يؤرخه الفرد هو مذكرات حياته اليومية وتفاصيل رحلاته وتنقلاته وبعض الطرائف التي حدثت معه أو الصعوبات التي واجهها، ومن ذلك انطلق الكاتب محمد قجة في كتابه الحديث «من أوراق الرحلات» الذي أصدرته الهيئة العامة السورية للكتاب، لينقل للقارئ من خلاله مقتطفات من زياراته المتنوعة لدول العالم المختلفة، واضعاً بذلك القارئ في صورة المشهد بحيثياته كاملةً.
علة الرحلات
من خلال زياراته المتعددة إلى بلدان كثيرة والتي في أحيان كثيرة تتكرر لطبيعة عمله في الميدان الثقافي وإلقاء المحاضرات الثقافية أو حضور مؤتمرات وندوات تعليمية وعلمية، أضاء المؤلف على ما شاهده في مجمل البلدان التي حل زائراً فيها وشرب من مياهها متغزلاً بأزقتها وحضارتها وعمرانها وثقافتها.
يفتتح قجة كتابه منطلقاً من الجزائر وتحديداً من مدينة شفشاون التي تسلق جبالها حين زارها عند بزوغ شمس الصباح المتوسطية مع قطرات الندى، ثم يصف البيت الذي أقام فيه مبيناً أنه مبني على الطراز العربي، تتوسطه فسحة سماوية تغطيها الشمس مع 3 غرف بسيطة متواضعة.
مكتبة الإسكندرية
ينتقل قجة بعد صفحات للحديث عن زياراته إلى مصر التي تجاوزت خمسين زيارة ليسرد لنا تفاصيل دقيقة عن مكتبة الإسكندرية المبنية على مساحة واسعة، والتي تتضمن خمسة طوابق وتحتوي على أقسام كثيرة تضم العديد من المخطوطات والكتب العلمية والملايين من الوثائق، إضافة إلى قاعة كبيرة للمحاضرات وقاعة للندوات التدريبية.
يشير الكاتب إلى أن مكتبة الإسكندرية تعتبر مركزاً عالمياً وعلمياً ضخماً ساهمت عدة دول فيه، ومن يتسلم إدارتها يعد بمنزلة وزير لأنه يدير مؤسسة تعليمية وعلمية كبيرة.
عاصمة الثقافة الإسلامية
مدينة القيروان التونسية التي بناها عقبة بن نافع، كان لقجة وقفات عدة فيها، ولعل أهمها تلك التي كانت في العام 2009 حين اختيرت تونس لتكون عاصمة الثقافة الإسلامية، ليمثل سورية في الاحتفالية مقدماً محاضرة عنوانها: «العمارة المتشابهة بين حلب والقيروان»، حيث يقدم بعض المقارنات بين حضارة مدينة حلب ومدينة القيروان وتحديداً الجامع الأموي وجامع عقبة، فيروي لنا تفاصيل العديد من أبنيتها ومنشآتها ومنها مسجد «سيدي عقبة» الذي يتسع لآلاف المصلين وفيها مساجد الصحابة السبعة الذين توفوا في القيروان.
لندن الباردة
من ضمن زياراته كان له جولة في لندن البريطانية بعد مغادرته باريس 1973، مبيناً أن تلك الرحلة استغرقت عشرة أيام لأنها كانت بوساطة السيارة، ولأن قناة بحر المانش لم تكن جاهزة بعد فقد تم الانتظار لاستخدام الباخرة التي تقل السيارات والأمتعة والمسافرين.
وبين قجة أنه خلال إقامته في أحد الفنادق في العاصمة البريطانية، وبعد خروجه في جولة حول المدينة عثر على مخيم جميل ونظيف ورخيص بعض الشيء فقام بنصب خيمته وأقام فيه لعدة أيام، كما أوضح أنه كان بشكل يومي يخرج في زيارات متفرقة لاستكشاف تلك المدينة الباردة، ومن جملتها المتحف البريطاني المشهور الذي يتشابه كثيراً بمعرض اللوفر الفرنسي، ويخبر قجة القارئ أن القاسم المشترك بين هذين المتحفين أنهما لا يحملان سوى اسم الدولة التي هما فيها، على حين أن محتوياتهما جميعها من آثار وتحف معظم البلدان التي احتلتها هاتان الدولتان.
غنى معماري وثقافي
يصف المؤلف مدينة فيينا النمساوية بأجمل مدينة في العالم حيث حافظت على تراثها من العصور الوسطى كعاصمة لإمبراطورية النمسا والمجر، فيبرز أجمل ما في معالمها الحضارية ومبانيها التراثية وغناها المعماري والثقافي والتراثي في كل أرجاء البلاد، مؤكداً أن مدينة فيينا كانت السباقة في هذه المدن من حيث التنظيم والعمران والنظافة.
ويستعرض أيضاً لحظات وصوله إلى فيينا منذ الهبوط في مطارها وطرق التنقلات ومجانيتها بوساطة المترو والحافلات، إضافة إلى وجود سيارات خاصة لمن كان مستعجلاً أو مرتبطاً بمواعيد رسمية أو لمن لا يستطيع الانتظار.
الأسواق شعبية في إيران
من جملة زياراته كان له وقفة في مدينة أصفهان الإيرانية التي يخترقها نهر «بزندروذ» أو كما يسميه أهله نيل أصفهان، مبرزاً جمال الجسور التي شيدت عليه وبساطة وروعة المقاهي التي بنيت على جانبيه والاستراحات وممرات المشاة وممر العربات، ويركز الكاتب على أن الزائر لإيران يستطيع التحدث باللغة العربية ويمكنه أن يتعايش مع السكان ويمارس حياته اليومية بشكل طبيعي لأن معظمهم يحفظ القرآن الكريم.
ويبين أن مدينة تبريز الإيرانية تحوي أسواقاً شعبية كثيرة فيها باعة للبطاريات والألبسة والساعات، ويستوقفك الباعة بنظراتهم وهتافهم لإغرائك بإلقاء نظرة على بضاعتهم، ولكن عيون فتياتها الساحرة ستجعلك تطيل النظر إليها وتغض نظرك عن السوق والباعة.
حلب – دبي
وقد عرض الكاتب مقارنة بين مدينة حلب السورية ومدينة دبي الإماراتية، مبيناً أن حلب عمرها التاريخي يصل إلى 14000 سنة وعرفت ما يزيد على الثلاثين حضارة وسكنها المئات والآلاف من الشعوب والأمم على حين أن تاريخ دبي لم يتجاوز عشرات السنين، كما يبين لنا أن حلب تحتوي على واحدة من أهم القلاع الأثرية في العالم والتي يبلغ عمرها سبعة آلاف عام، وفي الجانب المقابل تحتضن دبي أعلى برج في العالم ولا يتجاوز عمره 15 عاماً، ويضيف أيضاً إن الأسواق التجارية في حلب شعبية وبسيطة ومتواضعة وتمتد لمسافات طويلة، لكن الأسواق في دبي تنحصر في المولات التجارية الضخمة.
محمد قجة
كما يتضمن الكتاب في صفحاته الأخيرة بعض الصور الفوتوغرافية للكاتب محمد قجة أثناء زياراته في المدن التي زارها وبطاقة تعريفية تخبر القارئ ببعض الوظائف التي شغلها، فهو المولود في مدينة حلب 1939 ويحمل إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق، وهو الأمين العام لاحتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية 2006 ورئيسها الفخري مدى الحياة، علاوة على أنه عمل في الميدان التربوي والميدان الإعلامي وكذلك الفكري ونال جائزة الدولة التقديرية في مجال النقد والدراسات والترجمة 2016.