خمدت جذوتها لكنها لم تنطفئ، هو حال الاشتباكات بين العشائر العربية وميليشيات «قوات سورية الديمقراطية– قسد» في دير الزور، وإذا كانت الأخيرة أعلنت انتهاء الأعمال القتالية، وتمكنت بدعم من قوات الاحتلال الأميركي من العودة إلى المناطق والقرى التي انتزعها منها مقاتلو العشائر، إلا أن الوضع العام والنفوس لم ترجع إلى سابق عهدها، وما كان قبل بدء الاشتباكات ليس هو كما بعده، فالأرض تحت أقدام «قسد» باتت رمالاً متحركة، وبات المكون العربي في مناطق سيطرة الميليشيات أكثر إصراراً على الحصول على حقوقه ومكاسبه التي سلبته إياها ميليشيات «قسد»، الأمر الذي بدا جلياً من خلال تصريحات شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل بأن القتال مستمر ضد «قسد» وأعوانها حتى تحقيق النصر، مطالباً بالاستمرار في التظاهرات السلمية حتى تحقيق مطالب المكون العربي في مناطقه.
وإذا كانت النتائج النهائية لعشرة أيام من القتال بين العشائر و«قسد» لم تغير في خريطة السيطرة، إلا أنها ومن المؤكد غيرت في خريطة النيات والتعامل، كما لم تتمكن وساطة الاحتلال الأميركي من إخماد نار الاشتباكات، بل حولت الاشتباكات إلى نار تحت رماد قابلة للاشتعال في أي لحظة، وليبقى التكهن بمآلات هذه الحرب صعب القراءة.
لم تذهب الاشتباكات إلى نتائجها المرجوة من قبل العشائر، إلا أنها استطاعت أن تعلم في المشهد العام واستطاعت أن تكسر هيبة «قسد»، كما أكدت أن تلك الميليشيات جسم غريب على المنطقة، وأنه كيان من ورق لا يمكن له الاستمرار إلا بوجود قوات الاحتلال الأميركي، وللتأكد من مقولة إن «قسد» مجرد جسر لذاك المحتل وتلعب دوراً وظيفياً ليس إلا، وأن مصير تلك المناطق هو لأبنائها، كما قال وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد: «نحن مطمئنون دائماً بأن الشعب السوري شعب عظيم ويتصدى لكل الهجمات ومحاولات الاستعمار لإعادة الهيمنة على المناطق السورية».
رغم تعدد ولاءات العشائر والقبائل العربية في المناطق التي تسيطر عليها «قسد» إلا أن ثمة قاسماً مشتركاً يجمعها، وهو محاربة والقضاء على «قسد» بصفتها ميليشيات انفصالية ومنعها من إقامة كانتون كردي في تلك المناطق، وخاصة أن جل مكون تلك المناطق من العرب، بل إن «قسد» لم تواجه اتحاداً معادياً من القبائل العربية فقط، بل هي وفي تقييم سريع باتت في صراع وعداوة مع الجميع، من الحكومة السورية التي ترى فيها مكوناً انفصالياً، والنظام التركي الذي يعتبرها تنظيماً إرهابياً، والروسي لكونها حليفاً لواشنطن العدو اللدود لموسكو، وحتى الإيراني الذي يتوجس من قيامها بدور مع الاحتلال لقطع طريق دمشق بغداد طهران.
في مجمل ما جرى كان لافتاً تأخر تدخل قوات الاحتلال الأميركي لإنقاذ أداتها من هزيمة كانت قاب قوسين من الحصول، ليرى العديد من المحللين أن تأخر أميركا في الدخول على خط إنقاذ «قسد» كان بهدف إخضاعها على نحو تام، أو لفتح الطريق أمام صعود تشكيل مسلح مواز لها، يكون استخدامه متاحاً أميركياً، في حال خرجت «قسد» عن بيت الطاعة، إذا ما سيقت ككبش فداء على مذبح الصداقة الأميركية التركية، أو فرضت التغيرات الميدانية والعسكرية على قوات الاحتلال الأميركي لإيجاد مكون ميليشياوي جديد، كما أنه من المرجح أن تكون أميركا فتحت الطريق أمام العشائر العربية لمناوشة «قسد» بما يتيح مستقبلاً عملية تفجير الميليشيات ذاتياً إذا ما خرج مسلحوها العرب من تحت عباءتها.
من الواضح أن نتائج الاشتباكات بين العشائر و«قسد» وضعت الأخيرة في موقف الانكسار، وقلصت خياراتها المستقبلية إلى أمرين ربما لا ثالث لهما، إما الاستمرار في التعامل مع قوات الاحتلال الأميركي، مأخوذة بوهم إقامة كانتون كردي مستقل، وهو أمر صعب الحصول لغلبة المكون العربي في صفوف مسلحيها لجهة، وتشتت الكرد في مناطق غير متصلة في المناطق التي تسيطر عليها لجهة أخرى، أما الخيار الثاني يبقى بالعودة إلى الحوار مع الحكومة السورية، وهو الأمر الأكثر نجاعة لسببين أيضاً، أولهما أن الاحتلال إلى زوال مهما طال بقاؤه، وبالتالي فإن مظلة الاحتلال غير دائمة، وثانيهما إمكانية حصول المكون الكردي على مكاسب أكثر في ظل الدولة السورية وذلك عبر مجالس الإدارات المحلية ضمن الجسد السوري.
تداعيات القتال بين «قسد» والعشائر العربية، لم تقتصر على ريف دير الزور، بل امتدت شرارة المعارك إلى مدينة منبج، حيث حاول رئيس الإدارة التركي رجب طيب أردوغان امتطاء صهوة تلك المعارك للبحث عن خريطة جديدة في مدينة منبج بريف حلب، حيث تؤكد المعطيات على جبهة منبج، بأن ثمة مساعي تركية للسيطرة على المدينة، تحت راية «العشائر» الموالية للإدارة التركية باسم «الجيش الوطني».
المحاولات التركية بدت جلية عبر استمرار ميليشيات «الجيش الوطني» بالدفع قدماً في عملياتها العسكرية ضد مواقع الجيش العربي السوري، ومواقع «قسد» في المنطقة، ومن خلال تصريحات رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً بقوله إن «المهمّ في هذه اللحظة توحّد العشائر العربية حتى تكون هي صاحبة السيطرة على الأرض»، مضيفاً: إن «حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب ليسوا أصحاب الأرض، بل هم مجرّد إرهابيين، في حين معركة العشائر هي معركة شرف».