اقتصاد

زلزال.. اهربوا!

| د. سعـد بساطة

ليسامحني «سبع» (فيلمون وهبي) لاستخدام النداء المحوّر من إحدى أوبريتاته (بارود.. اهربوا)؛ كي ينسجم مع الحال بالمغـرب اليوم؛ وسورية وتركيا بالأمس؛ ومن يعـلم أيضا : في الغـد؟

سنتناول الزلازل؛ وقوعـها تأثيرها؛ الحيطة ضدها؛ لكونها من أهم الكوارث الطبيعـية التي تصيب اقتصاد بلد ما؛ وتشل نشاطه البشري عـموماً؛ والإنتاجي بشكل خاص!

يقول النورم الألماني (DIN) إنّ الأبنية المعـدّة لمقاومة الزلازل؛ ستتشقق بشكل محدود؛ ولكنها في أكثر من 80 بالمئة من الحالات: تحافظ عـلى نفسها وسكانها. ولكن المشكلة في الأبنية المخالفة؛ في المناطق العـشوائية التي تنهار عـلى الناس (من المعـدمين بالأساس) والممتلكات كأنها قلعـة رملية بناها طفل عـابث في شاطئ ما! ويتشارك موظف التراخيص الفاسد مع التاجر الجشع مع المقاول الطماع؛ في تشييد أبنية كأنها لعـب أطفال!

انشغـل العـالم بمتابعـة كارثة الزلزال ولطماته الارتدادية في منطقة الحوز التي لا تبعـد سوى 40كم جنوبي مراكش.

ولكن.. كيف نقيس الزلزال؟ هنالك مقاييس عـديدة أهمها ما اخترعـه فرنسيس ريختر عام 1935؛ وسمي باسمه. ويعـتمد قياس الموجة الصوتية؛ ويتراوح بالشدة ما بين أقل من 2 (لا نشعـر به) وأكثر من 10 (لم يحصل أبداً)؛ حيث ما حصل بسورية مقياسه 6: ضرر كبير حتى 120كم من مركزه؛ وبالمغـرب 7: أضرار هائلة بمساحات كبيرة.

كنا في السابق نسخر من أيّ حديث عـن زلزال؛ ونعـتبره من الندرة كمن يتكلم عـن بركان في بلادنا؛ أو عـن خلل بمحطة نووية؛ ولكن في بواكير شباط الماضي: عـانينا منه؛ وأثـّر بشكل ضخم ومباشر في اقتصادنا المدمر الذي كان لا يزال يحبو في خطواته الأولى ليتعـافى بعـد حرب دامية أتت عـلى الأخضر واليابس!

نتساءل: هل تمكـّن العـلم من معرفة المكان الذي يحتمل أن تحدث فيه الزلازل، وبالتالي هل يمكن التنبؤ بالزلازل؟ يجيب عالم الزلازل الدكتور ستيفن هيكس من جامعة إمبريـال كوليدج لندن البريطانية: «للأسف لا». ويضيف: «ولكن ما يمكننا القيام به هو توقع حدوث الزلازل بصورة تقديرية، أي يمكننا إعطاء الاحتمالات بالوقوع.. وفي أماكن مثل كاليفورنيا في الولايات المتحدة، واليابان، أصبحت توقعات الزلازل أكثر فاعلية»..

التصريح اللافت في «الصنداي تايمز»: إنّ الزلازل لا تقتل الناس، إنما طُرق البناء هي التي تفعل»

حيث يقول بيل ماكغواير أستاذ الجيوفيزياء والمخاطر المناخية بجامعة لندن، عن كيفية وقوع الزلازل، وعن السبب وراء تضرّر المغرب بهذا الحجم الكارثي جرّاء الزلزال الذي ضرب البلاد في ليل الجمعة.

مؤكداً أن الزلزال الذي ضرب المغرب ليس كبيراً لدى مقارنته بالزلازل التي تضرب أجزاء من العالم ذات نشاط زلزالي مرتفع، كالصين واليابان وإندونيسيا. على الرغـم أنـّه بقوة ناهزت 30 قنبلة ذرية كتلك التي ضُربت بها مدينة هيروشيما اليابانية، وهو ما يفسر عدد المباني التاريخية التي دُمرت في مدينة مراكش نفسها رغم بُعدها عن مركز الزلزال بنحو 70 كم.

ورأى أن حجم الزلزال ما كان ليوقِع هذا الحجم من الضرر لو أنه وقع في ولاية كاليفورنيا الأميركية على سبيل المثال (كجزء من العالم جرى إعداده بشكل أفضل). مشدّداً على مقولة إن «الزلازل لا تقتل الناس، إنما طُرق البناء هي التي تفعل»؛ فلو اتُّبعت الطرق المناسبة في الإنشاءات لبقيت المباني قائمة رغم الهزات الأرضية.

يوجد خطر آخر محتمل بعـد الكارثة؛ ألا وهو تسرب الغاز من الأنابيب المكسورة بعد الزلزال.

وهناك مثال على ذلك: زلزال سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة عام 1906، الذي قتل فيه أكثر من 3 آلاف شخص. «فقد حدثت معظم الوفيات بسبب انفجار خطوط أنابيب الغاز، وليس بسبب اهتزاز أو انهيار المباني»، حيث يُنصح بالابتعاد عن أي مواد قابلة للاشتعال في المنطقة.

«تتبع بعض البلدان سياسة التدريبات على الزلازل والتي يتعين، وفقها، على الجميع المشاركة في ممارسة ما يجب القيام به في حال وقوع الزلزال»، مضيفاً إن هذا الأمر لم يطبق في بعض الأماكن التي لم يحدث بها زلزال هناك منذ فترة طويلة.

لا يحمي حذر من قدر؛ ولكن بالنسبة للدول؛ فاتخاذ الاحتياطات أمر محتوم. ولو أنّ توليفة تجار البناء الجشعـين، والموظفين المشرفين الفاسدين، لا يلتزمون بهذا الأمر!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن