قضايا وآراء

ماذا يريدون؟

| د. بسام أبو عبد الله

ما زال بعض السوريين حتى الآن يتساءلون ماذا يريدون منا؟ ولماذا هذه الحرب الفاشية مستمرة منذ 13 عاماً عبر الإرهاب والتجويع والحصار والتهديد والحرب النفسية والإعلامية والتضليل والتزوير! وكثيرون ممن ظهروا أخيراً تحت عناوين «المطالب المحقة» يتحدثون عن النتائج وليس الأسباب، وإهمال الأسباب فيه كثير من الإجحاف والكذب، وتقديم رواية ليست دقيقة.

ماذا يريدون منا؟ سؤال جوهري، قد يعرف كثيرون الإجابة عنه، لكن إعادة التذكير فيه شيء من تنشيط للذاكرة، ذلك أن التعامي عن الحقائق التي سأذكرها لا يجوز بعد الآن، لأنه يأتي من باب الكذب الفاقع الذي لن ينطلي على أحد، ومنها:

1- قبل أيام وجهت وزارة الخارجية السورية رسالة إلى الأمم المتحدة تفيدها بأن جيش الاحتلال الأميركي نهب ما قيمته 115 مليار دولار من النفط، والغاز طوال فترة احتلاله، ما يعني خسارة السوريين سنوياً حوالي 11 مليار دولار، منذ قدوم قوات الاحتلال الأميركي عام 2014، أي خسارات متراكمة كان يمكن أن تذهب للتنمية (المياه- الكهرباء- التعليم- الصحة- النقل العام- تحسين دخل المواطنين… الخ)، هذه الأموال الضخمة بالنسبة لبلد صغير كسورية تعني الكثير، وسبق لمسؤول في ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، وهو التنظيم الانفصالي الذي يعمل على حراسة قوات الاحتلال وحمايتهم، قد أعلن عن سرقة نفط بقيمة 4.5 مليار دولار شهرياً، وإذا أضفنا لذلك العقوبات الأميركية الأحادية الجانب عبر ما يسمى «قانون قيصر»، وملاحقة أي عملية مالية تتعلق بسورية والشعب السوري تجاه إعادة الإعمار، أو ما سموه «التعافي المبكر»، فإننا نجد أن هناك تقليصاً كبيراً للدعم المالي للمنظمات الدولية التي يفترض أن تكون الذراع المنفذة لهذا التعافي المبكر، وبالتالي العمل على تشديد الحصار الاقتصادي بشتى السبل الممكنة مترافقاً مع النهب والسلب للثروات السورية النفطية والغازية، مضافاً لها الإمكانات الزراعية والمائية والكهربائية الكامنة في مناطق الاحتلالين الأميركي والتركي، أي إن المطلوب تدمير وتقطيع إمكانات سورية الاقتصادية، والعمل على منع نهوضها بأي شكل من الأشكال وصولاً لعملية تهجير مستمرة منذ سنوات.

2- إن ظهور المشاريع الانفصالية شمال شرق، وشمال غرب، وحديثاً في الجنوب، هدفه خلق كانتونات تحت عناوين مذهبية واثنية، بشعارات براقة لتوريط بعض السوريين فيها، متوهمين أن خلاصهم فردي من دون أن يدركوا أن لا خلاص لأحد إلا بالمزيد من الوحدة الوطنية، والتكاتف والتآزر، ذلك أن الأعلام الطائفية أو الاثنية لن تحل مسألة الثروات المنهوبة من الاحتلالين الأميركي والتركي، ولن تعيد الإعمار، ولا حتى التعافي المبكر! ووحدة السوريين يجب أن تتركز على اللغة والمفردات الوطنية، وعلى الهوية العروبية لسورية بعيداً عن الهويات الفرعية التي لا هدف لها سوى المزيد من تفتيت المجتمع وإضعافه، وتوجيه انتباهه نحو معارك جانبية وليس المعركة الأساسية وهي إخراج الاحتلالين الأميركي والتركي، وإعادة وحدة الأراضي السورية.

إن استهداف الهوية العروبية لسورية يبدو واضحاً من خلال تقصد ضرب حزب البعث العربي الاشتراكي باعتباره أحد أهم الأحزاب السياسية في تاريخ سورية المعاصر التي طرحت فكراً عروبياً وتقدمياً وإنسانياً، وهو ما لاحظناه في أحداث السويداء كنموذج، إذ يتحدث أصحاب الحراك عن رغبتهم بالتعددية السياسية، وفي الوقت نفسه يعملون على إغلاق مقرات حزب البعث، وهو أمر يظهر تناقض هؤلاء، وعدم قدرتهم على تبرير أفعالهم المرفوضة شعبياً! لكن «قسد» قد تكون الأكثر حساسية تجاه حزب البعث، إذ تلاحق أي بعثي في محافظة الحسكة، وتهدده بالويل والثبور وعظائم الأمور، والسبب بسيط للغاية: لأن ما يطرحه ويمارسه حزب البعث، وضمه في صفوفه لكل الطيف السوري، يتناقض تماماً مع مشروعهم الانفصالي الذي يتستر خلف واجهات كرتونية لحماية جوهر المشروع الاثني المدعوم أميركياً وصهيونياً، ومهما حاول هؤلاء التلطي خلف الشعارات المطلبية فإن أوراقهم كُشفت وبانت لأن المطلوب تفتيت المجتمع السوري إلى ملل وطوائف وإثنيات تتناحر وتتناقض لمئة عام قادمة، والنماذج في محيطنا كثيرة، وعديدة من ليبيا إلى العراق إلى لبنان، ودراسة هذه النماذج تظهر بوضوح شديد أن لا علاقة للأديان والمذاهب والإثنيات بل هي مجرد أدوات للتضليل والخداع.

3- مع اقتراب موعد عقد لجنة مناقشة الدستور في العاصمة العُمانية مسقط، وزيارة المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون إلى دمشق، نطرح الكثير من الأسئلة منها: هل هذا الاهتمام العالمي والغربي بموضوع الدستور السوري نابع من أنهم جمعية خيرية هدفها مساعدة السوريين على كتابة دستور كانوا قد كتبوا أول نسخة منه قبل مئة وثلاث سنوات، أم إن وراء الأكمة ما وراءها؟!

الحقيقة أن الطرف الآخر في اللجنة المفترض أن يكون سورياً وطنياً، اختار قبل يومين رئيساً له سراً، من دون إعلام وصحافة، وباتفاق أميركي- تركي لتوحيد الجهود بين الطرفين، فهل رئيس الائتلاف الجديد وطني سوري، أم هو خيار أميركي- تركي! بكل بساطة هو خيار أجنبي حتى لو تحدث بالعربية الفصحى، وذرف الدموع على مآسينا، وقدموه لنا بمظهر وطني سوري، ذلك أن أولئك الذين انخرطوا بمشروع غربي ضد بلدهم يتحدثون علناً عن موت المعارضة السورية، إذ غرد الرئيس السابق للائتلاف معاذ الخطيب قبل أيام «ناعياً لجميع السوريين وفاة الائتلاف الذي كان معارضاً، معتبراً أن الأعضاء فيه تعرضوا لتهديد مشين لإجبارهم على التصويت لقيادة مفروضة عليهم» معتبراً بخلفيته الإخوانية- القطرية أنه لا جنازة لمتوفى، أي «الائتلاف» فالمرتد عن وطنه تُحرم الصلاة عليه.

الحقيقة أن الخطيب لم يأتِ بجديد، لأنه منذ أن أتى به القطريون للجلوس في مقعد بلاده زوراً وبهتاناً مدعياً تمثيله للسوريين من دون إرادة شعبية، يستحق أيضاً الحكم نفسه الذي أطلقه على الائتلاف ونعاه وأعلن وفاته دون الصلاة عليه.

هذه هي المعارضة المزعومة التي تفكك وتُركب من قبل أجهزة المخابرات الغربية، والإقليمية كألعاب الأطفال، وبالشكل الذي يناسب كل مرحلة، ففي تشرين أول 2016 أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك هيلاري كلينتون أن «المجلس الوطني السوري»، أول دمية معارضة صممت في تركيا بإشراف أميركي قد تحول إلى جثة هامدة، ولابد من استبداله، هكذا بشطبة قلم من كلينتون ذهبت نضالات مدعي الثورة والمعارضة أدراج الرياح، وأنتجت لاحقاً غرف المخابرات الدولية ما سمي بـ«الائتلاف» في العاصمة القطرية الدوحة التي مولت بأكثر من 137 مليار دولار الحرب الفاشية على سورية، وقد قبل الخطيب آنذاك رئاسة هذا الائتلاف عن طيب خاطر من دون أن يسأل عن مصدر شرعيته بالرغم من أنه مثل هادي البحرة فرض فرضاً وفقاً للممولين، ولما تطلبته المرحلة السياسية آنذاك من تبديل للوجوه، لذلك فإن نعي المعارضة السورية واجب أخلاقي وسياسي وإنساني، فالدمى فات أوانها وانكشفت، ولا حاجة للصلاة عليها حسب معاذ الخطيب.

السؤال هنا: هل نحن ضد المعارضة السياسية؟ الجواب مباشر وواضح، وكتبنا عنه عشرات المرات، نحن مع المعارضة السياسية الوطنية التي تُشبهنا ونُشبهها، والتي تعمل في سورية، ومن أجلها، والتي تقدم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية، وتنتج حلولاً ومخارج وتدافع عن وحدة بلدها وشعبها.

أما المعارضة التي تعيش في تركيا أو قطر أو واشنطن فهي ليست معارضة، بل دمى تحركها هذه الدول وفقاً لمصالحها.

معه حق الرئيس بشار الأسد عندما قال في 15 كانون الثاني 2015 لصحيفة «ليترارني نوفيني» التشيكية: «ما يريده الغرب هو دول تابعة تحكمها دُمى، هذا جوهر المشكلة مع الغرب، الأمر لا يتعلق بالديمقراطية ولا بالحرية، ولا بدعم شعوب هذه المنطقة».

عندما نفهم الجوهر يجب ألا نستغرب، ويجب أن نعرف الجواب على سؤالنا الرئيسي: ماذا يريدون؟

هذه بعض الجوانب التي وددت الإشارة إليها، وللحديث بقية عن ماذا يريدون؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن