لم يتوقف الجدل منذ أن أعلن الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة خلال الأسبوع الماضي، إضافة كلمة «تِرِنْد» وجمعها (ترندات) لمعجم الألفاظ والمعاني، ففريق رأى أن اللغة العربية غنية ومرنة والمجمع أُقيم لصون وحماية هذه اللغة لا لإغراقها بسيل من الكلمات الغريبة دون مبرر. بينما دافع فريق آخر عن المجمع ووجد مسوِّغاته منطقية لأنه: «لا توجد في اللغة العربية كلمة واحدة تعبر عن مضمون هذه الظاهرة المركبة التي ساقتها وسائل التواصل الاجتماعي». فاشتهار كلمة (ترند) على حد قول أمين مجمع اللغة العربية بالقاهرة «منحها القوّة لتأخذ مكانها في العربية».
من المعروف أن كلمة ترِند Trend باللغة الإنكليزية تعني: «اتِّجاه أو نَزْعة أو مَيْل أو موضة». وأظن أن كلمة (رواج) أو (الأكثر رواجاً) تحيط بكل المعاني المتداولة لمصطلح Trend بشكل دقيق!
كثيرون لا يعلمون أن مجمع اللغة العربية في القاهرة قد قرر في آذار 2014 تعريب اسم الفيس بوك إلى «فُسْبُك» (على وزن فُعْلُل)، والفعل منه هو «فَسْبَكَ»، وعملية التواصل عبر التطبيق «فَسْبكة» واسم مستخدم التطبيق «الفُسبُكيّ» وجمعه «فسابكة»، أما «المُفسْبَك»: فهو المادة المنشورة عبر الفيس بوك…. الخ. إلا أن هذه الكلمات ماتت في أرضها لحسن الحظ.
كثيرون من عباقرة العالم أشادوا باللغة العربية وبقدراتها على الإحاطة بالمعاني بعمق ودقة ومرونة وشمول، والحق أن ما نفعله بلغتنا لا يسر إلا عدونا. صحيح أن استخدام اللهجة العامية أمر مبرر في الفنون الدرامية لأن لغة الشخصية جزء جوهري منها، لكننا بدأنا منذ سنوات نمارس الكتابة باللهجة العامية في مختلف مرافقنا، وغالباً ما تؤدي الصيغة المكتوبة بالعامية إلى معنى مريع بالفصحى!
ليست هناك إحصائية دقيقة لعدد مفردات اللغة العربية، لكن ثمة من يعتقد أن عدد كلماتها يتراوح بين اثني عشر وأربعة عشر مليون كلمة. ولن ندرك معنى هذا الرقم إلا إذا علمنا أن الناطقين بالإنكليزية احتفلوا عندما انتخب أوباما لأول مرة عام 2009 ببلوغ عدد مفردات اللغة الإنكليزية إلى مليون كلمة، وقد كانت الكلمة رقم مليون هي Obamania أي الهوس بأوباما.
أومن أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل بين البشر بل هي جوهر الهوية الوطنية والإنسانية، وأنها شعاع من روح يحفظ تراث الأفراد والمجتمعات ويقدمها لغيرهم من الأفراد والمجتمعات.
اللغة هي عماد الأمم، تقوى بقوتها وتضعف بضعفها وقد تزول بزوالها. وقد أكد هذا الشاعر والمفكر العربي الفلسطيني الكبير محمود درويش عندما قال:
«أعتقد أن اللغة هي هوية، لا بالمعنى الوطني أو القومي، وإنما هي هوية إنسانية، إننا لا نستطيع أن نُعَرِّف الوجود إلا إذا عثرنا على اللغة. اللغة تشير إلى الموجود، وحيث تكون اللغة يكون هناك تاريخ كما يقول هايدغر».
وقد أكد أجدادنا أهمية اللغة إذ وصفها العبقري مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون بأنها «الوسيلة التي تترجم ما في ضمائرنا من معانٍ وأنها مرآة للعقل تعكس ما يحتويه؛ فإن هي تصدعت وضعفت أوهنت الجهد، وحرمت الدقة، ومنعت تسامي العقل والقلب».