اقتصاد

نموذج اقتصادي جديد في سورية … خربطلي لـ«الوطن»: الاقتصاد السوري يملك جميع مقومات استعادة عافيته والأسعار ممكن أن تنخفض لكن بشروط

| هناء غانم

تحت عنوان إضاءات على الاقتصاد السوري قدّم الباحث الاقتصادي الدكتور عامر خربوطلي مدير غرفة تجارة دمشق العديد من العناوين التي اعتبرها الأساس للنهوض بالاقتصاد السوري وتجاوز تداعيات الأزمة وذلك خلال ندوة الثلاثاء الاقتصادي التي عقدت مؤخراً في المركز الثقافي بأبو رمانة مؤكداً أن الاقتصاد السوري متعدد الموارد والإمكانات ويملك جميع مقومات استعادة عافيته بعملية إصلاحية شاملة تعتمد المرور الانسيابي للمبادرة الفردية وإعطاء المهمة لمن ينجزها بأكبر قدر من الكفاءة والفاعلية.

وبيّن خربوطلي أن مساهمة الزراعة والصناعة والتجارة 19 بالمئة على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 12 مليار دولار وبمعدل تراجع 3.9 بالمئة عام 2020 وبنسبة تضخم 36 بالمئة، بعد أن كان نحو 80 مليار دولار عام 2010 وكان من المتوقع أن يتضاعف خلال السنوات العشر السابقة وذلك نتيجة تداعيات الأزمة التي مرّت بها سورية.

لكنه عاد وأكد أن الحديث عن معالجة الآثار الاقتصادية في سورية لمرحلة ما بعد الأزمة لا يمكن من دون اعتماد سياسات اقتصادية فعّالة تسهم في ردم فجوة التراجع الحاد في معدلات النمو الاقتصادي لجهة التراجع الحاد في قيم الإنتاج الصناعي والتبادل التجاري. وارتفاع تكاليف الشحن والنقل والتأمين والطاقة مما أدى لارتفاع تكاليف التصنيع والتصدير. إضافة للحصار الاقتصادي وغيرها.

مقترحات مرحلية

خربوطلي أكد لـ«الوطن» أنه خلال المحاضرة قدم جملة من المقترحات التي اعتبرها متناسبة مع مرحلة مابعد الأزمة لخلق نموذج اقتصادي جديد يضع الاقتصاد السوري في مرتبة الاقتصاديات الأكثر نمواً في المنطقة، تتمثل بداية بالاعتماد على الاستثمار الأمثل لرأس المال والتركيز على عوامل الريادة والتقانة وكفاءة التشغيل والأهم التشاركية بين القطاع العام والخاص كخيار إستراتيجي لاستثمار شركات ومصانع القطاع العام الصناعي، والتركيز على الشركات المساهمة والمشروعات الصغيرة لكونهما الأكثر ملاءمة في المجتمع السوري. مع التوجه إلى السياسات الزراعية لتحقيق منتج زراعي بشقيه النباتي والحيواني..

الباحث قدّم 25 بنداً لتحديات الاقتصاد السوري مع طرق حلها والبداية من ثلاثية الفقر والتضخم والبطالة ولتخفيف حدة ذلك أشار إلى أهمية تخفيض الضرائب لزيادة الإنفاق الاستهلاكي بهدف زيادة العملية الاستثمارية كون الضرائب أصبحت تشكل رقماً كبيراً في الدخل الفردي. والبدء الفوري بمشاريع البنية التحتية التي تستقطب الجزء الأكبر من العمالة من خلال مشاريع إستراتيجية عملاقة حتى ولو كانت عبر التمويل بالعجز. والتوجه نحو المشروعات المساهمة لاستقطاب اكتنازات الأفراد وتوجيهها نحو العرض الكلي وعدم بقائها مجمدة ومعطلة.

تضخم وركود

وأضاف إن تداعيات الأزمة بجميع مكوناتها أدت إلى حدوث حالة غير مسبوقة من التضخم الجارف نتيجة حدوث فجوة كبيرة بين الكتلتين النقدية والسلعية وأدت بدورها لموجات من ارتفاعات الأسعار بصورة يومية أحياناً.

إلى هنا يبدو الأمر واضحاً للجميع أما الأمر المستغرب فهو أن حالة التضخم لم تودِ إلى حالة من الطلب على السلع والخدمات وهذا ما يفسره حدوث (الركود مع التضخم) أي وجود متناقضين لا يوجدا عادةً مع بعضهما فحالة الانكماش والركود أدت إلى تراجع كبير في المبيعات. وهذا يتطلب ضبط الإنفاق العام وتقليص التمويل بالعجز وتنشيط المشروعات الصغيرة سريعة المردود لخلق منتجات جديدة ودخول جديدة.

توازن الدخل القومي

في الحالة السورية الحالية يرى الباحث أن هناك تراجعاً في الصادرات وزيادة في الواردات، أي عجز ميزان تجاري، وهذا ما يتطلب العمل على تحفيز الاستثمار الخاص وتخفيض العبء الضريبي. وزيادة الإنفاق الاستهلاكي. وزيادة الحصيلة الادخارية. والأهم تنشيط التصدير.

مؤشر أسعار

ويرى خربطلي أن هناك فجوة كبيرة بين الدخل والنفقات وهذا ما يتطلب اعتماد مؤشر رسمي لأسعار المستهلك يتم من خلاله رفع الأجور والرواتب بصورة شهرية حسب ارتفاعات الأسعار المتداولة من السلع والخدمات الأساسية، وخلق حالة من المنافسة الكاملة في الأسواق لتخفيض الأسعار عبر السماح بالدخول والخروج من الأسواق وتوفير معلوماتها والمنع الكامل للاحتكار وتشجيع الإنتاج المحلي وبدائل المستوردات. وتفعيل نظام السوق التوازني.

ويرى الباحث أنه لا معنى لأي سياسات اقتصادية أو مالية أو نقدية أو تجارية إذا لم تؤدِ في النهاية إلى تحقيق معدلات أعلى من الدخل الفردي الحقيقي، فالسياسات ليست مطلوبة لذاتها بل لهدف أكبر وهو تحسين مستويات المعيشة.

وتشير الدراسات حسب خربطلي إلى أن المحركات الذاتية للنمو الاقتصادي تستطيع تمويل نحو ثلث الفجوة التمويلية لإعادة الإعمار من خلال إعادة الاستثمار في رأس المال البشري والمحافظة عليه من الهجرة ومضاعفة إنتاجيته ورفع سوية مناخ الاستثمار المحلي مع الإدارة الجيدة لسعر الصرف.

ويرى أيضاً أن الأثر المضاعف على مستوى الاقتصاد السوري لم يكن واضحاً ويتطلب تنشيط آلية عمله حدوث تحسن في بيئة العمل الاقتصادي مع وجود فرص استثمارية واعدة وذات جدوى ستؤدي في سورية إلى حدوث استثمارات إضافية ستقود إلى سلسلة من الزيادات ستطول جميع أركان العمل الاقتصادي وستؤدي لزيادة الناتج المحلي الإجمالي والفردي وتحسن سريع في مستويات المعيشة وخلق فرص العمل وهنا يتحقق الأثر المضاعف.

وتحدث الباحث عن أزمة السياسة النقدية والمالية والتي انعكست سلباً وأدت إلى تراجع في القيمة الشرائية للعملة المحلية التي فقدت 28000 بالمئة من قيمتها قبل الأزمة.

تحسين السياسة النقدية

والمطلوب -حسب الباحث- أن تسهم السياسة النقدية في سورية في تحقيق نمو اقتصادي أفضل وتضخم أقل وتشغيل أعلى وأسعار صرف متوازنة ومستقرة وتوازن أكثر في الميزان التجاري والخدمي واحتياطي الذهب والقطع الأجنبي، وجميع هذه الأهداف تعني في النهاية زيادة في الدخل الفردي ومناخاً أفضل للعمل والاستثمار.

وأكد الباحث أنه لا يمكن فصل السياسة المالية عن أي عملية إصلاح اقتصادي مؤكداً أن السياسية المالية تمثل الشريان المالي لجسد الاقتصاد السوري، وتعتمد على تشجيع النشاطات المحلية لخلق قيم مضافة وأرباح تسهم في توسيع المطارح الضريبية لاحقاً وتسديد ما عليها من مستحقات عبر الضرائب المحلية.

عجز الميزان التجاري

وتطرق خربوطلي إلى العجز في الميزان التجاري الذي حل بالاقتصاد السوري نتيجة الأزمة بعد أن كان هذا الميزان في حال أقرب للتوازن وحقق في بعض السنوات قبل الأزمة فائضاً مشيراً إلى أنه لمعالجة هذا الخلل في الميزان التجاري ينبغي إعادة الاعتبار لقواعد الرسوم الجمركية في دعم الإنتاج المحلي والسماح بالاستيراد لكل ما هو مطلوب محلياً من خلال منظومة من الرسوم الجمركية المرشدة للسلع غير الضرورية. ودعم التصدير وتشجيع الإدخال المؤقت بقصد التصنيع وإعادة التصدير وركز الباحث على ضرورة إعادة تأهيل منشات القطاع العام وتنظيمها على أسس أكثر اقتصادية.

مع التأكيد على دعم وتمويل المشروعات المتناهية الصغر باعتبارها تشكل نحو 60 بالمئة من قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تشكل نحو 97 بالمئة من إجمالي القطاع الخاص السوري والذي يساهم بدوره بحوالي ثلثي الناتج المحلي السوري، وهذا يعني أن قطاع المشروعات المتناهية الصغر في حالة نجاح دعمه وتمويله سيسهم بحوالي 35 بالمئة من الناتج المحلي السوري وهي نسبة مهمة جداً.

معاملة ضريبية داعمة

واعتبر الباحث أنه رغم قدم الصناعة السورية سواء المملوكة للقطاع العام أو الخاص وعراقتها إلا أنها لم تستطع استكمال حلقة تطورها الأمر الذي يتطلب التركيز على الصناعات الخالقة للقيم المضافة والمعتمدة على المواد المحلية، وتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية والدخول بشراكات مع القطاع الخاص.

ومن جهة أخرى يرى الباحث أن قطاع الخدمات بجميع أشكاله من تجارة- شحن-نقل- ترويج- معارض- مصارف- تأمين- استشارات مازال ينظر له في سورية بأنه غير إنتاجي ولا يحظى بالدعم الكافي رغم أنه المكون الأساسي لأغلب اقتصاديات العالم المتطور ولا يمكن لقطاع الزراعة أو الصناعة النجاح من دون قطاع خدمات متطور وناجح، وهذا أحد أهم أسرار نجاح الدول المتقدمة.

وتحدث عن الاستثمارات وأهميتها والتي يفترض أن يسهم قانون الاستثمار الجديد في محاولة جذب الاستثمارات الخارجية المباشرة في ضوء الانفتاح الاقتصادي والسياسي المنتظر، لافتاً إلى أن الوضع الاقتصادي المحلي يشهد حالة غير مسبوقة من المشكلات والاختلالات ومن أهمها اتساع الفجوة بين تكاليف المعيشية والدخل الفردي والركود الجاثم على صدر الأسواق وصعوبات ممارسة الأعمال، والارتفاع الكبير للأسعار مع تراجع واضح في الإنتاج والإنتاجية، رغم ذلك كله هناك أمل في تحريك النشاط الاقتصادي..

وما يهمنا في سورية هو التأكيد على أن عدم وجود تشريع محدد في بعض الأحيان مثلاً أفضل من وجود تشريع معرقل أو قديم أو صعب التطبيق أو معقد ومكلف.

اقتصاد القلة

وحول السؤال الذي يطرحه الجميع ولو بصورة مختلفة أو معكوسة وهو لماذا ترتفع أسعار السلع والمواد والخدمات بهذه السرعة الصاروخية غير المتوقعة؟ وهل ذلك يتعلق فقط بأسعار الصرف أم إن هناك عوامل أخرى مباشرة وغير مباشرة أو مرئية وغير مرئية، موضحاً أن الإجابة الشافية الكافية ستكون من رحم التحليل الاقتصادي الكلي والجزئي ومن وحي السياسات والتوازنات الاقتصادية جازما بأن الأسعار في السوق السورية يمكن أن تنخفض ولكن بشروط أولها أن يتحول الاقتصاد من اقتصاد قلة إلى اقتصاد الوفرة. وإذا ازداد الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري، وأصبح يعمل بطاقات إنتاجية كاملة، وستنخفض الأسعار أيضاً إذا هدأت فورة الكتلة النقدية على حساب الناتج المحلي وانخفضت عجوزات الموازنة. وإذا ازدادت التنافسية والمنافسة في الأسواق عبر تحرير عوامل الإنتاج وتوافرت المواد والمستلزمات والسلع من مصادرها المحلية والمستوردة. وغيرها.

القدرات التنافسية

ويرى الباحث أن المنافسة تعتمد على ثلاثة عناصر الأسعار -الجودة- الإجراءات الحكومية والتي من خلالها يمكن الحكم على تنافسية السلع والخدمات المحلية مؤكداً ضرورة الاستفادة من جميع اتفاقيات التجارة الحرة الموقعة بين سورية ودول العالم وبخاصة مع الدول الصديقة وتقديم الدعم الفني لأصحاب الأعمال لتحديد السعر التوازني للسلع المنتجة والأهم التركيز على منتج عالي الجودة منافس ليصبح ملاصقاً لاسم منتج سوري.

وختم بأن القطاع التجاري والصناعي والخدمي لا يعمل حالياً بأحسن الأحوال بأكثر من 50 بالمئة من طاقته الإنتاجية، ومن المهم معالجة الصعوبات للعمل بالطاقة القصوى لأنها تحقق وفورات الحجم الكبير وتخفض الأسعار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن