ثقافة وفن

«في رواية أخرى» تجربة مسرحية يشترك فيها أكثر من جيل لتقديم الواقع … لوتس مسعود لـ«الوطن»: أهمية المسرح تكمن في أنه حمّال لأوجه ودلالات مختلفة

| مايا سلامي- تصوير مصطفى سالم

على خشبة مسرح الحمراء في دمشق انطلقت عروض مسرحية «في رواية أخرى» تأليف لوتس مسعود، إخراج كفاح الخوص، وبطولة: أمانة والي، وئام الخوص، مرح حجاز، نوار سعد الدين، سليمان رزق، علي إسماعيل، كفاح الخوص.

وتدور فكرة المسرحية حول الكاتب التلفزيوني السينمائي «جبران» المتعصب لآرائه وقناعته وصاحب أفكار تقليدية أكل عليها الدهر وشرب، حيث يرفض مواكبة روح العصر واهتمامات الجماهير الحالية فتكدس نصوصه وتموت شخصياتها بداخلها إلى أن تقرر النهوض من جديد لتواجه كاتبها وتختار رواية أخرى تلقى فيها المصير الذي تستحقه وتتمناه كل واحدة منهما.

وبأسلوب متقن ومثير تكاملت العناصر الفنية المكونة للعمل من إضاءة وديكورات وموسيقا تصويرية مميزة ألفها الموسيقار طاهر مامللي شكلت قيمة مضافة للعرض وأعطت المشهد المسرحي نكهة درامية خاصة، كما أبدع الفنانون بأداء شخصياتهم وجاء اختيار كل منهم في محله حيث أتقنوا أدوارهم بشكل لافت وحلقوا في عوالم شخصياتهم إلى درجة جعلت الحاضرين منسجمين ومتفاعلين معهم بكل عفوية وحب.

مسؤولية كبيرة

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» شبهت الكاتبة لوتس مسعود العرض المسرحي بلوحة فنان تشكيلي تترك للمتلقي حرية فهمها وبناء وجهات النظر حولها، مبينة أن أهمية المسرح تكمن في أنه حمّال لأوجه ودلالات مختلفة كما هو الحال في هذه المسرحية.

وعن سر شغفها بالمسرح أوضحت أن والدها الفنان غسان مسعود هو السبب الرئيس لأنه من زرع بداخلها الحب والانتماء لهذا المكان، وجعلها ترغب في التواجد فيه بشكل دائم بالرغم من الواقع الصعب الذي يعيشه المسرح السوري اليوم.

وبالحديث عن تجربتها المسرحية بعيداً عن مشاركة والدها، قالت: «التجربة المسرحية في غيابه كانت مسؤولية كبيرة ومهما ابتعدت عنه فإنني سأعود إليه في النهاية لأنه هو من عرفني على قيمة هذا المكان، وكانت مسؤوليتي كبيرة لتعاوني لأول مرة مع شخص لا أعرف آراءه ووجهات نظره وبالتالي تعلمت من هذه التجربة كيفية التعرف إلى آراء جديدة لا تشبهني وكيفية الاتفاق معها لنذهب إلى خيار يثري العرض».

وفيما يتعلق بوجود نخبة من الفنانين السوريين في مسرحياتها، أوضحت: «كل شخصية في نصوصي هي بطلة في مكانها وهذا ما شجع الفنانين على المشاركة إضافة إلى وجود مخرج يؤمنون به ويثقون بنظرته».

خارج الصندوق

وبين المخرج كفاح الخوص أن فكرة المسرحية كانت جاذبة وخارج الصندوق وتعكس رؤية جيل لوتس للأمور التي تجري حوله وهذا أبرز ما شدني إلى النص.

وأضاف: «وجودي في هذا العمل كمخرج وشخصية رئيسية حملني جهداً مضاعفاً لكن وجود هؤلاء الفنانين الرائعين من حولي أعطاني طاقة وجعلني حتى هذه اللحظة في حماس لإقامة عرض ثان».

وعن كيفية اختيار الممثلين أوضح أن كل شخصية جاءت في مكانها لأنني اخترتهم بحسب معرفتي بمهارة كل منهم، فالشباب هم طلابي والسيدة أمانة والي جمعني تعاون سابق معها وعندما كنت أقرأ النص تبادرت إلى ذهني أسماؤهم من تلقاء نفسها وبالتالي هم الذين فرضوا أنفسهم على العمل.

وفيما يتعلق بالتعاون مع شقيقته وئام الخوص، قال: «أنا ووئام نحب المسرح وكل حديثنا في المنزل يدور عنه ووجودها أثرى العمل وبأفكارها الخاصة أضافت الكثير لشخصيتها «شوشي» وهذا الشيء كان مريحاً جداً بالنسبة لي لأنني منذ البداية كنت ضامناً للنتيجة النهائية».

وأكد أن استمراره في العمل المسرحي لم يعد تحدياً بل بات منهج حياة فنحن مستمرون بالعمل فيه بالرغم من كل الصعوبات سواء الاقتصادية أم غيرها، فهذا المكان أصبح بالنسبة لنا بيتنا الذي نحنّ ونعود إليه مهما ابتعدنا عنه.

معنى الحياة

وقالت الفنانة وئام الخوص: «في هذه المسرحية جسدت دور الراقصة «شوشي» التي تعني الحياة، والكثير من الفنانين جسدوا معنى الحياة بالرقص مثل زوربا، ولم أتخوف منها لأنني ممثلة وموجودة على المسرح – الأرض الحرة – وعندي متعة كبيرة بذلك أحب أن أنقلها إلى الناس».

وأوضحت أنه في هذه المسرحية كان هناك أسلوبان من الأداء الأسلوب الواقعي الذي شاهدناه بشخصية «ديالا» و«المدام إيفون»، والأسلوب الخيالي اللامنطقي غير المرتبط بزمان ومكان كـ«شوشي» مثلاً.

وبينت أن ما يشجعها على الاستمرار في المسرح هو الشوق إلى هذه اللحظة الحرة لنقدم مشاعرنا أمام الأشخاص فأنا أدفع عمري من أجل هذه اللحظة.

فائدة فنية

وقالت الفنانة أمانة والي: «ما جذبني إلى هذه المسرحية بشكل أساسي هو العمل مع المخرج كفاح الخوص للمرة الثانية وخوض تجربة مع هؤلاء الشباب الجدد، فأنا أحب هذا التلاقح بين الأجيال ليؤدوا أعمالاً مشتركة ليس فقط بالتلفاز بل حتى في المسرح ليستفيد الجيلان من خبرات بعضهما فالتلفزيون لا يسمح بهذه الفرصة بشكل كبير كما يسمح بها المسرح».

وأكدت أن الغياب عن المسرح سببه اقتصادي بشكل أساسي فالشباب الجدد بحاجة إلى أن يحسنوا وضعهم في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم فيبحثون عن الفرصة التي تحقق لهم انتشاراً واسعاً.

وأضافت: «منذ تخرجي في المعهد حافظت على عملي بالمسرح بغض النظر عن المردود المادي لكن لا نستطيع إجبار الآخرين على ذلك فالكل يريد أن يعيش بالنهاية. ووجود شخص مثل الأستاذ كفاح، الناس تعرف إخلاصه للمسرح وطريقة عمله فيه تشجعني أنا وهؤلاء الشباب للمشاركة في مسرحياته ليحققوا فائدة فنية على الأقل».

تجربة رائعة

وأشارت الفنانة مرح حجاز إلى ما جذبها في شخصية «ديالا»، مبينة أنها شخصية من لحم ودم تشبه الكثير من الناس الذين نلقاهم في حياتنا اليومية ولا أعتقد أن هناك أحداً لم يمر أو يسمع بقصة تشبه قصتها.

وأكدت أن المخرج كفاح الخوص شريك مريح ومحب وداعم جداً لا يبخل علينا بأي شيء ومستعد للعطاء إلى أقصى الحدود والتجربة معه دائماً ما تكون رائعة وتغنينا بالكثير.

وأعربت عن نيتها في الاستمرار بالمسرح: إن شاء الله سأستمر لما فيه من متعة غير متوافرة بأي مكان آخر كالعلاقة المباشرة مع الجمهور، مشيرة إلى أن المسرح مظلوم في بلدنا وهناك شح في النصوص والعروض وبكل شيء يشجع الفنان على الوجود الدائم فيه.

أريحية ومتعة

وبين الفنان نوار سعد الدين أن النص وطريقة كتابة شخصية الدكتور سعيد التي أداها كانا أبرز ما شده إلى النص في البداية إضافة إلى ثقته بالأستاذ كفاح والنتائج التي من الممكن أن نخرج بها بالتعاون معه.

وأوضح أن واقع المسرح وشروطه صعبة جداً اليوم في سورية ولكن نحن خريجو هذا المسرح وسنعود إليه بين الحين والآخر حباً بهذا التعب وهذه النتائج والتجربة التي تعطينا أريحية ومتعة قد لا نجدها في الأنواع الأخرى.

عصف ذهني

وقال الفنان علي إسماعيل: «على مدى شهرين ونصف الشهر كنا كأسرة واحدة خلال التحضيرات وتدربنا بشكل يومي وتبادلنا الآراء كما قال لنا الأستاذ كفاح لنخلق عصفاً ذهنياً كفريق واحد لنجسد القصة ولنطور شخصياتنا ونضيف عليها لمستنا الخاصة».

وأضاف: «ما يدفعنا إلى الاستمرار في المسرح هو حبنا لهذا المكان وللأشخاص الموجودين فيه كالمخرج كفاح الخوص فالشعور جميل جداً عندما تمثلين مع أستاذك كزميل لك على الخشبة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن