انتقالات لاعبي السلة هذا الموسم بأرقام فلكية تحدث فوضى احترافية.. وما إمكانية الحلول في عيون مدربينا الوطنيين؟
| مهند الحسني
يبدو أن واقع السلة السورية بات لا يبشر بمستقبل جيد، وكلما ارتفعت حدة الانتقالات ضاق الأمل في إعادة سلتنا للسكة الصحيحة، فلم تكتف السلة السورية بالخسارات التي منيت بها منتخباتنا الوطنية حتى بدأت ترهقها مشكلة أكثر تتجلى بسوق الانتقالات الذي كشف عن صفقات خالية مع لاعبين باتوا في عداد المعتزلين، ومازالوا يفرضون أنفسهم على بعض الأندية بأرقام فلكية لا يمكن أن تتناسب مع الواقع، من دون أن يكون هناك أي حلول أو ضوابط تضع حداً لحالة الفوضى التي ستحدث شرخاً كبيراً في مفاصل سلتنا من الصعب رأبه في المدى المنظور.
فما سبب هذا الفلتان بتلك الصفقات والأرقام الخيالية؟ وأين دور القائمين على اللعبة في كبح جماح هذه الانتقالات؟
«الوطن» حيال هذه الفوضى استطلعت آراء بعض مدربينا الوطنيين عبر التحقيق التالي:
المدرب مأمون كيروان
(تخبط إداري ومالي)
إذا تكلمنا عن نظام الاحتراف، فهل يطبق بحذافيره طبعاً لا على صعيد الأندية والإدارات، ولا على صعيد اللاعبين، هناك مفهوم خاطئ جداً بهذا الأمر، دائماً نجد تخبطاً إدارياً في إدارات الأندية، فكل إدارة جديدة تريد أن تصنع إنجازاً من لا شيء، لكي يسمى هذا الإنجاز لها، لكن بعد فترة نشهد عجزاً مالياً كبيراً هنا وتخبطاً إدارياً هناك، تُدفع مبالغ كبيرة في صفقات الانتقالات من دون النظر إلى قواعد النادي والاهتمام بها، لأنهم يتجاهلون حقيقة أن هذه القواعد هي عصب الأندية والحجر الأساس لها.
لو وضعنا هذه المبالغ في مكانها الصحيح بعد فترة من الزمن فسوف يرى الجميع نتائج جيدة، فقط نحتاج إلى الصبر، وهذا ما يفتقده البعض، هناك عدد محدود من اللاعبين في جميع المراكز من مستوى جيد، هم قادرون على صناعة الفارق في أي ناد يلعبون معه، وإذا ما قارنا في السنوات ما قبل الأزمة نجد أنه كان هناك فائض كبير في اللاعبين ومستويات أفضل من الآن ولم نشهد هذه الصفقات الضخمة، السبب في هذا هو شح في وجود اللاعبين النجوم لذلك نرى هذا التخبط الإداري والمالي في الأندية..
البعض يتساءل هل هذه الأرقام المالية تتناسب مع مستوى وإمكانات اللاعبين في دوري ضعيف كهذا….؟!
الأرقام والإحصائيات هي من تحدد مستوى اللاعبين وبناء على ذلك يمكننا المقارنة هل يستحق اللاعب هذه الأرقام المالية؟ هل اللاعبون يراجعون أنفسهم بعد نهاية كل موسم عما فعلوه وقدموه؟ بماذا كانوا جيدين وما ينقصهم لكي يطوروا أنفسهم؟
بصراحة لا نرى هذه العقلية الاحترافية عند كل اللاعبين دائماً، اللاعب لدينا بمستوى متفاوت لأنه لا يوجد لاعب بخط ثابت، ولا نرى التدريبات الفردية التي تطور من مستوى اللاعبين كما نراها عند اللاعبين المحترفين الحقيقيين.
المدرب هيثم جميل (التضخم المالي)
عالم الاحتراف هو عالم المال، قد يكون مستغرباً للشارع السلوي الرياضي سماع أرقام بظاهرها خيالية، ولكن بحقيقة الأمر وضمن الحالة الاقتصادية السيئة التي نعيشها وهبوط الليرة السورية تحت وطأة التضخم المخيف، فإنها تعتبر مشابهة لما كان اللاعبون يتقاضونه في فترات الاستقرار المالي الاقتصادي، للأسف قيمة العملة انخفضت بشكل مخيف خلال الشهور السابقة، واللاعبون يريدون حماية أنفسهم من انخفاض قيمتها، ولكن.. وفي الجانب الآخر فإن الأندية ترزح تحت وطأة ضعف المدخول المادي وعدم تغير قيمة الاستثمارات بما يتناسب مع قيم التضخم المالي.. وهنا وقعت الأندية تحت رحمة الداعمين وشركات الرعاية والمتبرعين.. طموح جميع الأندية هو تحقيق أفضل النتائج، وهذا يستوجب التعاقد مع أفضل اللاعبين، وهنا مكمن المشكلة، كيف لنا أن نعالج طلبات اللاعبين المالية ضمن إمكانيات الأندية المتواضعة في ظل الوضع الاقتصادي المتردي.. أحجية من الصعب إيجاد حلٍّ لها، وذلك في ظل إقرار اتحاد السلة بوجود لاعبين محترفين أجانب من بداية الموسم رغبة منه في رفع المستوى الفني للعبة وجذب أكبر عدد ممكن من المتابعين وتنشيط اللعبة، وهذا يزيد من الأعباء المترتبة على الأندية.. لذلك إذا نظرنا بتجرد لهذه المعضلة نجد أن كل طرف لديه الحق بوجهة نظره.. اللاعبون يحتاجون إلى المال لكي يسدوا مصاريف وتكاليف حياتهم المرتفعة، إدارات أندية متعبة من ثقل الأعباء المادية لفريق الرجال حصراً وانحسار الاهتمام بباقي الفئات، اتحاد السلة يهدف إلى تحسين المستوى الفني، كان من المفترض أن تجتمع جميع الأندية ممثلة برؤسائها لوضع ضوابط مالية وحدود لمبالغ التعاقدات، وإن كان هذا الحل سوف يفشل مباشرة ويفتح سوقاً للتعاقد مع اللاعبين من خلال قنوات خاصة لا تمثل النادي مباشرة.. لو كان لدى الأندية نظام مالي حقيقي، لكان من الممكن ضبط عملية التعاقدات من خلال المتاح فعلياً من واردات الأندية الحقيقية.. لذلك سوف تبقى رياضتنا تعاني ما دام لا يوجد استقرار مالي، ولا يوجد واردات مالية حقيقية في الأندية.
بالوقت ذاته على الأندية وضع ضوابط وشروط فنية قاسية على اللاعبين لضمان جودة وارتقاء المستوى الفني للاعبين.
المدرب هلال الدجاني
(عدم التوازن والاستقرار)
منذ أربعة مواسم وتحديداً ورغم جميع المصاعب والأحداث التي حصلت وأدت إلى غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بشكل سريع جداً وبنسب عالية ما أدى إلى عدم توازن واستقرار للأسعار انعكس ذلك على الرياضة وأسعار وقيمة عقود اللاعبين بشكل كبير يفوق بمرات قدرة وإمكانات الأندية المادية بعد أن انخفضت عائدات الاستثمار لديها نتيجة التضخم الحاصل، فبعد أن كان النادي سابقاً ينجز عقوده مع كوادره حسب ميزانيته التي كانت ثابتة تقريباً ومستقرة ومعتمدة بشكل أساسي على استثماراته التي كانت تكفي بنسبة كبيرة لتغطية عقود اللاعبين ومصاريف النادي المختلفة، تغيرت تلك الآلية ولم تعد مناسبة أو كافية للتعاقد حسب الأسعار الجديدة، وأيضاً لم يعد من المنطق إبقاء رواتب اللاعبين حسب ما كان سابقاً وهو ما يستطيع النادي تأمينه من استثماراته، وهنا تغير كل شيء، الأندية لا تملك المال الكافي، ولكنها تريد أن تحظى بخدمات اللاعبين الكبار لتحصد البطولات واللاعبين ذوي المستويات العالية والأطوال الفارهة، فبدأ التنافس بين جميع الأندية على عدد قليل من اللاعبين، فقفزت أسعار هؤلاء اللاعبين بسبب ذلك بما يفوق مستويات اللاعبين، ورغم أن الأزمة المالية للأندية كان يجب أن تكون من نتائجها هو التقنين والتوفير، ولكن حصل العكس لعدة أسباب وهي:
أولاً – زادت جماهير الأندية وأصبحت تضغط على الإدارات لتحقيق الانتصارات تحت أي ظرف ومهما كانت الوسائل.
ثانياً – تعددت وسائل الإعلام والإعلاميين الذين يجيشون في هذا الاتجاه سواء للأندية أم المنتخبات بغض النظر عن صعوبة ذلك وما ينتج عنه من دفع وخاصة بالعملات الصعبة من دون أن تقدم تلك الوسائل أي دعم أو حتى تتعاون بطرح الحلول.
ثالثاً- وجود إدارات تحاول استغلال الظروف لتحقيق إنجازات تحسب لهم ولو على حساب الهدر أو نسف الأبجديات الرياضية.
رابعاً- حاجة اللاعبين لتحسين واقعهم ضمن تلك الأزمات المادية الكبيرة، فضغطوا بهذا الاتجاه على الإدارات التي أصبحت أمام واقع خسارة جهود سنوات أو تأمين المبالغ.
خامساً – عدم مواكبة قوانين الاحتراف لتلك الحالات وصعوبة إيجاد حلول تعدّل بين الأطراف المتعددة، وهنا ظهرت حالة جديدة وهي الدعم الخارجي من الأشخاص وليس الإعلان، وإنما من متبرعين من مشجعي النادي أو من رجال أعمال قريبين من الأندية باستطاعتهم الدفع ومواكبة الأسعار الحالية بالعملة المحلية، فقيمتها بالنسبة لهم عادية، فكان هذا الحل الذي قفز بالأسعار بشكل مضاعف، لذلك نتج ما نراه من ارتفاع كبير في سوق اللاعبين المحليين قد يكون ليس كبيراً إذا ما قارناه بالدول المجاورة، ولكنه كبير حسب مستوى المعيشة ودخل المواطن السوري.
علماً أن تلك الحالة لها انعكاسات ومحاذير وسلبيات منها عدم الاستقرار وتوقف الدعم فجأة ومزاجية جهات الدفع وربما تدخلاتها الفنية، لذلك أصبحنا نرى تبديلاً مستمراً للمدربين واللاعبين وطلبات بوجود كل أنواع اللاعبين من أجانب ومجنسين وبأعداد كبيرة لتحقيق الفوز بغض النظر عن الفوائد أو السلبيات.
إن تنظيم تلك الحالات وضبطها يجب أن يكون له المقام الأول من الدراسة من الجهات المختصة وإن وجود أندية خاصة جنباً إلى جنب مع الأندية الحالية بات مهماً لتوافر الإمكانات المادية بشكل منظم ومستمر وللحفاظ على مستوانا الرياضي بوجود شروط وإمكانات فنية ومادية عالية وقوية لم تعد الرياضة قادرة على التطور دونها ولتخفيف الضغط عن الميزانيات الحكومية، وأيضاً السعي الجدي لإيجاد رعاة اقتصاديين من الشركات الوطنية للأندية والاستفادة من الجماهير لزيادة مدخول الأندية وما يتبعه من عائدات نقل تلفزيوني تستفيد منه جميع الجهات وبما يسير بالأندية بطريق يؤدي لتطورها واستقرارها.
المدرب جورج شكر(غياب النجوم)
فرض دخول اللاعبين الأجانب إلى دوري كرة السلة في سورية واقعاً فنياً ومادياً وإدارياً مختلفاً، واختلفت الأندية في كيفية تعاطيها مع هذا الواقع، وفي حين أن أغلبها يعتمد على الداعمين أو المحبين وما قد يفرضونه من طلب للنتائج أو ضرورة ظهورهم…. وفي أحيان يتم عبر داعمين وبسخاء كبير، ولكنهم يبتعدون بعد فترة لا تطول لعدم معرفتهم بالأمور الفنية والإدارية للعبة لطالما كانت في واجهة رياضتنا.
ومع ارتفاع أرقام اللاعبين الأجانب الذين تتعاقد معهم الأندية وقلة عدد اللاعبين المحليين المؤثرين، أصبح من الطبيعي ارتفاع أرقام تعاقداتهم مع الأندية الراغبة بضمهم بغية المنافسة أو بالأحرى تحقيق الألقاب ولا شيء سواها، وأراه حقاً مشروعاً للاعبين في ظل عدم ظهور لاعبين جدد في أنديتنا والأهم ابتعاد الأندية وحتى الكبيرة والعريقة في كرة السلة عن الاهتمام بقواعدها ودعم ظهور لاعبين جدد ومنافسين للاعبي النخبة الذين يتنقلون بين من يدفع من الأندية أكثر.
أعتقد أن هذا المشهد في سلتنا سيستمر ما لم تدرك الأندية أن جزءاً لا يستهان من أزمتها المالية سيكون بحل فني يدفع بلاعبين جدد لواجهة سلتنا، وهو يصب حتى في مصلحة سلتنا ولاعبي النخبة، لأنه سيدخل في المنافسة الإيجابية وأنا أتحدث على الصعيد الفني.
على المقلب الآخر من الضروري على إدارات الأندية العمل على إيجاد مطارح استثمارية أكبر في منشآتها وهو ما يتيح لها مزيداً من الاستقلالية في قراراتها الفنية.
المدرب عبود شكور (تحديد مدة العقود)
ما نراه اليوم يحدث كل سنة عند توقيع عقود اللاعبين، لكن كل سنة الأرقام تصبح أكبر بسبب التضخم الحاصل في كل نواحي الحياة، الأمور ليست فوضوية، لكل لاعب الحق في البحث عن النادي الذي يوفر له الراحة فنياً ومادياً.. أنا لا أنكر أن المبالغ ضخمة وقد لا تتناسب مع إمكانيات اللاعبين، ولكن الرياضة في كل العالم أصبحت تعتمد على التمويل، ومن يمتلك التمويل الأكبر يستطيع بناء فريق جيد، الإمكانية الوحيدة للحد من هذا التضخم بالأسعار أن يقوم اتحاد السلة بتحديد مدة العقود بين اللاعبين والأندية ومقدار الزيادة السنوية.