قضايا وآراء

الحكومات.. ومواجهة تحديات الأمن الغذائي العربي

| الدكتور قحطان السيوفي

يعاني العالم أزمة غذاء عالمية شديدة، إذ تشير التوقعات إلى أن نحو 670 مليون شخص سيواجهون الجوع حتى 2030، وتؤدي الصدمات الناجمة عن تغير المناخ، وأزمة المياه، وفقدان التنوع البيولوجي، والعقوبات الظالمة التي تفرضها أميركا على بعض الدول كسورية، وغيرها من التحديات إلى ضعف الأمن الغذائي، وتدفع مزيداً من الناس إلى الجوع.

ويمكن القول إن النهج الحالي للحكومات للتصدي للأزمات الغذائية من خلال تدابير قصيرة الأجل، إلى جانب جهود بناء القدرة على الصمود، لا يكفي لمعالجة جميع العوامل الأساسية المسببة للأزمة.

ومن الأهمية بمكان إحداث تحول في الأنظمة الغذائية لتعزيز صحة البشر والاقتصادات وبناء القدرة على الصمود في مواجهة الأزمات.

تفاقمت التحديات التي يواجهها الناس في الدول النامية والفقيرة بسبب الحرب في أوكرانيا، فقد كانت روسيا وأوكرانيا توفران إمدادات الحبوب الحيوية للدول في أنحاء العالم، ولا تزال أزمة المناخ المستمرة تهدد الزراعة في هذه الدول، وتعني شدة موجات الجفاف والفيضانات أن 75 في المئة من السكان سيعانون قريباً الآثار السلبية لتغير المناخ، لقد أصبح الأمن الغذائي قي خطر.

وفي الدول النامية والفقيرة ومنها العديد من الدول العربية؛ هذه التحديات مدمرة، وخاصة إذا كانت مصادر سبل العيش تقتصر على الزراعة، ويتجاوز معدل الفقر 90 في المئة.

ووفقاً لـ«المعهد الدولي لبحوث السياسات الزراعية»، فإن أوكرانيا وروسيا تنتجان نحو ثلث القمح المتداول في الأسواق العالمية، وحوالي ربع الشعير في العالم.

وفي الدول التي تشهد حروباً، تتشابك تداعيات الحرب في أوكرانيا مع النزاعات المسلحة من جانب وموجات الجفاف من جانب آخر، مخلفة مجاعات وأزمات غذاء طاحنة في هذه الدول التي تعتمد على معونات الهيئات والمنظمات الدولية.

على الصعيد العربي؛ الأمن الغذائي العربي في خطر، وهناك مخاوف من «سيناريوهات قاتمة» مع تهديدات متوقعة للأمن الغذائي العربي، وقد طالت تداعيات الحرب الأوكرانية عدة دول وتسبب بأزمات اقتصادية وارتفاع أسعار ومجاعات، ما يدعو إلى دق ناقوس الخطر بشأن تحديات للأمن الغذائي العربي!

الواقع أن جهود الدول العربية لتحقيق الأمن الغذائي العربي «متواضعة للغاية» لذلك فإن عددا من الدول العربية تقف على أبواب أزمة غذائية وتحتاج لاستيراد كميات كبيرة من الحبوب والمواد الغذائية، ووفقاً للخبير الاقتصادي ومستشار المركز العربي للدراسات أبو بكر الديب فإن أغلبية الدول العربية غير النفطية، مهددة بخطر نقص الغذاء خلال السنوات القادمة، وهذه الدول تحصل على 60 بالمئة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.

بحسب مؤشر الأمن الغذائي العالمي، يتعرض مئات الآلاف في الصومال واليمن وجنوب السودان لظروف المجاعة، وترى أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة غادة موسى، أن الحرب الروسية الأوكرانية ليست «السبب الأوحد في موجات أزمات الغذاء التي تمر بها بعض الدول العربية لأن الأزمة ممتدة منذ سنوات، معتبرة أن «الحرب فاقمت الأزمة من جانب، وكشفت عن خلل هيكلي في سياسات الغذاء في بعض هذه الدول».

في اليمن، أدت حرب أهلية طويلة إلى «ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وتسببت في أزمة جوع واسعة النطاق، كما أن مصر تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم وكانت تستورد من موسكو وكييف أكثر من 80 في المئة من واردات القمح قبل الحرب.

ويعد الخبز العمود الفقري للنظام الغذائي المصري، وتقدم الحكومة الخبر المدعم لأكثر من 70 مليون من سكان مصر.

حذرت صحيفة «وول ستريت جورنال»، من تداعيات أزمة الخبز في مصر، وأن احتمال حدوث نقص في الخبز، يعد بين التحديات الأمنية الأكثر إلحاحاً التي تواجهها الدولة المصرية منذ عام 2013.

واتخذت مصر خطوات استباقية لمواجهة أي تهديد لأمنها الغذائي، من خلال التوسع الرأسي والأفقي في الزراعة، وإعادة النظر في توسيع الرقعة الزراعية للقمح خلال السنوات القادمة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي لدولة تستورد نحو 6 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي من القمح.

أما تونس فتحصل على 60 بالمئة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا وتواجه معضلة اقتصادية حادة، وأزمة مالية، وتسببت حرب أوكرانيا في زيادة أسعار الوقود والغذاء، ما أدى إلى تفاقم الضغوط المالية على المواطن.

وتعاني تونس من مشكلات مشابهة لمصر فيما يتعلق بنقص الحبوب والاعتماد على رغيف الخبر، الذي يمثل المصدر الأول للغذاء للشعب التونسي.

أعرض هنا إلى بعض الأفكار التي تساعد الحكومات العربية وغيرها لمواجهة تحديات الأمن الغذائي والتصدي لحالات الطوارئ الناجمة عن انعدام الأمن الغذائي:

من الضرورة أن تساعد الحكومات الأفراد على زيادة قدرتهم على الصمود لتجنب حالات الطوارئ المستقبلية في إطار عملية التنمية، ولا شك أن الجهود الحكومية وبرامجها قامت بدور مهم في التصدي لحالات الطوارئ، التي تضرب الدول النامية والفقيرة على مدى عقود، لكنها لم تحد كثيراً من الأخطار على المدى الطويل، لأنها يجب أن تتبنى الاعتماد على الذات.

الحاجة إلى مبادرات تتصدى للتحديات الملحة التي يواجهها الناس من جراء الكوارث الطبيعية، فضلا عن الاستعداد لها بشكل أفضل لمواجهة الصدمات المستقبلية، وبما يدعم سبل كسب العيش والقدرة على الصمود.

من الضروري أن تعمل الحكومات على تحسين البنية التحتية وسبل كسب العيش وتعزيز أجهزة الحكم المحلي، والتركيز بشكل أساس على الشباب والنساء، لبناء نهج طويل الأجل ومتكامل لمساعدة الناس على الانتقال إلى التنمية المستدامة.

من المهم جداً اتباع نهج متعدد الجوانب إزاء تحديات الأمن الغذائي، يدعم الإنتاج والمنتجين، وزيادة معدلات التجارة في مستلزمات صناعة الغذاء والزراعة، ومساعدة الأسر الأكثر احتياجاً، والاستثمار في صناعة الأغذية وتعزيز التغذية، والتصدي لحالات الطوارئ المرتبطة بالأغذية.

إن العمل على إيجاد حلول مستدامة لتجنب حالات طوارئ في المستقبل يفرض على الحكومات ضمان حصول الناس على ما يكفي من الغذاء اليومي، فضلاً عن اكتساب المهارات والحصول على المعدات اللازمة للتوسع في الزراعة بما يتجاوز حد الكفاف.

ختاماً من الضروري والمهم أن تشجع الحكومات مشاريع التصدي لأزمة الغذاء للمزارعين لتشجيعهم على زيادة إنتاج الأغذية، فضلاً عن تحسين قدرة المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والأسر التي تواجه انعدام الأمن الغذائي على الصمود من خلال توفير المستلزمات والخدمات الزراعية، بما في ذلك المحاصيل والثروة الحيوانية ومعدات التصنيع وخدمات الإرشاد والتدريب، ومساعدتهم على زيادة إنتاج محاصيلهم الزراعية وزيادة الغلة وتجنب الصدمات الغذائية في المستقبل، بما يضمن تأمين المتطلبات الغذائية للمواطنين.

أرجو أن تساهم هذه الأفكار المسؤولين في الحكومة السورية في مواجهة تحديات الأمن الغذائي في وطننا الحبيب سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن