ثقافة وفن

المعرض الجماعي الرابع لـ«باريوتا» في صالة زوايا … لكل فنان بيئته الخاصة وثقافته وأفكاره التي جسدها في لوحاته ليتيحوا للزائر التنوع والغنى

| مصعب أيوب

في أحيان كثيرة يكون للعرض الجماعي إيجابيات كثيرة، فهو قادر على إغناء أي تجربة فنية بحيث تكثر النقاشات والحوارات ويفسح المجال للأسئلة والأجوبة والتفكير والتحليل، وفي ضوء ذلك أقام فنانو مجموعة باريوتا مساء أمس السبت معرضهم الفني الرابع في صالة زوايا للفن التشكيلي بدمشق، ولأن الفن يمكنه أن يصنع واقعاً أفضل وحياة أجمل فقد قرر أصحاب هذه المجموعة إطلاق اسم باريوتا عليها وهي تعني الإبداع في الآرامية وتضم كلاً من الفنانين: (بشير بدوي، جان حنا، جمعة نزهان، رنا عثمان، غسان عكل، فارتيكس برصوميان، نعمت بدوي، نهى جبارة، هوري سالكوجيان) فكانت أعمال المعرض الفنية تعج بالجمال والأمل الذي ينبعث من داخلها وسط عتمة ما يدور حولنا.

هوية الفنان

من جانبه الفنان جمعة نزهان الذي يعتبر أن اللوحة لا بد لها من أن تخبر عما يجول في نفس صاحبها ويصر على أن تشع لوحاته نوراً وأملاً وجمالاً، أكد أن وجود مجموعة من الفنانين مع بعضهم بعضاً حالة صحية جيدة وإيجابية ولاسيما أن لكل أسلوبه المتميز ومنهجيته الخاصة ويحمل في لوحاته روح المكان الذي جاء منه، وينقل ثقافته وهو ما يعود بالنفع الحقيقي على الفنان المشارك وحتى على المتذوق والزائر، فمثلاً في حال كان المعرض فردياً ربما تكون اللوحات متقاربة بعض الشيء وتحمل الرسالة ذاتها، وهو ما يخلق بعض الملل والنفور عند الزائر بعد مشاهدة عدد قليل من اللوحات، على حين أن وجود مشاركين من أعمار مختلفة وبيئات متنوعة يحفز لدى الجمهور حب المقارنة أو التمييز والتفضيل.

وعن الأعمال التي قدمها ابن مدينة دير الزور يضيف: أنا شاركت بأربع لوحات وفيها شيء قريب من الواقعية سميته عازف الناي مع عدد من الفتيات التي تصطف في حالة رقصة شعبية استوحيتها من باديتنا، إضافة إلى أن بعض اللوحات أنجزتها منطلقاً من رموز توحي بالبيوت والحارة الشعبية وشرفات المنازل والنوافذ المغلقة على قصص كثيرة أو المفتوحة لدخول النور والأمل.

كما بين أن إحدى لوحاته ذات الحجم الكبير التي استوحاها أيضاً من بيئة الفرات وعكس من خلالها سطوع الشمس القوي الذي يعكس ألوان الطبيعة في صورة مشعة، وقال: حاولت أن أسكب المخزون البصري الذي أمتلكه على سطح اللوحة، وأنا أسعى دائماً إلى ترسيخ مبدأ أن على الفنان أن يحمل هوية بيئته إن كان ابن الجبل أو النهر أو المدينة أو الريف وغير ذلك ولا بد له من أن يخلق تكويناته ورموزه ويعيد صياغتها من جديد تماماً كما فعل الإنسان الأول بخلق حضارة عظيمة.

زيتي على القماش

الفنان بشير بدوي الذي شارك في عمل واحد فقط من الحجم الكبير وهي لوحة زيتية رسمها على القماش رسم فيها موضوعاً مستوحى من الرقص والموسيقا، ولعل حبه للمرح والموسيقا هو ما أملى عليه تجسيد ذلك في لوحة فنية كبيرة من خلال تصوير حركة أيدي الإنسان وتعابير وجهه والعواطف الداخلية التي تظهر للمتلقي، فإن لكل حركة أو فعل مسبب ما يوحي بشيء ما بعيداً عن العشوائية.

وقد بين بدوي أنه تفرغ للعمل الفني وترميم اللوحات منذ سن صغيرة مشيراً إلى أن باريوتا تتضمن اختلافات كثيرة في الأعمار والثقافة والفكر والأسلوب.

كما أوضح أنه يهتم كثيراً بسطح اللوحة والتقنية في حركة جمالية داخلية فيها ارتقاء مع الموسيقا لأن منبع الإبداع هو الإحساس الداخلي، وهو يعتبر في لوحته أن الجناح ربما يرمز للتحليق، على حين أنه قد يرمز أيضاً إلى الانكسار والحزن إذا كان مكسوراً، فكل قارئ للوحة الفنية يفسرها بحسب خبرته التراكمية في الميدان التشكيلي، ويصنف عمله بالواقعي والتعبيري، ولكن حسبما يتلقاه المشاهد بما يرتبط بعالمه الداخلي وربما يجد ما لا يجده الفنان أساساً.

طموح وأحلام

استهلت الفنانة نهى جبارة حديثها قائلة: جمعتنا المحبة والمودة وآمل ألا تنقطع أواصرها، وتابعت: شاركت بعملين كبيرين إضافة إلى 6 أعمال صغيرة، وأعمالي هي من ألوان الأكرليك وتتكلم إحدى اللوحات الكبيرة عن دورة الحياة وأنا أصفها بقصة أو رواية شكلتها بطريقتي الخاصة وبنيتها بشخوص أساسيين وأحداث الرواية تتداخل فيها بمر الأيام وحلوها في خلفية اللوحة سواءً كانت باللون الغامق الذي يتكلم عن أحداث معينة وأشخاص أم الفاتح الذي نتكلم فيه عن أشخاص في حالة تأمل أو صلاة أو بحالة ملائكية أو الأم الحانية على أطفالها، وتنتهي الرواية بشخوص أساسيين بعد أن سردت حكايات أناس مروا وتركوا أثراً بعد أن غادروا أو أشخاص موجودين إلى الآن، وأنا أقدمها من خلال نافذة داخلية أفتحها لأنير العتم بداخلي أو أبقيها مغلقة معتمة.

وتعتبر جبارة أن اللوحة لا بد لها من أن تحوي كل مكنونات الفنان، ومن الضروري أن تنقل للناس كل ما يريده ودليل ذلك فإن الكثير من لوحاتها تحمل عدداً من التجارب التي مرت بها وساتوحت موضوعاتها من حياتها اليومية، فهي ترمي إلى توثيق مرحلة ما.

وعن اللوحة الكبيرة الثانية تخبر جبارة «الوطن» بأنها استوحتها من حبها للأشياء القديمة ولاسيما الأثاث المنزلي الذي منه أبواب البيوت القديمة المصنوعة من الخشب وصمم بوسطها فتحة صغيرة لمعرفة من يقف خلف الباب، بحيث رسمت تفاصيل الخشب وتقاطيعه أشكالاً معينة بطريقة أو بأخرى لأشخاص ووجوه تعتقد جبارة أنهم مروا ذات يوم من هذا الباب، وبينت أن هذه الوجوه التي ارتسمت على خشب الباب تعكس آمال وآلام من مروا به، إذ إنه كان ذات يوم مكاناً يحتمى به، ومنه عبروا نحو أحلامهم وطموحهم.

ثيمة خاصة

الفنان غسان عكل كان مشاركاً في المعرض بواقع أربع لوحات كبيرة وعشر لوحات من الحجم الصغير ويعدها مشروعاً متكاملاً كان من المقرر لها أن تعرض ضمن معرض فردي، ولكن لسبب ما قررت أن أعرضها ضمن معرض جماعي فيه الكثير من الحوارية والجدلية والجمالية، وفيه يمكن أن تميز هذه اللوحات عن غيرها، وأفاد أنه استوحى لوحاته من قصيدة المومس العمياء للشاعر العراقي بدر شاكر السياب وهي تعبر عن حالات المرأة ورغباتها ومتطلباتها وما تحب وما تكره وكيف تفكر، وما طريقة تعاطيها مع الأمثال الشعبية والخرافة وما إلى ذلك، وعن الحرف العربي الذي تخلل لوحاته يضيف عكل: الكتابات بخط النسخ العربي هي ثيمة تخصني وأنا أعتمدها في لوحاتي وهي ما تميز لوحاتي ولاسيما أن الخط يعني التراث والحضارة في ظل وجود فن التصوير، وأعتقد أنني الوحيد الذي استطاع أن يقدم ذلك.

كما أفاد أعضاء المجموعة أن صديقهم جان حنا قد اعتذر عن المعرض لعارض صحي بعد إجراء عمل جراحي، ويذكر أن المعرض مستمر لمدة عشرة أيام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن