ليس غريباً أن أخجل من ابني لأنني لم أستطع تأمين أبسط متطلبات الشباب هذه الأيام، بل أعترف أنني لا أستطيع شراء ملابس جديدة له لأسباب قاهرة!
أخجل من زوجتي لأنني غير قادر على تقديم وردة واحدة لها بمناسبة مرور عام جديد من زواجنا الصامد، أو في عيد الحب، وأنا أحب الورد لكني أحب الخبز أكثر.. وأخجل من أخي العائد من الغربة بعد عشرين عاماً لأنني لا أستطيع دعوته إلى طعام الغداء أو العشاء، واكتفيت بتقديم طبق من البطيخ الأحمر!
خجلت من جاري الذي قال إنه يعزم نفسه على فنجان قهوة عندي، فقدمت له كأساً من الشاي السادة خالي الدسم، وتذكرت أغنية شادية التي تقول فيها: يجي أبويا يعوز فنجان قهوة أعمله شاي واسقيه لأمي، وللتذكير أصبح سعر كيلو البن مئة وخمسين ألف ليرة وهو رقم يقترب كثيراً من راتبي التقاعدي.
خجلت من صديق عتيق دعاني إلى أحد مقاهي العاصمة لنقتل الوقت بلعب طاولة الزهر«النرد» لأن سيارتي المصونة تنتظر رسالة البنزين، والذهاب إلى المقهى والعودة منه يحتاج في سيارات الأجرة ما يعادل أربعين ألف ليرة.
وخجلت من نفسي لأنني غير قادر على زيارة ساحلنا الجميل ويلزمني لذلك نحو عشرين ضعف راتبي المحدود والمهدود، وسأكتفي بمشاهدة البحر عبر الشاشة الصغيرة والاستماع إلى أغنية «أنا بعشق البحر» للمطربة نجاة، أو أغنية «يا بحر يا دوار» للراحل فؤاد غازي.
خجلت وأخجل كثيراً لأنني من شعب خجول بطبعه، وأغلب الظن أن حكومتنا الموقرة لا تشذ عن هذه القاعدة، فهي تخجل من:
• تقنين الكهرباء وخاصة عندما ترتفع الحرارة في الصيف وتنخفض في الشتاء، وهي تتمنى من كل قلبها أن تنير قلوب السوريين بالإيمان بانتظار الحلول من رب السماء لأزمة الكهرباء.
• رفع سعر المحروقات لكنها تعرف أن شعبنا الخجول سيتفهم مبرراتها «الصميدعية» ويقتنع بأن المحروقات تحرق الأعصاب والحكومة حريصة على سلامة أعصابنا وعقولنا ونحن لا نمتلك مساحة كافية لتوسيع العصفورية!
• من مسايرة كبار التجار وتمرير لوائح الأسعار الجديدة للمواد الغذائية التي كانت ضرورية مثل الرز والسكر والزيوت بأنواعها بما فيها زيت المحركات، وإذا رغبتم في معرفة قائمة الأسعار فسأقدم لكم لمحة فقط: سعر كيلو الرز الإسباني «سيدي هشام» 35 ألف ليرة، وسعر لتر الزيت النباتي 27 ألف ليرة، وسعر ربطة الخبز من الباعة الموجودين حول المخابز يتراوح بين ثلاثة آلاف وثلاثة آلاف وخمسمئة ليرة.
باختصار شديد تخجل الحكومة من اتخاذها قرارات وإجراءات «غير شعبية» فهي إنما تفعل كل ذلك من أجل جميع السوريين وكي يصل الدعم لمن يستحقه!
عفواً: في هذه اللحظة بالذات سمعت صوتاً يقول لي إنني غلطان، وإن كل كلامي السابق بحاجة إلى ممحاة وفوراً قبل أن يقع الفأس في الرأس.
ذهبت فوراً إلى دكان القرطاسية وطلبت منه ممحاة وبسرعة، فناولني ممحاة صغيرة حلوة المنظر وطلب ثمنها خمسة آلاف ليرة عداً ونقداً! فتصوروا كم تصل أسعار الدفاتر والأقلام والأدوات المدرسية.
ويا سادتي.. اطلبوا العلم ولو في الصين، يمكن الأسعار هناك أرخص، وسامحونا!.