كلام في الهجرة إلى الوطن!
| عصام داري
أتوه أحياناً بين الحروف والكلمات، لأن الكتابة ليست تسلية وعبثاً وعزفاً على أوتار الأبجدية، بل هي ترجمة مقروءة لعواطف وأحاسيس ومشاعر الكاتب والقارئ في آن واحد، وهي محاولة لنقل معاناة الناس من أضيق الزوايا، إلى أوسع مساحات الرأي العام.
والكتابة الأدبية تشبه الفن التشكيلي لأنك تجمع الحرف إلى جانب أخيه لتكون كلمة فجملة ومن ثم تكتمل الرواية، وهي قصة الإنسان على الأرض وحياته، معاناته وأيام فرحه، الحب الساكن في أعماقه إلى الكراهية والأحقاد وبقية المشاعر الإنسانية، لكن بأسلوب جذاب وصياغة تحمل بعضاً من سحر وخيال وتشويق.
كل هذا وغيره كثير يجعل الكتابة مغامرة غير مأمونة العواقب، وقد تحمل صاحب القلم إلى ذرا المجد، أو قد تلقي به في الدرك الأسفل، وأنا بطبعي أقتنع بخير الأمور، وأعبر دائماً عن سعادتي بكل كلمة إعجاب تأتيني من قارئة أو قارئ، وأشعر بفرح طفولي كلما وردني تعليق إيجابي أو حتى سلبي على فكرة أو زاوية، أو موقف من قضية إنسانية أو وطنية و.. فنية كذلك.
لعل هذه الأمور مجتمعة تجعل أي كاتب أو صحفي يشعر بالحيرة عندما يهم في الكتابة، ويضغط عليه القراء من حيث لا يدرون، لأن من يكتب يخف من هؤلاء القراء، ويخشَ أن يتراجع عطاؤه، وترتبك عباراته، وتتفكك جمله، ويعجز عن إيصال فكرته للمتلقي، وهذا ما جعلني اليوم أبدأ زاويتي هذه بعبارة التوهان بين الحروف والكلمات والأبجدية.
واختيار الموضوع واختيار الفكرة وانتقاء الكلمة المناسبة هي المعاناة الحقيقية، فليس من السهل أن تكون جذاباً في عباراتك وكلماتك والموضوعات التي تهم الناس الذين يعرفونك أو يقرؤون ما تكتب، وكسب القارئ يبدو سهلاً نسبياً، لكن المحافظة عليه المرة تلو المرة تلك هي المعضلة.
أروع إحساس يلامس نفس وروح وعقل الكاتب هو عندما يتلقى التشجيع والثناء من القراء أنفسهم، وكذلك عندما ينضم قراء جدد إلى قائمة المعجبين بالكتابات التي ينشرها.
بعد كل هذه الفلسفة المملة التي أردت أن أعبر فيها عما أشعر به وأنا في طور الكتابة، أرغب في تجديد بعض أفكاري القديمة والجديدة كي لا تكون زاويتي هذا الأسبوع مجرد عبور ليس له فائدة.
فأنا أدعو في كل ما أكتبه إلى الهجرة من الحقد إلى التسامح، ومن الكراهية إلى الحب، ومن التطرف إلى الانفتاح والوسطية، فأحياناً يكون التطرف حتى إلى الجمال مضراً وسيئاً وقد يصيب بعض الناس بالغرور والتكبر والاختيال المبالغ فيه وفي غير مكانه.
فالعالم واسع، والخيارات كثيرة، واختيار درب الحب أسهل من صنع الكراهية والبغضاء، ودرب المحبة معبّد بالأحاسيس والمشاعر الإنسانية الخلّاقة، بعكس دهاليز الحقد المزروعة بالأشواك والحجارة والألغام.
ربما أعزف دائماً على وتر التفاؤل، لكنني لن أغير نغماتي، أو أخرج من ذاتي، فأنا لا أحب الهجرة من الذات، ولا الهجرة من الوطن، في كلتا الهجرتين يسكن موت مبطن وحنين جارف ومعاناة لا حدود لها.