ثقافة وفن

رسالة من والدة ألبير كامو إلى ميشيل أونفري … أونفري: نحن السبب في الإرهاب وليس الإسلام  .. نرتكب المجازر في بلدانهم ونطلب أن يكونوا طيبين!!

| مها محفوض محمد

ميشيل أونفري فيلسوف فرنسا المعاصر يطغى اسمه اليوم في المشهد الثقافي الفرنسي ليغدو الأكثر شهرة، هو من تيار اليسار المعادي لليبرالية يدعو لأن تكون الفلسفة لعامة الناس وألا تبقى حكرا على النخب وبناء على ذلك أسس ما سماه «جامعة شعبية» في أربع مدن فرنسية تحت شعار الفلسفة للجميع، عرف بغزارة إنتاجه وتجاوزت مؤلفاته السبعين كتابا رغم أنه لم يتجاوز العقد الخامس من عمره (56 عاماً) وهو واحد من الفلاسفة القلائل الذين سجلت إصداراتهم أفضل المبيعات عالميا وترجمت إلى عشرين لغة ما عدا العربية فهو غير معروف كثيراً في العالم العربي.
يعد أونفري امتدادا لكبار الفلاسفة أعاد قراءة تاريخ الفلسفة في مؤلف «تاريخ مضاد للفلسفة» من أربعة أجزاء وهو من مدرسة نيتشه (يربط بين الفلسفة والجسد) انتقد فرويد وطالب بتحليل نفسي مغاير لتحليل فرويد، يرى أونفري أن غاية الفلسفة الوصول إلى السعادة عبر المتعة الفكرية والحسية ويعرف بفيلسوف اللذة يدعو كثيراً إلى معاداة الرأسمالية والتآخي الإنساني والقضاء على التمايز الطبقي والعرقي وهو من أكثر المفكرين قرباً من الطبقات الشعبية الفرنسية.

بعد أحداث شارلي ايبدو صرح أونفري في مقابلاته الإعلامية وهي كثيرة: يجب أن نعترف أن الفرنسيين عنصريون حيال هذه الحادثة لماذا لم تطلب الحكومة الفرنسية من الصحافة التوقف عن الإساءة إلى رسول الإسلام في حين قالت للرسامين ذاتهم حين رسموا شعار اليهود هذا فعل مخجل عليكم الاعتذار لإسرائيل، لماذا المسلمون فقط وعندما يتعلق الأمر باليهود نصبح معادين للسامية بهذه الطريقة سنكون شعبا منافقا.
كما أنه بعد تفجيرات 13 تشرين الثاني في باريس قال أونفري: نحن السبب في الإرهاب وليس الإسلام نقوم بارتكاب المجازر في بلدانهم ونطلب منهم أن يكونوا طيبين في بلادنا إن اليمين واليسار اللذين قاما بالحرب ضد الإسلام السياسي دولياً يحصدان حرب الإسلام السياسي وطنيا.
ولطالما كان لأعمال الإرهاب الأخيرة في باريس وقعها الكبير على الكتاب والأدباء فقد أصدروا الكثير من المقالات والدوريات الخاصة بهذا الحدث حتى إن أحدهم ذهب يستنهض من في القبور من شخصيات أدبية ورجالات القلم ليعبروا عن مشاعرهم إزاء الحدث وتخيل أن هؤلاء عادوا إلى الحياة ليوجهوا رسائل إلى الذين يصنعون الحدث اليوم، ومن بين تلك الرسائل رسالة وجهتها والدة الفيلسوف ألبير كامو إلى ميشيل أونفري تقول فيها:
عزيزي ميشيل أرسل لك رسالتي هذه من العالم الآخر علك تقرأها إذا توافر لديك الوقت ولم أكتبها بنفسي لأني لم أتعلم القراءة والكتابة يوماً لكن بما أني أنجبت ولدا قدر له الفوز بجائزة نوبل للآداب فإن علي أن أملي هذه الكلمات التي لك أن تقرأها وتحكم عليها.
أتوجه إليك لعدة أسباب أولها: إنك كنت دوما تبدي إعجابك الكبير والتقدير لولدي ألبير ولأنك أصدرت كتابا فيه الكثير من المديح له (من بين مؤلفات أونفري كتاب «حياة كامو الفلسفية») ووصلني أنك في أحد المؤتمرات يوماً قلت: «كما كان ألبير كامو رجلا مثاليا فهو فيلسوف ومفكر مثالي أيضاً» وهنا أصبت الحقيقة بعينها، أشكر لك هذا العرفان أيضاً أتوجه إليك لأنك غدوت مثله فيلسوفا شهيرا ورمزا لك تأثيرك في جيل الشباب ذلك لأنك رجل حر مثله ولأنه مثلك كثيراً ما تحدث عن وحشية الإرهاب ففي يوم تسلمه جائزة نوبل قال في خطابه: «كنت دوما أدين الرعب ويجب علي أن أدين إرهابا يمارس بشكل أعمى في شوارع الجزائر والذي يمكن أن يضرب يوماً أمي وعائلتي، أنا أؤمن بالعدالة والدفاع عنها لكني أدافع عن أمي قبل العدالة».
فكما ترى هو ولد صالح بقدر ما هو رجل مستقيم وفي تلك المرحلة تعلمون جيداً أن إرهابا أعمى ضرب أرض الجزائر حيث كنت أعيش وحيث ترعرع ولدي الذي أحب الجزائر بشغف كما أحب السلام بين الناس فكان يتأثر كثيراً ويكتئب حين تنفجر القنابل ويسيل دم الأبرياء ويشعر بحزن بالغ لمقتل أي شخص، ألبير كان يفكر أنه لا شيء في هذا العالم يبرر رمي القنابل على القطارات أو على أرصفة المقاهي أو في قاعات الموسيقا وكان يقول لي: «التضامن الوحيد الذي لا يقبل الجدل هو تضامن الناس ضد الإجرام الذي يتسبب بالموت»، وأعتقد أنه كتب أشياء مشابهة في كتبه كما كان يكره الظلم وأعمال القتل الوحشية والاستهانة بالحياة الإنسانية كان سيغرق في حزن عميق من رؤية ما يرتكبه داعش اليوم ولم يكن ليقبل ما تقدمه الصحف من بروباغندا لهذه الجماعات.
لقد كان تاريخ 13 تشرين الثاني حتى بعد رحيلي إلى العالم الآخر ذكرى رائعة لي فهو يوم زواجي إلى أن جاء عام 2015 فتحول إلى ذكرى حزينة وقلت في نفسي إنه من بين ضحايا باتكلان هناك قراء لأعمالك كما هم قراء لولدي ومعجبون بأفكارك بل ربما كانوا صبايا يحلمن بك وأعتقد لو أن ألبير مكانك الآن لكانت كلماته وأفكاره الأولى توجهت إلى الضحايا وعائلاتهم وأصدقائهم ومع أنك تحدثت إليهم لكن الذين استمعوا إليك ليسوا كثراً.
وكما أنت من بيئة فقيرة كان زوجي أيضاً يعمل في حقول الكرمة وكان العمل شاقاً ولم نكن في سعة حال ومع ذلك لم يكن لدى ألبير حقد على البرجوازيين ولا على المجتمع ولم يرد الانتقام بل كان شاكراً لما حملته له الحياة ولمعلميه.
أعتقد أني أستطيع القول ليس كأم فقط بل كامرأة أن ولدي ألبير كان وديعاً عذباً متواضعاً وكان رجلاً ودوداً مسالماً بقدر ما كان مفكراً حاداً وكان على يقين بأن الفلسفة تعني حب الحكمة وسداد الرأي أي بشكل ما حب الآخرين ذلك لأننا لا يمكن أن نكون سديدي الرأي وحدنا.
أشكرك لاقتدائك به فألبير أثبت خلال حياته ومن خلال أعماله أننا بالمودة والحب والإنسانية نواجه التوحش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن