ثقافة وفن

في الذكرى المئوية الأولى لميلاده… أمسية غنائية من أشعار نزار قباني … فتح اللـه لـ«الوطن»: هذه الأمسية بداية الفعاليات التي ستكرم الشاعر ونتعاون مع أصوات نفخر بها

| مصعب أيوب- ت: مصطفى سالم

حدث استثنائي وليلة مملوءة بالأشعار والأغاني الرومانسية احتفل فيها محبو شاعر الياسمين والمرأة نزار قباني في الذكرى المئوية لميلاده، وقد حرص على حضورها حشد رسمي وفني وشعبي كبير، فكان أن حظي الجمهور بليلة شاعرية من العيار الثقيل على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون عند الساعة الثامنة مساء الإثنين المنصرم، ولاسيما أن غنى أشعاره مغنون شباب من نخبة الأصوات الذهبية السورية برفقة الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية التي أطربت الحضور بعبق لحنها الفواح.

الوجدان العربي والمرأة والحب

لا يختلف اثنان على أهمية موقع الشاعر نزار قباني على خريطة الشعر العربي التي لم تنحصر بجيل معين وامتدت من جيل إلى جيل، فإن اسمه وشعره باقٍ حتى يومنا هذا مشكلاً علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي، إضافة إلى أنه جعل من نفسه نجماً شعرياً في العالم العربي في وقت قل فيه أمثاله، ولا يزال إلى اليوم تتردد على المسامع كلمات أشعاره التي تغنى فيها بالمرأة ودعا إلى تحريرها فهي الحبيبة والطبيبة والداعمة والمضحية التي لا يستغني عنها، وكذلك فقد تعاطى قباني مع أوجاع الأمة العربية مجسداً بأشعاره الوجدان العربي بجميع حالاته سواء أيام الانتصار أم أوقات الانكسار وحتى في وقت السلم، فكان دائماً حاملاً لهم العروبة، ومعه اقتنع العرب بأنهم يعشقون الشعر تماماً كما كان أجدادهم سابقاً ولاسيما بعد أن جرده من الكلمات المركبة والصعبة وبسط المعاني والمفردات للمتلقي وكأنما كساها بحلة جديدة، كما أنه ترك لنا صوراً شعريةً جميلة في عدد ليس بالقليل من المجموعات الشعرية وأكثر من عشرة كتب نثرية، وبرحيله وسم عصراً من الشعر يحمل اسمه بعد أن حجز مكانةً مرموقة في قلوب الصغار والكبار ومنه كان لا بد من الاحتفاء به وتخليد ذكراه وإبراز الوفاء لروحه التي لا تزال تحوم حولنا.

دمشق العظيمة

افتتح مدير دار الأسد للثقافة والفنون المايسترو أندريه معلولي الحفل قائلاً: إننا نحتفل اليوم بالشاعر نزار قباني ضمن احتفالية وزارة الثقافة بمئوية ميلاده التي سيصحبها العديد من الندوات واللقاءات الشعرية والثقافية التي تتغنى بهذه القامة الشعرية، فمن أبجدية دمشق وعطر الياسمين صاغ كلماته وخط حروفه وجال الدنيا وملأ فضاء الشعر العربي بطاقات من التجديد والإبداع، في الذكرى المئوية الأولى على ولادته نستذكر قبسات من أشعاره، وهو الذي عاش الحب والوطن وكتب فيهما فقال في غمرة الحب: كلماتنا في الحب تقتل حبنا لأن الحروف تموت حين تقال، وهو الذي أبدع في حب المرأة وناصرها في كل قضاياها في الوقت الذي عاشت فيه فلسطين في قلبه نبضاً قومياً.

وتابع: عاشت بعض أشعاره في وجدان الناس شواهد على الحب ونبض الحياة كما بقيت دمشق معشوقته الخالدة التي كانت عنده أعظم مدينة في الدنيا.

قيمة فكرية وموسيقية

من جانبه قائد الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية المايسترو عدنان فتح اللـه شدد على أن اللقاء اليوم هو تكريم واحتفاء وتحية واستذكار للشاعر الكبير نزار قباني، ولاسيما أن حضارة الشعوب ومكانتها تقاس باهتمامها وتكريمها للقامات الفكرية والأدبية والشعرية والمبدعين على وجه عام، وأفاد أن بداية الاحتفاء كانت من خلال هذه الأمسية ولكن لن تكون الأخيرة، إذ سيستمر التكريم والنشاطات والفعاليات الثقافية طوال هذا الشهر والشهر القادم والتي تنظمها وزارة الثقافة من أجل الاحتفاء بالشاعر نزار قباني في ذكرى ولادته المئة.

وبين أن الفرقة متعاونة في هذا الحفل مع مجموعة من الأصوات التي نفخر بها، قدمت مجموعة من أهم القصائد التي علقت في ذاكرة الناس وتركت أثراً عندهم وكانت من الأعمال المتميزة في المكتبة الموسيقية العربية المغناة للشاعر نزار قباني.

موسيقياً القصائد تحمل قيمة فكرية ولاسيما أن الشعر المكتوب له أثر عظيم سواء في الشعر العربي الحديث أم في الغناء إضافة إلى وجود قيمة موسيقية مهمة تنسج لنا عملاً مهماً جداً، حيث تم تقديم أعمال عمرها نحو خمسين أو ستين عاماً، وبين فتح اللـه أن المعيار الذي تم عليه اختيار الأصوات هو مدى ملاءمة هذه الأصوات للصوت الأصل وبعضهم من طلبة المعهد العالي للموسيقا في سنوات متقدمة والبعض نجوم نفخر بهم، وحاولنا إقامة مقاربة بين الأصوات والصوت الحقيقي لتتلاءم مع ما اعتاد الناس عليه وحاولنا أن نسعى جاهدين لتقديم الأفضل.

مسؤولية كبيرة

المغنية ديانا سعيد أدت أغنية «أيظن» التي غنتها نجاة الصغيرة أوضحت لـ«الوطن» أن تأديتها لأغنية نظم كلماتها الشاعر نزار قباني وغنتها ذات يوم نجاة الصغيرة ولحنها الراحل محمد عبد الوهاب، كان يحملها مسؤولية كبيرة من أجل تقديم أفضل ما عندها، مؤكدة أن ذلك من دواعي سرورها وفخرها ولاسيما في ظل الجماهيرية الواسعة التي يحظى بها الشاعر نزار قباني وكثرة محبيه، وأشارت إلى أنها من أشد المعجبين به وبشعره الذي وصفته بأنه لن يتكرر.

كما بينت سعيد أن لهذا الحفل أهمية كبيرة وتحديداً على الجيل الجديد الذي تمنت أن يتعرف إليه وعلى أشعاره لأننا بحاجة شديدة إلى أشعار موزونة وكلمات راقية في ظل الفوضى الإلكترونية وكثرة المنصات الاجتماعية وقلة الاهتمام بالشعر والقراءة والثقافة على وجه عام.

تكريم عظيم

ما إن ظهرت أمام الجمهور حتى راح الجميع يصفق لها بعد أن شرعت بغناء موال دمشقي للسيدة فيروز من كلمات الشاعر نزار قباني، فتعتبر الفنانة ليندا بيطار أنه من الضروري أن نستذكر في سورية هؤلاء الأشخاص الذين أغنوا الحركة الفكرية والثقافية، وكان لهم بصمات واضحة في خريطة الشعر العربي من خلال أشعارهم التي جالت مساحات كبيرة من الوطن العربي والبلدان الأخرى، كما أشارت في تصريحها لـ«الوطن» إلى أن نزار قباني من أهم الأسماء التي رفعت اسم سورية عالياً، وليس هناك أسمى ولا أعظم من أن نكرمه ونحتفي به وهو مشروع الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية التي كانت ولا تزال تعتني وتهتم بالقامات والعظماء.

فرقة متينة ومتماسكة

الفنان خلدون حناوي الذي اختتم الحفل بأغنية قارئة الفنجان التي غناها الفنان عبد الحليم حافظ أخبر «الوطن» قائلاً: نحن موجودون اليوم للاحتفال بالشاعر الكبير نزار قباني، القامة الشعرية العملاقة في ميدان الشعر والتي تستحق الكثير من الاحتفاء والتكريم، وإنه لمن دواعي سروري وفخري أن أكون مشاركاً ومغنياً في حفل تكريمه وأؤدي أغنية من كلماته، ولعلنا نكون في موضع ثقة من اختارنا ونستطيع حمل هذه المسؤولية وأن نكون قد قدمنا فناً جميلاً للجمهور.

وأرفد حناوي أنه نظراً للإقبال الشديد ونفاد عدد البطاقات المطروحة فقد تم تنظيم حفل ثان لكي يتسنى للمحبين وعشاق الفن الجميل الحضور، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على الذائقة الفنية العالية لدى الجمهور السوري المحب للفن الراقي.

وبين أن الفرقة الوطنية بقيادة المايسترو فتح اللـه من الفرق المتينة والمتماسكة والمتميزة وهي كبيرة بأسمائها وأعضائها ونحن نثق كل الثقة بأدائها واختياراتها، موضحاً أن إعجاب الناس شيء لا يمكن الوصول إليه بسهولة ولا بد من المثابرة والاجتهاد للوصول إلى مكانة مرموقة.

انتشار واسع

من جانبه الباحث الدكتور جورج جبور أكد في تصريح لـ«الوطن» أن الشاعر الراحل نزار قباني كان من الممكن أن يكون رمزاً للغة العربية حيث انتشرت أشعاره أكثر من أشعار المتنبي، وأنا أنادي بأن يكون الاحتفال بيوم اللغة العربية هو يوم مولد الشاعر الكبير نزار قباني الذي أثرى وأغنى المكتبة العربية بكثير من المعاني والكلمات، وبسط عبارات عديدة واختصرها بعد أن كانت في ذات يوم صعبة على القراء، فقد أسهم بإشراك كلمات جزلة وبديعة وساهم في نشرها في عدد كبير من البلدان العربية وغير العربية، ولذا لا بد لنا من الاحتفاء به في يوم اللغة العربية، وبين جبور أن الاحتفاء بالشاعر نزار قباني لا يمكن الاكتفاء به من خلال تنظيم بعض الفعاليات الثقافية فحسب، بل لا بد من التوجه إلى الأطفال أيضاً وتعريفهم وبأدبه.

كما أدى كل من سيلفي سليمان أغنية «أصبح عندي الآن بندقية» للراحلة أم كلثوم، وأغنية «مدرسة الحب» للفنان كاظم الساهر أداها رماح شلغين، كما تخلل الحفل بعض الفيديوهات التي حوت أشعار نزار قباني وبعض الكواليس من لقاءاته مع الراحل عبد الحليم حافظ والفنان كاظم الساهر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن