قضايا وآراء

خُطاً واحدة على طريق دمشق- أنقرة

| منذر عيد

شكلت تصريحات الدبلوماسية الإيرانية خلال اليومين الماضيين، بما يخصّ التقارب السوري- التركي، حدثاً لجهة كشف طهران عن اقتراح تقدمت به يحقق مطالب وتخوف الطرفين السوري والتركي، من خلال انسحاب قوات الاحتلال التركي أولاً، وهو ما يحقق الرؤية السورية للبدء بالتقارب، ومن ثم انتشار قوات الجيش العربي السوري على الحدود لدرء أي خطر على أمن تركيا وهو ما يبدد حججها في البقاء وينهي تخوفها من فكرة الانسحاب.

لكن هل مجرد قيام طهران بطرح المبادرة كفيل بأن تدخل حيز التنفيذ، وعلى أي أساس اعتمدت على قيامها بذلك، وخاصة أن القراءات تؤكد أن ملف التقارب السوري- التركي بات في النسق الثاني من اهتمامات رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان، بخلاف اندفاعه بخصوص ذلك قبيل الانتخابات الرئاسية.

إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن بلاده قدمت اقتراحاً خلال اجتماعات مشتركة بأن «تتعهد أنقرة بإخراج قواتها من سورية مقابل تعهد دمشق بمنع أي تعرض للأراضي التركية»، وأن الاقتراح المقدم للبلدين يتضمن أن تكون روسيا وإيران ضامنتين للاتفاق، وأن تضع سورية قواتها على الحدود مع تركيا، يؤكد سعي طهران الجدي لإعادة إحياء هذا المسار، ولتأكيد حضورها في ملف لعبت روسيا فيه دوراً رئيساً ولمدة طويلة، حيث يؤكد خبراء وتقارير إعلامية أن الخطوة الإيرانية تلك تهدف إلى دخول طهران بشكل مباشر في رعاية مسار الحوار التركي السوري مثل روسيا، حيث تخشى أن يؤدي التفاهم والشراكة بين روسيا وتركيا إلى تهميش دورها في سورية، وهي ترى الفرصة سانحة لتشغل الفراغ الذي يتركه انشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا.

في حقيقة الأمر ليس الوضع كما يود البعض تصويره على أنه منافسة إيرانية- روسية في الساحة السورية، بقدر ما هي عملية تكامل للأدوار، وتتمة للخطا ذاتها، وخاصة أن موسكو وطهران حليفان رئيسان لدمشق ولهما حضورهما المميز والاستثنائي في السياسة السورية، ومن المؤكد أن الهدف الرئيس للجميع هو الوصول إلى حل للوضع في سورية يخرج المنطقة بشكل عام من حالة التوتر أو جنوحها إلى حرب واسعة، إذا ما أخطأ أعداء دمشق في تقدير الأمور وذهبوا إلى منطقة اللاعودة، ما داموا يتبعون سياسة الرقص على حافة الهاوية، ويمارسون سياسة الضغط الاقتصادي الخانق على الشعب السوري.

تكامل الدورين الإيراني والروسي في ملف التقارب السوري – التركي تؤكده الوقائع، وإن اختلفا في بعض التفاصيل، ففي الأول من الشهر الحالي كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده اقترحت على تركيا «العودة إلى اتفاقية أضنة لمكافحة الإرهابيين» في شمالي سورية من قبل أنقرة، ولكن بالاتفاق مع الحكومة السورية، ونقلت وكالة «تاس» عن لافروف قوله إنه «في اتصالات غير رسمية، اقترحنا العودة إلى فلسفة العام 1998، عندما تم التوقيع على اتفاقية أضنة، التي تسمح بدخول القوات التركية لمكافحة الإرهاب إلى عمق معين داخل الأراضي السورية، بهدف وقف التهديدات الإرهابية»، اقتراح وزير خارجية روسيا لم يكن الأول من نوعه في هذا الخصوص وهو من أعلن في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره المغربي ناصر بوريطة في الرباط، في كانون الثاني 2019 أن بلاده تعتبر اتفاق أضنة المبرم بين تركيا وسورية عام 1998 لا يزال سارياً.

من الواضح أن مساعي إيران لحدوث تقارب سوري- تركي يشكل خطوة مساعدة في السياسة الروسية والتي سعت منذ كانون الأول 2022، إلى إعادة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، وتحقيق لقاء بين الرئيس بشار الأسد ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، ورعايتها سلسلة اجتماعات بدأت بلقاءات أجهزة الاستخبارات والدفاع بين البلدين، ومن ثم اجتمع نواب وزراء الخارجية، تلاها اجتماع وزراء خارجية سورية وروسيا وإيران وتركيا في 10 أيار الماضي.

في السياسة ثمة محاولات دائمة لاقتناص الفرص المتاحة، وعليه فإن الطرح الإيراني يأتي مع إتمام طهران صفقة تبادل سجناء مع الولايات المتحدة واستعادتها 6 مليارات دولار من أموالها المحتجزة في كوريا الجنوبية، وكما يرى البعض أن قيام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالإقدام على تلك الصفقة بهدف تحقيق غايات أخرى خاصة في الملف النووي الإيراني، وثني طهران عن إمداد موسكو بالسلاح، فإنه بالمقابل ربما وجدت إيران في ذلك إمكانية لقيامها بدور فاعل على الجبهة السورية- التركية، وأقله ضمان عدم ممارسة واشنطن ضغوطاً على أنقرة لرفض التقارب، وقد يرى البعض في المقاربة ضرباً من المستحيل، وهذا قد يصح في العلاقات الاجتماعية والعاطفية، إلا أن عالم السياسة والمصالح الخاصة يتقبل كل فكرة وطرح، ومن رحمه تلد المتناقضات.

وإذا كان البعض ينسى سياسة المصالح الأميركية وتناقضاتها، فالتاريخ يسجل أن واشنطن انسحبت من فيتنام عام 1973، لتسيطر قوات الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام «الفيت كونج» على مدينة سايغون عام 1975، ثم عاودت الكرّة مع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 لتترك الشاه يتسول لجوءاً سياسياً، وكذلك انسحبت من أفغانستان تاركة الكل إلى مصيره.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن