النظريات والمدارس والاتجاهات السيكولوجية والتيارات الحديثة في التحليل النفسي … تطوير سمات شخصية الفرد على نحو متكامل ومنسجم
| مصعب أيوب
نشاطنا البشري يولد الكثير من الحاجات التي منها معرفة ماهية ظاهرة ما مهما كان تصنيفها وهو بطبيعة الحال يتطلب معرفة جميع السمات والخصائص والتفاعلات وكذلك التأثيرات ونقاط الالتقاء والبعد فيما بينها وبين الظواهر الأخرى.
لا بد أن أحدنا بحاجة إلى معرفة احتياجاته الأساسية وإحاطته بها وما يصدر عن نفسه تجاه العالم الخارجي، وهو ما كان مختلفاً حسب مقتضيات كل مرحلة وحسب مقتضيات الوضع الراهن وحيثياته ولعل أبرزها مراحل التحول الفكري في النفس البشرية وهي لحظة اكتشاف الفرد لأناه وتزيد معها حاجته إلى معرفة روحه والشعور بضرورة تلبية احتياجاتها.
في ضوء ذلك يتعمق الدكتور بدر الدين عامود لينقل لنا صورة جلية عن أهم الاتجاهات والتيارات التي اعتمدها رواد علم النفس في الكتاب الجديد الذي صدر له مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب بعنوان «موجز تاريخ علم النفس المعاصر».
الفكر السيكيولوجي في الفلسفة الأوروبية
يعتقد ديكارت أن المؤثرات الخارجية تحفز مجموعة خلايا في الجملة العصبية من أجل الاستجابة لأوامر الدماغ، وهو صاحب نظرية الانعكاس التي غايتها تفسير العمليات الحسية – الحركية كالتفكير والإرادة والتذكر ولعل سلوكنا البشري منبعه التأثر بالمنبهات الخارجية التي تطرأ على الأعضاء الحسية وبالتالي ينتقل هذا التأثير إلى الدماغ، وبذلك يمكننا القول إن مفهوم الروح مستبعد بعض الشيء ويتم التركيز هنا على الجسم الذي يصدر الأفعال، وهو مبدأ الفيلسوف توماس هوبز أيضاً.
الإنسان بحسب جون لوك كالصفحة البيضاء التي يمكننا أن نكتب عليها ما نشاء وهنا يلغي لوك أي دور للوراثة في تكوين الفرد وبناء شخصيته ونفسيته.
وقد وضع لوك الباحث أمام خيارين متناقضين وهما إما الأخذ بالنشاط النفسي الخارجي وإما الانحياز إلى النشاط النفسي الداخلي.
مدارس علم النفس وتياراته
المدرسة السلوكية
قدم إدوارد ثورندايك عدة دراسات مهدت لنشوء السلوكية كظاهرة علمية تاريخية من خلال قيامه بالكثير من التجارب التي بدأها من الأطفال ليعاين سلوكهم حيال أعداد وكلمات معينة.
وقد لاقت نظريته السلوكية قبولاً كبيراً وانتشاراً واسعاً بحيث سعى لوضع علم النفس في مصاف العلوم الطبيعية بدراسته سلوك البشر والحيوانات.
المدرسة الغشتالية
تعتبر أن الجوهر يكشف عن نفسه أثناء العملية المعرفية.
المدرسة القصدية
ترتكز على معرفة خلفيات سلوك الإنسان وأصوله والوقوف على أغراضه، فهي تتجه إلى علم الدوافع كمحرك أساسي للسلوك.
يركز فرويد على دراسة ساحات النفس وتحديداً الساحة اللاواعية التي يعدها خزاناً لرغبات وانفعالات الفرد منذ الطفولة بصورة عفوية بحيث تبقى دفينة ومكبوتة، فاستخدم فرويد هنا معنيين لللاوعي، وصفي ودينامي، بحيث يمكن للمكبوت الانتقال إلى الوعي وصفياً ولكن لا يمكنه ذلك دينامياً.
ينتقل فرويد في تحليله لسلوكيات الإنسان منذ ولادة الطفل مروراً بمراحل نموه المختلفة برفقة أمه إلى أن يصبح يافعاً لا حاجة له برعايتها فيظهر الطفل حبه لأمه متماهياً مع أبيه وهو ما يسميه فرويد عقدة أوديب.
التيارات الحديثة في التحليل النفسي
ومنها علم نفس الأنا والتيار السيكوثقافي والتيار الاقتصادي -الاجتماعي- الجنسي الذي يجمع بين الماركسية والفرويدية بحيث يؤكد أنصارها على أنها نقطة التقاء الجسد بالوعي معتقدين أن للعدوانية علاقة طردية بالطاقة الجنسية، فإن عدم تفريغ الطاقة الجنسية يؤدي إلى ظهور نزعة عدوانية تدميرية والعكس صحيح فإن تفريغها يؤدي إلى تخفيف التوتر، تماماً كما يبدو الدافع العدواني للجوع ولكن الاختلاف أن الجوع يحتاج إلى إدخال طاقة بينما الجنس يتطلب تفريغ الطاقة، وكذلك فإن الجوع قد يشارك بصورة بسيطة في بناء الجهاز النفسي، على حين أن الطاقة الجنسية هي القوة البناءة أصلاً.
السلوكية الجديدة
يرصد في كتابه الفيلسوف كارل بيولر «أزمة علم النفس» ثلاثة اتجاهات متناقضة وهي علم نفس الوعي وعلم نفس الروح وعلم نفس السلوك ومن أجل الخروج من هذه الأزمة لا بد من التعاون وتقريب الأفكار ووجهات النظر، ولاقت هذه الدعوات قبولاً كبيراً بحيث يتم الاحتكام إلى معطيات التجربة والشواهد التي تقدمها الممارسة اليومية وبالتالي فإن الفرد أمام خيارات عدة تلهمه كيفية التعامل مع مصاعب الحياة ولا بد من وجود دافع يحكم كل فعل على نحو ما.
السلوكية الإجرائية
مؤسس هذا الاتجاه يرجع نشوء نظريته في السلوك إلى وجود نوعين من السلوك: الاستجابي والإجرائي والبعض من كلا النوعين يندرج ضمن الآخر وهو نتاج مجموعة من الخبرات المتراكمة، وينفي أنصار هذا الاتجاه كل ما هو نفسي أو داخلي فيعتبرونه مصدر قوانين التعليم والاكتساب التي تتضمن جوانب السلوك جميعها، وهو يتوقف مطولاً عند مظاهر ومحطات الصراع بين أنصار الوعي ووجود عمليات نفسية داخلية، إضافةً إلى وقوفه مع العضوية الخاوية تماماً من أي عملية أو حالة نفسية.
علم النفس في روسيا الاتحادية
ظهر في روسيا عدد من الاتجاهات السيكولوجية قبيل 1917 والتي منها: الاتجاه المثالي الذي يؤكد أولوية الروح واستقلالها عن البدن ويقول بعض ممثليه إن طاقة روحية مستقلة تتحكم بالدماغ وتوجه نشاطه، وأما الاتجاه الطبيعي فقد اتخذ من الوعي والقضايا المتعلقة به موضوعاً لدراستهم ومن الملاحظة الموضوعية والتجربة العلمية طريقتان للبحث فيه، والاتجاه الثالث هو الخبري موقعاً وسطاً بين الاتجاهين السابقين.