كانت اليابان أول من طوّر إستراتيجيات الشركات وعـلى رأسها موضوع «المنافسة». ساعـد في ذلك: طبيعـة الناس الجادة؛ ومواجهتهم تحديات الصناعـة؛ لاسيما بعـد تداعـيات الحرب العالمية الثانية والتي ألقت بظلالها القاسية عـلى بلادهم.
ستتردد كلمة «منافسة» في عـالم لا مكان فيه إلا للأقوى؛ ولسوف نتحدّث عـن إستراتيجية المحيط الأحمر؛ فيشهد صراعـات دامية بين المورّديـن عـلى زبائن قليلة؛ ودماء المنافسة ستصبغـه بلونها القاني! على حين أن المحيطات الزرق هي كناية عـن الإبحار إلى أسواق جديدة؛ لم تخترقها التنافسية الشرسة بعـد. وتعـتمد عـلى زيادة الطلب؛ والخلاص من المنافسين؛ والتفرّد بسوق/أسواق والتي هي بداية الأمر مطمح عـلم التسويق!
دعـونا نعـرّف الإستراتيجية بالإنطلاق من منبتها الإغـريقي؛ وبعيداً عـن المصطلحات العـسكرية التي كانت هي الأصل-؛ ففي مجال الأعمال هي: خطة شاملة طويلة الأمد لإنجاز الأهداف بالموارد المتاحة (يد عـاملة- آليات- معـدات- رأسمال- معـرفة know how) وضمن الخطة الزمنية المرسومة.
قد تكون إحدى الإستراتيجيات الحديثة بالمؤسسات؛ المعـروفة بوحدات العـمل الإستراتيجية Strategic Business Unit برمز «SBU» وهي تختلف عـن التقسيم الوظيفي الكلاسيكي]؛ ولكل واحدة مستقلة منتجاتها وتسعـيرها وخططها وميزانيتها.. ويتم التعـامل معـها عـلى أنها مراكز ربح! حتى فترة قريبـة كانت المؤسسات تركـّز عـلى بيع منتجاتها محليا ؛ ولم يشغـل موضوع التصدير جزءا من تفكيرها!
نعـود لفكرة العـولمة؛ البحث عـن أسواق خارجية دفع المؤسسات للتلفـّت يمينا وشمالاً؛ وبات التوريد الخارجي أساسيا في عـمليات التصنيع. هنا لعـب الانترنت دوراً مفصليا : الخروج من قنوات التوزيع التقليدية؛ تغـيـّر ميزان القوى لمصلحة المستهلك بوساطة العـديد من المنافذ لتزويده بالمعـلومات؛ تغـيـّرت المنافسة لمصلحة المؤسسات المعـتمدة عـلى التقانات الحديثة؛ وبالتالي: سرعـة تقدّم الأعمال والتي فاقت أحلام الزبائن.
مصطلح «المحيط الأزرق» تشبيه جديد نسبيا؛ مقتبس من مياه المحيطات الزرقاء الصافية؛ تناوله عـالم الأعمال؛ حيث أغلبية صناعـات اليوم لم تكن موجودة قبل قرن من الزمن (هواتف محمولة؛ كومبيوتر؛ تجارة إلكترونية؛ وخدمات أخرى..). وهناك صناعـات غـير معـروفة الآن يمكن أن تستحوذ عـلى الأسواق خلال 30 عاماً قادمة! يعـني: عـالم الصناعـة ديناميكي؛ لايتوقف عـن التطور؛ خلق صناعـات ومنتجات جديدة وتطوير وتحسين الحالي؛ وتوسـّع الأسواق. باختصار: هو كل السلع (والخدمات) غـير الموجودة اليوم؛ والأسواق الجديدة البكر التي لم يطأها منافس؛ حيث تكافح المؤسسات لولوج مثل تلك المحيطات؛ هي تعـمل لأجل الوصول للاستقلالية بالسوق. ولكن هذا يحتاج لابتكار وتجديد؛ وقد تكون الزرقاء قد ولدت من رحم المحيطات الحمراء (بابتداع: سلع/خدمات جديدة؛ واكتشاف أسواق غـير مطروقة).
مثال طريف: قبل سنوات اقترح خبير تسويق زراعـي إيطالي عـلى لبنان –فكرة مجنونة- بنشر «منقوشة الزعـتر» الشهيرة في الصين؛ فلو جرب كل مواطن هناك أكل واحدة بالسنة؛ فهذا كفيل بتصدير كل زيت الزيتون اللبناني وكذلك الزعـتر المحلي!
وبالرغـم من أن الاتجاه نحو العـالمية يزيد من تعـقيد الأوضاع بزوال الحدود الجمركية بين الدول (وسلعـها)؛ إلا أن هناك قوى كثيرة تدفع للخروج من مستنقع المحيط الأحمر؛ والإبحار بسلاسة في محيط أزرق: أهمها التقدم الحثيث والسريع ببحور التقانات الصناعـية ما يوفر كماً هائلاً من السلع والخدمات بنوعـية جيدة وأسعـار منخفضة.
الصراع التنافسي الشرس الذي كان سائدا في القرن العـشرين؛ أثر في قدرة المؤسسات؛ ويبدو أنه – بحكمة وروية لاستنباط البدائل- بطريقه للزوال؛ إذا تم الخروج من المحيطات الحمراء وولوج أخرى زرقاء تتيح أداء عـالياً مستديماً ذا نفعـيـّة لكل الأطراف.
لا شيء يأتي بسهولة؛ وبحسب المثل الإنجليزي « ليس هناك عـشاء مجاني»؛ كي تنتقل من محيط أحمر (بإزاحة المنافسين) إلى آخر أزرق (ترك المنافسة خلفك)؛ عـليك بالإبداع لخلق طلب عـلى شيء جديد.. والاستحواذ عـليه؛ نلاحظ أن كلا المحيطين يبدوان عالميـن مختلفين؛ ولكنهما مترابطان (كعـمليتي البيع والشراء: لا تتم واحدة من دون الأخرى)؛ وسيكون أحدهما محرك تغـذية للآخر.