قضايا وآراء

الرئيس الأسد في بكين.. ظل أميركا وضوء السلام!

| د. بسام أبو عبد الله

الزيارة التي يقوم بها الرئيس بشار الأسد والسيدة عقيلته إلى الصين ليست زيارة بروتوكولية، ولا زيارة مجاملة، بل لابد من قراءتها من جوانب مختلفة، وأبعـاد عديدة، وعلى الرغم من العنوان الاقتصادي الذي يبدو للكثيرين أنه العنوان الأهم والأبرز لهذه الزيارة، لكنني سأتطرق لجوانب أخرى في العلاقات السورية- الصينية، والتي قد لا يوليها المختصون الأهمية اللازمة منها:

صحيح أن الصين تعطي الأولوية للمصلحة الاقتصادية، ومبدأ رابح- رابح، كما يصورها المحللون الغربيون، لكنهم يغفلون جوانب سياسية وفكرية وأيديولوجية في السياسة الخارجية الصينية، ذلك أن الصين لم تخفِ موقفها الثابت والداعم لسورية منذ بدء الحرب عليها عام 2011، إذ استخدمت ثمانية فيتوات في مجلس الأمن لدعم سورية في حالة نادرة ضمن إطار قراءة تاريخية للمواقف الصينية التي كانت تستخدم هذا الحق تجاه قضايا تايوان، وهونغ كونغ، وليس تجاه أي قضايا سياسية أخرى خارج هذا النطاق، وقد تبدو الأسباب الكامنة وراء ذلك عديدة، ومنها:

١- إدراك الصين أن الحرب على سورية كانت حرباً بالوكالة هدفها إسقاط النظام السياسي، وجلب نظام سياسي «دمية» كما حدث الأمر في دول عديدة مثل ليبيا، نموذجاً، وقبله العراق، لإحكام نظام الهيمنة الأميركي – الأنغلوساكسوني، وقطع الطريق على أي نهوض صيني، وعودة للساحة العالمية.

٢- لم تُخفِ الصين ولو ليس بالعلن، خشيتها من انتشار التطرف الديني الإسلامي الذي كانت تغذيه الولايات المتحدة، وحلفاؤها عبر تنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة وأخواتهما، وانعكاس ذلك على مسلمي الصين، وخاصة في إقليم شينجيانغ، حيث استخدمت تركيا ورقة المسلمين الأويغور، ودعمتهم، وأسست لهم إمارة شمال غرب سورية في إدلب، كما أن الصين كانت تتعرض باستمرار لحملات تشويه سمعة تشنها حركات الإخوان المسلمين ذات الارتباط البريطاني- الأميركي مع قدوم شهر رمضان في كل عام، وذلك في محاولة لتهديد الأمن القومي الصيني، وزعزعة الاستقرار والتنمية، ولذلك أدركت الصين أن نضال الشعب السوري، والنظام السياسي في سورية بقيادة الرئيس الأسد ضد التطرف والإرهاب هو قضية جوهرية وأساسية لبكين، وخاصة أن انفلات الوضع في سورية ستصل آثاره السلبية إلى كل مكان بما فيه الأقاليم الصينية.

٣- يلتقي الحزب الشيوعي الصيني، وحزب البعث العربي الاشتراكي في الكثير من القضايا الفكرية والسياسية والأيديولوجية، وهو عامل مهم خلفي غير مرئي للعلاقات الثنائية، ذلك أن الحزب الشيوعي الصيني يلعب دوراً قائداً ومحركاً في السياسة الخارجية للبلاد، إذ تجمع الحزبين رؤى مشتركة في مواجهة سياسات الهيمنة العالمية، ومقاربات سياسية مشتركة تقوم على احترام التنوع الثقافي والحضاري، ورفض قيم الليبرالية الجديدة التي نبه إليها الرئيس الأسد الأمين العام لحزب البعث، في أكثر من مناسبة، والتأكيد على سيادة الدول واستقلالها الوطني، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما يجمع تاريخ الشعبين نضالات مشتركة ضد الاستعمار بشكليه القديم والحديث، ويمكن هنا أيضاً الاستفادة من التجربة الصينية في القيادة والحوكمة، وعلاقة الحزب بالسلطة ليس من خلال التقليد، أو نسخ التجارب، وإنما عبر دراسة الممكن طبقاً للواقع والخصوصية السورية، ذلك أن الصينيين كانوا دائماً يؤكدون أن تجربتهم ليست للتصدير، لكنها للتعلم والاستفادة من دروسها المستخلصة، وخاصة ما يتعلق بإبعاد الإيديولوجيا عن الاقتصاد، وإطلاق المبادرات لكن مع الحذر في قضيتين: منع سيطرة رأس المال على الدولة، كي لا يتكرر النموذج الأميركي حيث تدير الشركات الدولة، ووقف ومحاربة الفساد الذي يرون فيه خطراً، ونخراً في جسم الدولة والمجتمع.

أهمية تجربة الحزب الشيوعي الصيني طوال أكثر من مئة عام تتمثل في نقطتين:

١- المراجعة والتصحيح- أي لا مقدسات.

٢- الأفعال أكثر من الأقوال.

لا يخفي الصينيون أبداً إعجابهم بالتنوع الثقافي والحضاري والديني في سورية، وقدرة السوريين طوال عقود من الزمن ما بعد الاستقلال على الحفاظ على قدرة عالية من التسامح، وتحقيق التعاضد الاجتماعي، والديني، ورفض مشاريع التطرف المذهبي والإثني، على الرغم من أن مشروع الحرب على سورية كان هدفه ولا يزال ضرب بنية المجتمع السوري وتقسيمه وتفتيته، لإنشاء كيانات متناحرة، وتدمير سورية بروحها الحضارية، وأنموذجها الذي يتعارض تماماً مع الكيانات العنصرية، والمذهبية التي يجري العمل عليها من أميركا وحلفائها الغربيين.

إن هذا التنوع الحضاري والفكري، والغنى التراثي والعراقة يشكل عاملاً مهماً في المشتركات الحضارية مع الصين، والأمة الصينية، إذا لم نضف إليها عامل اللغة العربية حيث تعمل الصين وجامعاتها على زيادة أعداد طلابها وخريجيها من كليات الآداب، واللغة العربية، لكن بالمقابل لابد لسورية أن تزيد اهتمامها بتعليم ونشر اللغة الصينية، وزيادة المختصين في هذا المجال ليس من أجل الجانب الاقتصادي فقط، إنما من أجل تعزيز التبادل الحضاري بين الشعبين.

كثيراً ما يطرح المحللون أن سورية ليست مهمة للاقتصاد الصيني، فالسوق السورية صغيرة، وليست مطمعاً للشركات الصينية، وهذا صحيح، ودقيق، لكن أهمية سورية للصين ليست في هذا الجانب فقط، إنما تكمن في دورها الجيوسياسي، وموقعها المهم، وخاصة بعد الزيارة اللافتة لوزير الخارجية الصيني وانغ يي في تموز 2021 لتهنئة الرئيس الأسد بإعادة انتخابه، وتلا ذلك رسالة تهنئة من الرئيس الصيني شي جي بينغ، حيث أكد فيها دعم الصين الثابت لسورية في نضالها للحفاظ على سيادتها الوطنية، واستقلالها، ووحدة أراضيها، وستقدم الصين كل مساعدة ممكنة لذلك، وظهر هذا التوجه الصيني من خلال المطالبة الصينية المستمرة للولايات المتحدة بضرورة رفع العقوبات عن الشعب السوري، وطرح الصين لمبادرة للحل السياسي فيها، تقوم على دعم سيادة سورية ووحدة أراضيها، وتقرير الشعب السوري مصيره بنفسه، وإعادة الإعمار، ودعمه في مواجهة الإرهاب، مع حل سياسي يقوم على الحوار بين السوريين.

ما من شك أن تصاعد دور الصين لمنطقة الشرق الأوسط بدا بارزاً في تحقيق المصالحة السعودية- الإيرانية، ومن ثم تعبيرها عن الارتياح، ودعم عودة سورية للجامعة العربية، وتصاعد مسار التصالح السوري- السعودي، والسوري- العربي، الذي يواجه بتصعيد أميركي واضح يستند إلى الفوضى، وإعادة إنتاجها واستمرار الاحتلال، ونهب الثروات، وهو مشهد يوحي باتجاهين متعاكسين: اتجاه أميركي – غربي لعرقلة الهدوء والاستقرار حيث أمكن ذلك، وعمل صيني دؤوب للدفع نحو السلام والاستقرار والتنمية، وهو اتجاه تحتاجه دول المنطقة وشعوبها.

أما الملف الاقتصادي إحدى الأولويات بالنسبة لسورية في ضوء واقعها الاقتصادي المتردي نتيجة للحصار، والعقوبات، فإن التعويل كبير على الصين في مساعدة سورية في جانبين:

– الجانب الإنساني، والذي يحتاج للمزيد من الدعم.

– الجانب الاقتصادي- يحتاج لإقرار المشاريع الإستراتيجية التي كان قد اتفق عليها خلال زيارة وانغ يي إلى دمشق 2021، لكن الخشية الصينية من مسألة العقوبات والحصار أبقتها مشاريع نظرية لم تنفذ، ولذلك أعتقد أن زيارة الرئيس الأسد ستنتج ثماراً لهذا التعاون من خلال انخراط الصين بشكل أكبر مع سورية بدعم الاقتصاد السوري ضمن إطار الرؤية الصينية لمشروعها «حزام وطريق» ذلك أن التردد الصيني كما أعتقد انتهى، وخاصة أن الزيارة تأتي بعد أسبوع من إعلان الممر الأميركي – الهندي الخليجي باتجاه أوروبا، إذ تكمن أهمية كبيرة للمرافئ السورية، لمواجهة مرفأ حيفا في فلسطين المحتلة كما يقول بعض الخبراء.

في كل الأحوال، زيارة الرئيس الأسد إلى الصين مهمة للغاية دون مبالغة، وستضع أسساً واضحة للعلاقات المستقبلية بين البلدين، وتحسم بعض التردد الذي ظهر لدى الصينيين، لأن اللعبة التي تستهدف الصين ومشروعها العالمي باتت مكشوفة، والقيادتان السورية والصينية تعرفان المثل الصيني الذي يقول: «لو أردت أن تلعب، فعليك أن تعرف قواعد وزمن اللعبة»، وأميل تماماً إلى أن الرئيسين الأسد وشي يعرفان قواعد اللعبة، واختيار زمانها، من هنا يمكن وضع هذه الزيارة تحت عنوان: «قواعد اللعبة توقيتها»، أما البعد الآخر فهو ظل أميركا الأسود الذي يريد الاستمرار بالبقاء في سورية، وقد كان المتحدث بلسان الخارجية الصينية بليغاً عند وصفه الموقف الصيني تجاه عودة سورية لمقعدها في الجامعة العربية في قوله: «عندما ينكمش ظل الولايات المتحدة، فإن ضوء السلام ينتشر».

نحن متفائلون لزيارة الرئيس الأسد لبكين لأنها ستسهم في البدء بإزالة الظل الأميركي الأسود، من خلال شمس صينية تسهم في السلام والاستقرار، في سورية والمنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن