زيارة الرئيس بشار الأسد وعقيلته السيدة أسماء يرافقهما وفد سياسي واقتصادي، تترك الكثير من المؤشرات من حيث توقيت الزيارة وشكلها والاهتمام الصيني اللافت بها، إذ يمكن القول إنها في سياق إطلاق مرحلة جديدة من التعاون بين البلدين الصديقين، تتجاوز مستوى العلاقات السابقة بخطوات كبيرة، تنطلق من رؤية صينية جديدة لموقع سوري أساسي في سياق مشروع الصين الاستراتيجي «الحزام والطريق».
لقد أبدت بكين اهتماماً خاصاً بزيارة الرئيس الأسد، إذ أرسل الرئيس الصيني شي جين بينغ طائرة رئاسية صينية خاصة لنقل الرئيس الأسد والسيدة أسماء والوفد المرافق إلى مطار خانجو الدولي، حيث أقيمت مراسم استقبال رسمية تليق بالضيف الزائر، وتعبر عن تقدير صيني كبير لسورية وقيادتها، على ألا تقتصر الزيارة على حضور الرئيس الأسد لافتتاح الألعاب الآسيوية بدورتها الـ١٩ في مدينة هانغشتو (خانجو) الصينية فقط، بل الأهم هو القمة الرئاسية التي ستجمعه بنظيره الصيني، وما قد يتمخض عن هذه الزيارة من رسم رؤية استراتيجية في العلاقات السورية – الصينية، تتمخض عن اتفاقات بين البلدين تؤسس لدور صيني بارز في إعادة إعمار سورية، تأسيساً لموقع سوري مميز على طريق الحرير الصيني، وخصوصاً أن بكين تتحضر لاستضافة مؤتمر الحزام والطريق الشهر القادم.
إن الاستقبال الصيني اللافت للرئيس الأسد، لا بد أن يكون على درجة كبرى من الأهمية من حيث المضمون، بحيث يشير علانية إلى بدء الصين بتطبيق سياسة خارجية جديدة، لا تتفق مع الرغبات الأميركية، بل تتحداها، وتكسر القيود التي تفرضها إملاءات واشنطن، وتحاول أن تقيد الدول فيها، وتجعلها معزولة عن العالم، كما تفعل في سورية حالياً، وهو ما لا يتوافق مع التوجه الصيني لدعم العملية التنموية على مستوى العالم عبر تعزيز البنى التحتية وتحقيق أعلى درجات الاستقرار والأمان، بما يساعد على جلب الرخاء للعالم.
يعد رهان بكين على سورية، رهاناً جيوسياسياً، لا يقتصر على الجانب السياسي والاقتصادي فقط، بل يمثل الجانب الثقافي مرتكزاً أساسياً في تلك العلاقة، فالصين تعول على سورية كثيراً، فيما يخص مشروعها «الحزام والطريق»، ولديها الرغبة الكبيرة في أن تستثمر في المكانة الحضارية والسياسية والجغرافية التي تحتلها سورية في الشرق الأوسط، بما يؤمن نجاحاً لهذا المشروع، وهو ما يتطلب بالدرجة الأولى اهتماماً صينياً مضاعفاً بسورية لمساعدتها بشكل فعلي على تحقيق السيادة والاستقلال، ومن ثم الاستقرار والأمن، الذي يتطلب جهداً تنموياً عالي المستوى، وهو ما تُعدّ الصين قادرة على تحقيقه بالنسبة لسورية.
ينظر السوريون بفرح وتفاؤل إلى هذه الزيارة، انطلاقاً من اختبارهم لموقف صيني صلب إلى جانب سورية خلال الحرب عليها، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، كذلك فإنهم يطمحون إلى مساعدة صينية لتجاوز آثار الحرب وإعادة البناء، وفي هذا السياق فإن السوريين ينتظرون أن تنم الزيارة عن رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى «شراكة استراتيجية قادرة على الصمود»، وهذا هو المستوى الأعلى في العلاقات الدبلوماسية الصينية مع دول العالم، وبذلك يمكن أن ترتقي العلاقات السورية– الصينية على الصعد كافة إلى مستوى المواقف الثابتة التي أعلنتها بكين مراراً وتكراراً في مجلس الأمن الدولي، من خلال استخدامها لحق النقض الفيتو عدة مرات ضد مشاريع قرارات غربية معادية لسورية، هذا الموقف المنسجم مع مبادئ السياسة الخارجية الصينية وتوجهاتها في رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
واليوم، يمثل تعزيز العلاقات السورية– الصينية حاجة ملحة للبلدين، فسورية بحاجة إلى الصين لوقف الحرب وتجاوز آثارها، والصين بحاجة إلى سورية في تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، في ظل المشاريع الكثيرة التي تطرح وتستهدف مباشرة المصالح الصينية في المنطقة، وفي مقدمتها مبادرة «الحزام والطريق»، تلك المشاريع التي يتم التخطيط لها بإدارة أميركية، وفي هذا السياق يمكن النظر إلى تعزيز واشنطن لقواتها في الأراضي السورية التي تحتلها، وسعيها لمد مناطق وجودها في سورية من شمال شرق البلاد إلى جنوب غربها، على أنه يهدف إلى عرقلة مشروع الصين الاستراتيجي «الحزام والطريق»، أو على الأقل التشويش على مساراته، وفي السياق ذاته يمكن النظر إلى مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والخليج وأوروبا مروراً بإسرائيل برعاية أميركية، والذي أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن وأيضاً ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال قمة العشرين الماضية، على أنه مشروع منافس لمشروع «الحزام والطريق» الصيني.
إن المشروع المقترح الذي سيمتد عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن وكيان الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يصل إلى أوروبا، يجعل من سورية جغرافياً، حجر أساس محوري في مشروع «الحزام والطريق» الصيني، وهو ما يقتضي أن تفضي قمة الأسد– شي، إلى بروز اتفاقات مهمة في هذا الشأن، بما يساهم في جعل سورية أكثر استقراراً وازدهاراً، عبر دعم الصين لخطة تنمية شاملة في سورية، بإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتحقيق وحدة وسيادة واستقلال سورية.
يبدو أن سياسة الصين التي حرصت كثيراً خلال الأعوام السابقة على انتهاجها، والقائمة على عدم استفزاز الولايات المتحدة الأميركية، لم تعد ناجحة، حتى لمسألة استثمار الوقت من قبل بكين حتى تحين اللحظة المناسبة، وتتمكن من تحقيق مبادرتها «الحزام والطريق»، ولكن في ظل التصعيد الكبير في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وجدت بكين أن المواجهة أجدى وأن الوقت قد حان لكسر قيود واشنطن في الشرق الأوسط، ومن ثم فإنه من المرجح أن نشهد واقعاً ملموساً يشير إلى سياسة صينية جديدة تنطلق من سورية، في مواجهة السياسة الأميركية المتبعة في الشرق الأوسط، على أن تمثل الزيارة الحالية للرئيس الأسد وما سيتمخض عنها من اتفاقات، البداية لهذا التوجه الصيني الجديد.