قضايا وآراء

دمشق- بكين من التعاون إلى الشراكة

| منذر عيد

عناوين كثيرة، وقراءات أكثر يمكن أن تقال في زيارة الرئيس بشار الأسد إلى جمهورية الصين الشعبية، ولقائه الرئيس شي جين بينغ، وذلك لأسباب عديدة، متعلقة بما تمر به سورية خصوصاً، والمنطقة والعالم عموماً، من أحداث وتكتلات بدأت برسم ملامح عالم متعدد الأقطاب، الأمر الذي يجعل من التقارب السوري- الصيني، علامة فارقة في الخريطة السياسية والاقتصادية العالمية.

من غير المنطقي الحديث في السياسة والاقتصاد بلغة العواطف، إذ إن الجميع يبحث في علاقته مع الآخر على المصلحة الذاتية أولاً ومن ثم المصلحة الإيديولوجية ثانيا، وعليه ليس من المعيب إذا ما قلنا إن ثمة مصالح خاصة، ومشتركة بين بكين ودمشق، فالأولى وفي خضم صراعها المحتدم مع واشنطن، في جميع المجالات وخاصة الاقتصادية منها، وفي إطار سياسة براغماتية «نفعية» فإنها تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط، بأهمية كبيرة، كسائر الأطراف الدولية، ومن هنا كان حضورها القوي والأساس في ملف التقارب السعودي– الإيراني، على حساب الدور الأميركي المتراجع، وفي ملف العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج العربي عامة، وهذا ما بدا جلياً في دعوة الرئيس شي خلال كلمته في القمة الصينية ومجلس التعاون الخليجي في التاسع من كانون الأول الماضي بأن يصبح الجانبان شركاء في تعزيز الوحدة والتنمية والأمن والحضارات، مقترحاً خمسة مجالات رئيسية للتعاون في الفترة من السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة وهي: الطاقة، والتمويل والاستثمار، والابتكار، والتكنولوجيات الجديدة، فضلاً عن الفضاء الجوي، واللغة والثقافات.

في العلاقات السورية- الصينية لا تغيب أهمية ومكانة الجغرافيا السورية، عن بكين، ويحضر ثقل الصين الاقتصادي والسياسي في حسابات دمشق، كل ذلك كان دافعاً لقيام البلدين بالبحث عن مفردات وآليات الانتقال من مرحلة التعاون الاقتصادي إلى مرحلة الشراكة الاقتصادية، بما يمكّن من تحقيق رؤية الرئيس الأسد الذي عبر عنها منذ عام 2002، وهي تحويل سورية إلى مركز عالمي لعبور الغاز وحلقة وصل للتجارة الحرة بين الشرق والغرب، لتتقاطع تلك الرؤى مع مبادرة الحزام والطريق التي قدمها الرئيس الصيني عام 2013.

الطبيعة السلمية للسياسة الصينية، واحترامها للقانون الدولي، بالتوازي مع تصاعد حضورها واستطاعتها فرض نظريتها في المعادلات السياسية والاقتصادية حول العالم، بما يمكّنها من تطوير دورها الإيجابي، والانخراط بشكل أكبر في سورية، البلد الذي يشكل الوضع الراهن فيه أحد أعقد الأزمات على المستوى العالمي، وذلك من خلال ترجيح كفة السلام والاستقرار وإعادة الإعمار، وهي التي وقفت إلى جانب قضايا سورية العادلة عبر التاريخ، وأثبتت حضوراً لافتاً إلى جانب دمشق في وجه محاولات الغرب أخذ سورية إلى المجهول وتحويلها إلى صومال وأفغانستان جديدتين، ذاك الموقف برز من خلال استخدام بكين حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن عام 2012 و2017 و2020.

اهتمام الرئيس الصيني الواضح بتفاصيل الزيارة، وإرساله طائرة رئاسية خاصة إلى دمشق، وهو حدث نادر أن يحظى به أي من ضيوف بكين، تحمل دلالات سياسيّة لافتة، إضافة إلى الاستقبال الرسمي الذي حظي به الرئيس الأسد منذ وصوله أرض المطار وتدابير المراسم والأمن المواكبة للزيارة، يعكس مدى اهتمام بكين بضيفها، وليشكل مجمل ذلك رسائل إلى أعداء سورية بأن العلاقات السورية – الصينية التي بدأت قبل 67 عاماً، ذاهبة نحو الازدياد، وبأن أي تدابير أحادية ضد دمشق من حصار وإرهاب غير قادرة على قطع طريق الحرير بين البلدين، الأمر الذي أكدته أول من أمس المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، بقولها: «نعتقد أن زيارة الرئيس بشار الأسد ستؤدي إلى تعميق الثقة السياسية المتبادلة، والتعاون في مختلف المجالات بين البلدين، والارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى آفاق جديدة».

إذا كان البعض يحاول التعميم بأن الغرب هو العالم، فإن من المؤكد أن مباحثات الرئيس الأسد مع نظيره الصيني، وما سيتم خلال الزيارة من مناقشات وتوقيع اتفاقات اقتصادية، أو إعادة إحياء ما تم توقيعه سابقاً، إضافة إلى ما سبق زيارة الرئيس الأسد، من لقاءات جرت بين الرئيس شي مع قادة وزعماء عالميين، يؤكد أن العالم ليس الغرب فقط بل هناك قوى توازي التكتل الغربي وتتفوق عليه في جوانب عدة، مثل تجمع «بريكس» و»G77+ الصين» وتجمع «روسيا- إفريقيا».

وإذا كانت دمشق تنظر إلى انخراط الشركات الصينية في عملية إعادة الاعمار، والولوج أكثر في قطاعات الطاقة والصحة، والتفافها على العقوبات الأميركية وما يسمى «قانون قيصر»، واتخاذ سورية قاعدة رئيسية للنشاط الصيني في شرق المتوسط، فإن زيارة الرئيس الأسد تأكيد من دمشق على ثبات خطها السياسي وتحالفاتها الدولية، ورسالة بأنها تعول على التغير في موازين القوة في العالم، بوصفه رافعة للوضع في سورية، تنقل الأوضاع من القطيعة إلى التواصل، ومن الدمار إلى البناء والتنمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن