زيارة الرئيس الأسد إلى الصين.. النيات الحاسمة للمنفعة المشتركة
| لندن- البروفيسور مكرم خُوري- مَخّول
نقترح لفهم دعوة وزيارة واستقبال الرئيس بشار الأسد إلى الصين، تبنياً للأنموذج العمودي الذي تتمركز فيه ثلاث حلقات: من الأعلى حلقة العلاقات الدولية، وفي الوسط حلقة العلاقات الإقليمية، وفي القاعدة الحلقة الوطنية الداخلية.
لا تأتي زيارة كبيرة الأهمية في الساحة الدولية مثل هذه الزيارة الريادية، إلا وتتكون لبناتها من أهداف متعددة ومتنوعة، كانت استغرقت دراستها لفترة طويلة، منها ما هو بارز للعيان ومنها ما هو ليس معلناً، ولن يكون في الأمد المنظور وذلك للحرص على الإنجازات.
للزيارة عوامل قوة «Power» متعددة تبرز في مشهد حدث الزيارة، ومنها قوة المشهد «pectacle of the Event» فيشار إلى أن إرسال الرئيس الصيني طائرة رئاسية خاصة تقل الرئيس الأسد والسيدة الأولى إلى الصين العظمى، كدلالة إلى الأهمية التي تضمرها الصين لاستضافة الرئيس السوري وحاجة الصين إلى سورية الآن ومستقبلاً، ما يعني أن الصين وضعت كل ثقلها أمام أي محاولة لشن حملة إعلامية سلبية، ووفرت الحماية أمام أي مكيدة تجسسية أو أكثر من ذلك ضد الزيارة بكل ما يتعلق بفرض العقوبات غير القانونية ضد سورية والحصار المفروض عليها وعلى شخص الرئيس.
في هذا القرار، لا تكون الصين قد كسرت الحصار على سورية متحدية الـ«ناتو» فحسب، بل أيضاً يبرز تصميمها على مساعدة سورية للخروج من حصارها السياسي وأزمتها الاقتصادية ولكسر العزلة الأنجلو-أميركية المفروضة عليها.
إن مشهدية الحضور المهيب للرئيس الأسد وعقيلته، وحفاوة الاستقبال والاهتمام بهذه الزيارة الرسمية من الجانب الصيني المضيف تجلت في السجاد الأحمر والإعلام وحرس الشرف والأطفال والورود والموسيقا وحرارة الابتسامات، ليس فقط يضفي رفعة هذه الزيارة «High Profile» بل تزيد من منح سورية وشخص الرئيس الأسد شرعية دولية على أنه هو الرجل الذي صمد ولم تستطع حرب الـ«ناتو» لمدة 13 عاماً عزله، وهو الشخص الذي تم انتخابه مجدداً، وهو الذي يقود وسيقود البلاد مستقبلاً وبفرض ضرورة التعامل معه كرجل الدولة الأول في سورية.
في سياق العلاقات الدبلوماسية، تأتي زيارة الرئيس الأسد إلى الصين أولاً لكي تثبت مدى العلاقات المتينة بين البلدين، وثانياً للعمل على تطوير وتعزيز العلاقات على مختلف الصعد التجارية والاقتصادية والثقافية التي تهدف إلى جلب الفائدة إلى سورية ورفع مكانتها الدولية كجزء من عملية التعافي بسبب الحرب الإجرامية الكونية عليها.
الصين قررت مراراً، مع روسيا الاتحادية، فرض حق النقض الفيتو ضد قرارات مجحفة تآمرية بحق الدولة السورية في دزينة الأعوام المنصرمة، واختارت بذلك صد الهيمنة الـ«ناتوية» ضد سورية والإقليم، واختارت الصين المعايير التي تناسبها على المستوى الدولي، وبالمقابل ساهمت سورية بأن تكون الدولة التي ساعدت الصين وروسيا على إنهاء سيطرة عالم القطب الواحد، فارضة عالماً متعدد الأقطاب، تشكل فيه الصين إلى جانب روسيا سداً منيعاً أساسه الدولة السورية نتيجة جغرافيتها السياسية المميزة، وتسخيرها جغرافيا الاقتصاد لمصلحة القرارات السياسية، وخاصة في مرحلة يقوم فيها الـ«ناتو» بشن حرب شعواء ضد روسيا في أوكرانيا لتوسيع نطاق نفوذه في تلك المنطقة ولغاية القطب الشمالي، والتنازع على موارده الطبيعية ولاسيما احتياطي الغاز.
إن الحلقة الإقليمية تتكون من عدة «بؤر نزاع» وقضايا قومية شائكة أبرزها قضية فلسطين التي لم تستطع إلى الآن روسيا والصين حلحلتها، وفرض حلّ عبر الشرعية الدولية لاستعادة الحق الفلسطيني، وفقط إن بقيت سورية الجارة الداعمة الأولى للحق الفلسطيني، فربما يرى هذا الحق النور، لأن كل أذى أصاب فلسطين كان قد أصاب سورية، والعكس صحيح، فعندما اعترف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس المحتلة عاصمة للاحتلال الإسرائيلي الغصب، ونقل السفارة من تل أبيب، شمال يافا، إلى القدس، كان قد أصدر اعترافا بـ«شرعية» الاحتلال الصهيوني على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
وعليه فإن توطيد العلاقات الروسية- الصينية- السورية- الإيرانية، قد تكون ضامناً لدعم أكبر للحق الفلسطيني، في مرحلة تمر فيها فلسطين في الذكرى الـ75 لاحتلالها ونكبتها المستمرة، وعبر أكبر تحديات يواجهها شعبها المنتشر في كل بقاع الأرض.
محور القوة الآخر هو محور القوة الاقتصادية، إذ ستدخل الصين وسورية في اتفاقيات ثنائية بعد أن توافقتا في اتفاقيات دولية، وهذه المعادلات من العلاقات على المسرح الدولي تقوي مجموعات «بريكس» و«منظمة شانغهاي»، فهي مسألة وقت حتى تتم دعوة سورية للانضمام لصفوف هذه المنظمات.
إن الصين بتطورها الاقتصادي والتكنولوجي حول العالم كفيلة، كواحدة من الأصدقاء الذين وقفوا إلى جانب سورية، بالمساعدة في إعادة الإعمار، وبالتالي تؤثر في تصرفات دول أخرى تجاه سورية.
وعلى الصعيد الإقليمي فإن وساطة الصين ما بين إيران والسعودية إضافة إلى تمددها الاقتصادي في إفريقيا، يجعل منها دولة عظمى «غير عدوانية» تنافس الولايات المتحدة وبذلك فهي أيضاً بحاجة إلى سورية لتكوين مركز وطريق آمن في طريق الحرير ومناطقه المترابطة.
أما على الصعيد المحلي فستؤثر هذه الزيارة بداية في المزاج الشعبي السوري والرأي العام المحلي إيجاباً، وذلك بسبب مخططات الرئيس الأسد لاتخاذ قرارات تغير الأحوال الاقتصادية وانعكاسها على تحسين الوضع المعيشي في سورية.
والناحية المحلية المرتبطة بالإقليم والحلبة الدولية تجلب موقفاً حاسماً بكل ما يتعلق بمحاولات تجديد العدوان واستعمال أدوات قديمة جديدة لزرع الزعزعة الإضافية في الجزيرة السورية وفي درعا والسويداء.
إن هذه الزيارة وبسبب الرموز السيادية التي تفرضها عبر الشاشات، إنما هي زيارة احترام وتقدير ليس لشخص الرئيس الأسد فحسب وإنما لكل الشعب السوري الذي عانى وصمد خلال المرحلة المنصرمة، ومن شأن هذه الزيارة إنعاش نفسية الشعب السوري الذي أثبت رئيسه رغم الحصار الخانق والقطيعة السياسية، أنه رئيس يقتدى به، وذلك لأنه قرر الصمود والمخاطرة وعليه فالدعم النفسي- الاجتماعي الذي تقدمه الصين للرئيس الأسد في هذه الزيارة قد يؤثر إيجاباً في أدائه الوظيفي ويوفر شحنات طاقة إضافية.
إن الزيارات الرسمية هي نوع من أنواع الدبلوماسية السرية والعامة، تدمج العلاقات الرسمية بين الصين وسورية، كما أنه لها عامل خاص بين الرؤساء لصقل علاقات شخصية مبنية على الثقة، فرغم أنه بإمكان سورية كسب الكثير من التطور الصيني فلا شك أنه سيكون بمقدور الصين التعلم من التجربة السورية بشكل مباشر وغير مسبوق لأنها هي، الصين، ورغم حجمها وعظمتها، تتعرض أيضاً إلى أنواع مختلفة من الحصار والخناق عليها من محور الـ«ناتو»، وعدا أن العلاقات الصينية- السورية مبنية على الاحترام والتقدير، فإن التقارب الصيني السوري هو تقارب سيفيد الطرفين.
إن إخراج وتنفيذ زيارة رسمية كبيرة في هذا المستوى، يشير إلى نسبة التنسيق العالي بين وزارتي الخارجية وديناميكية العلاقات المميزة وإلى التخطيط الراقي والتناغم في الأهداف لخلق حالة من «الربح للكل» وذلك لخلق أجواء إيجابية ستلقي بظلالها على الساحات الثلاث: الدولية والإقليمية والمحلية.
إذا ما قارنا هذه المعادلة بالمعادلة التي كان من المخطط لها الحدوث من الـ«ناتو» وهي «المعادلة الصفرية»، فكل المؤشرات تدل على أن سورية ستأخذ بالتعافي ولن يطول الزمن.