عصام حتيتو… الفن والمعيار من منبج إلى أرجاء سورية وصولاً إلى موريتانيا .. كانت قضايا التحرر الوطني هاجسه الأول
| مايا سلامي
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان «عصام حتيتو.. الفن والمعيار»، تأليف محمد جمعة حمادة، تقع في 184 صفحة من القطع الكبير، وتسلط هذه الدراسة الضوء على حياة الفنان عصام وبيئته وأعماله، مصغية بمجموع معارفه وخبراته ملتمسة ظلالاً من كشوف ورؤى، مستجيبة لدعوات وإيحاءات.
ويتألف هذا الكتاب من مقدمة وسبعة فصول، كان الفصل الأول تحت عنوان «أسئلة الفن والحياة»، حيث عرض جولة في عالم الفن التشكيلي وتحدّث عن كثير من الفنانين التشكيليين العالميين وتساءل عن تعريف الفن. والفصل الثاني «الحقيقة والفن»، يتناول التحديات التي تواجه الثقافة العربية في العصر الحديث، والفراغات الثقافية في الأمة العربية ثم تجربة الغربة لدى الفنان عصام حتيتو وطرح التساؤل عن الثقافة ودورها في مواجهة الأزمة السورية. الفصل الثالث «محطات مبعثرة»، فيه عرض لبعض الصور من حياة عصام حتيتو وتجربة الدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة في لينيغراد بالإضافة إلى الحديث عن بعض الفنانين التشكيليين الروس ثم عودة عصام إلى سورية والتدريس في المعاهد الفنية. الفصل الرابع «بهجة الحياة الفن»، حيث الحديث عن بداية دراسة الفنان عصام حتيتو في بلدته منبج ثم الانتقال إلى حلب وتعرفه إلى كبار الفنانين التشكيليين والحديث عن فنه وانطلاقته الفنية في الفن التشكيلي تعبيراً عن حالاته النفسية وانتهاجه في رسوماته للتعبير عن قضايا التحرر الوطني. الفصل الخامس «الآن هنا ذاكرة المكان»، الذي يعرض حياة الشيشان والشركس وهجرتهم من بلادهم وتوزع سكناهم في سورية ثم ذكر المدن التي عاش فيها حتيتو ابتداء من منبج وصولاً إلى موريتانيا وأثر ذلك في رسوماته. الفصل السادس «من كروم الجمال»، فيه استعراض عشر لوحات من رسومات عصام وتحليلها. أما الفصل السابع «وجهاً لوجه مع عصام حتيتو» فيتناول حواراً مع الفنان حتيتو حول الحياة والسياسة والثقافة والأساطير والحرب والفن التشكيلي والذاكرة والمرأة والمدارس التشكيلية والهوية الفنية الخاصة.
فن جميل
وفي البداية يتحدث الكاتب عن الرسم عموماً بوصفه فناً جميلاً يقودنا إلى الرسوم الحكومية الخاصة بتحصيلها مثل الضرائب والجمارك والعبور والمرور في الطرق، دون محاولة الهروب منها أو الإخلال بحق الرسوم، أي رسوم بالرفرفة فوق رايات الأوطان والسفن والسجون وسيارات ذي الشأن.
ويبين أن الرسم في علم المنطق هو تعريف الشيء بخصائصه ويطلق أيضاً على تمثيل شيء أو شخص أو موقع جغرافي أو موقعة تاريخية، والرسم في واحد من حالاته المتعددة يعني الأثر الباقي من الأحقاب الماضية أي بعد أن غفت وانتهت عهودها.
ويكشف أن اللوحة المسنديّة قدمت نفسها من جهة التصور الجمالي على أنها الصورة الصالحة عملاً بقول ليوناردو دافينشي إذ يشدد بأن التصوير هو مثل أي شيء آخر شأن أو قضية عقلية، وهو ما يتابعه الدارس في مراجعة مجهودات الفنانين التشكيليين المتتابعة والمتراكمة منذ القرن السادس عشر التي قامت على تصوير دقيق صحيح بالمعنيين الوصفي والتعبيري للمشهد الطبيعي أو الهيئة الإنسانية.
محطات مختلفة
ويستعرض محمد جمعة في دراسته محطات مختلفة من حياة الفنان عصام بدءاً من طفولته التي اتقدت فيها شرارة فنه الأولى وقد ورد ذلك عن لسان حتيتو، فيذكر: «كنت في الخامسة من عمري فأخذت أعبث بكتب ودفاتر الأولاد الغائبين وفجأة لفت انتباهي رسم يصوّر الشكل المشابه للإنسان، وهو عبارة عن دائرة فيها نقاط تعبر عن العيون والأنف والفم وخط يمثل الرقبة وخط الكتفين، ولكنني رأيت فيه شيئاً جميلاً ومن يومها أصبحت أمارس الخربشة بالقلم، ولم أكن أدري أن هذا اليوم كان انطلاق الشرارة الأولى لموهبتي وتعلقي بالرسم».
كما يتحدث هنا عن تأثر فنه بعدوان الخامس من حزيران عام 1967 عندما نفذ لوحة استخدم فيها تمثال الحرية الأميركية، محولاً المرأة حاملة مشعل الحرية إلى مصاصة دماء ذات فم مفتوح ونابين معقوفين تحمل بيدها قذيفة واليد الأخرى تمتد إلى كتفها الذي يجلس عليه بوم مشؤوم على صدره نجمة داوود في إشارة ورمز إلى الشراكة في العدوان بين أميركا وإسرائيل، وقد نالت هذه اللوحة إعجاب الآخرين وتطور الحال معه فأصبح يسعى وراء الرسم والفن ويطالع كتباً فنية لكبار فناني عصر النهضة والانطباعيين وكل مرجع يجده حتى بلغ مرحلة جيدة في مهارة الرسم واللون.
لقاء مع عصام
ويورد الكاتب في دراسته لقاء جمعه مع الفنان عصام حتيتو وصف خلاله رحلته إلى عالم الفن التشكيلي، قائلاً: «طريق في عوالم الجمال والإبهار ملؤه الصعاب والشقاء والعذاب، ولكن يبقى عذاباً وشقاءً ممتعاً وجذاباً رغم صعوبته لأنه في النهاية عندما يحقق الإنسان أهداف موهبته في بلورتها ووصولها إلى ساحة الفن ببصمته وتميزه يكون قد نسي كل الأهوال وعاش ضمن مفهوم الفن متعة وهذا شعاري طوال رحلتي مع الفن».
وذكر عصام أسماء الذين ساندوه وقدموا له خلاصة تجاربهم الروحية أو الثقافية والاجتماعية: «قبل دراستي في الأكاديمية الاسم الوحيد الذي وقف إلى جانبي وقدم لي المراجع والكتب الفنية والنصائح هو الفنان غياث الناصر من خلال فتح مرسمه ومكتبته الفنية وأما في روسيا فكانت هناك كل معاني الفائدة التي حصلت عليها من الأكاديمية وعدد كبير من الأساتذة والمتاحف العظيمة والاحتكاك بالطلاب وفهم عميق للمدرسة الروسية كل هذا كان وراء وصولي إلى ما وصلت إليه».