ثقافة وفن

معرض تشكيلي في خان أسعد باشا … سوخوف لـ«الوطن»: الأعمال تهدف إلى مساعدة مركز علاج الأطفال بالفن

| مصعب أيوب

الفن يتجاوز اللغة ويتحدث لأعماق أعماق أرواحنا ويقدم الراحة ويعزز التفاهم، ولا بد الفن من أن يحدث تأثيراً عميقاً في أنفسنا، ولأن الفن معني كباقي القطاعات بالأعمال الخيرية أقيم مساء السبت الماضي برعاية وزارة الثقافة والمكتب الإقليمي للاتحاد العربي للتجارة الإلكترونية معرض فني ومزاد لأعمال نخبة من الفنانين السوريين نظمه المركز الثقافي الروسي بدمشق بالتعاون مع مجتمع المبادرة السورية التطوعية ليعود ريعه إلى مركز العلاج بالفن ومؤسسة «حب أمل حياة من أجل السلام» وذلك في خان أسعد باشا عند الساعة السابعة.

دعم مادي

في حديث خاص لـ«الوطن» شدد مدير المركز الثقافي الروسي نيكولاي سوخوف على أن الحلم الذي كان يراود إدارة المركز منذ زمن هو جمع الفنانين التشكيليين السوريين في مكان واحد وهو ما ننفذه اليوم ونحققه، وبالتأكيد بدعم حكومي سوري ممثلاً بوزارة الثقافة، وقد تلاحمت الجهود من أجل ترتيب وتنظيم هذا المعرض لغرض خيري بحت، فمن خلال بيع بعض الأعمال سيتم تحويل مبلغ من المال لمساعدة مركز معالجة الأطفال بالفن ونحن على اطلاع مباشر بأعمال هذا المركز وتربطنا صلة وثيقة به ولابد لنا من أن نقيّم عملهم ومساهماتهم ولا بد من تقديم الدعم المادي بكل تأكيد.

تجارة إنسانية

رئيس الاتحاد العربي للتجارة الإلكترونية الأستاذ محمد فرعون أوضح في تصريح لـ«الوطن» أن مشاركتهم في المعرض تأتي كرعاة ذهبيين وقد يكون مضمار عملهم بعيداً بعض الشيء عن موضوع الفن ولكن أي منظمة بطبيعة الحال يجب أن يكون أحد اهتماماتها المساهمة في العمل الخيري وهو ما ننتهجه في مؤسستنا، وتابع: بطبيعة الحال يجمعنا تعاون مشترك مع المركز الثقافي الروسي فمن الطبيعي أن تنتج عنه تعاونات مثمرة وبناءة وبالتأكيد أن هذه التعاونات والشراكات ستتجدد ولن تتوقف.

وعن التجارة الإلكترونية أوضح فرعون أنها ليست جافة وجامدة بل فيها كثير من الإنسانية ولكن تحتاج لبعض اللوائح الناظمة والضوابط التي تشرع عمل تطبيقات هذه التجارة خوفاً من تحولها إلى شكل سلبي ينعكس على القطاع الاقتصادي بوجه عام.

تظاهرة فنية

كما بين مستشار المركز الثقافي الروسي الدكتور علي الأحمد أن الثقافة هي من تنقل صورة الشعوب والحياة، ووجودنا اليوم في هذا الصرح الحضاري والتاريخي وأحد معالم مدينة دمشق في تظاهرة فنية فريدة ومميزة لا بد له من أن ينتج مجموعة رسائل تكمل بعضها البعض وتتقاطع مع نفسها وهي تجري في سياق مشترك وهو الوصول للإنسان.

وأشار إلى أن المركز يولي ذوي الاحتياجات الخاصة اهتماماً متميزاً ولاسيما عبر العلاج بالفن من خلال إبرام الشراكات مع المؤسسات التي تعنى بهذا المجال من أجل تقديم هذا الواجب الذي لا نتفضل به على أحد بل هو حق لهم علينا وعلى المثقفين والتشكيليين.

أمل حب حياة

استهلت مديرة فريق المبادرة السورية التطوعية شام الكزبري حديثها بالقول: في هذا الحدث الاستثنائي نجتمع اليوم وسط دمشق بخليط من الإبداع والعطاء لننطلق برحلة تتجاوز القماش والألوان والريشة، فنحن نحتفي اليوم بالقوة الصامدة الطامحة نحو الأمل وفن العلاج.

كما أشارت شام إلى أن الزوار لا يجسدون فقط ذواقي الفن ومحبيه وإنما هي شهادة عن الالتزام بتأمين مستقبل أفضل لجميع أطفال هذا البلد.

وبينت الكزبري أن كل لمسة في اللوحات المعروضة تروي قصة صمود وكل لون يحرك مشاعر وأحاسيس لا يمكن أن تعبر عنها الكلمات بحيث إن كل قطعة فنية تحمل معها جزءاً من روحنا الجماعية.

وتابعت إن المعرض يثبت قدرة الفن على أن يكون عنصراً فعالاً في الشفاء من خلال دعمنا لمركز العلاج بالفن بدمشق ومؤسسة «أمل، حب، حياة»، فهذه منظمات تدعم فكرة العلاج بالفن في سعيها الدؤوب لتقديم الأمن والأمان للأفراد والأطفال الذين تعرضوا للصدمات أو كانوا ضحايا صراعات أو عانوا الفقدان والحرمان فتقوم تلك المنظمات بدمل جروح القلوب وتعيد بناء الأرواح المحطمة.

وأردفت: إن الحدث الذي يحتضنه هذا الصرح العريق يهدف أيضاً للترويج لأعمال الفنانين المشاركين وإن كان معظمهم بغنى عن الدعم أو التسويق فالجميع أسماء كبيرة ولها أهميتها في الساحة التشكيلية.

الفنان سفير لبلده

من جانبه الفنان ناثر حسني أكد أنه شارك بعمل واحد في المعرض كما باقي المشاركين تلبية للدعوة الكريمة التي نظمها المركز الثقافي الروسي، وعن عمله أوضح أنه حي من أحياء دمشق القديمة وهو الجسر الأبيض وفيه المدرسة الماردانية التي أنشأتها العزيزة أخشاخاتون زوجة الملك عيسى الأيوبي، وركز على ضرورة أن يتبع كل فنان لوحته في الجانب الخلفي منها ببعض المعلومات التي تفيد المشاهد عن محتويات اللوحة وشروحات لما تحمله من معان وتحديداً إذا كان المضمون كهذه اللوحة يروي قصة حي شعبي أو منطقة أثرية أو سكنية لكي يستذكر المشاهد تلك اللحظات بتأمله لهذه اللوحة ولا سيما أن اللوحة لن تموت بموت صاحبها أو مقتنيها ولا بد من أن يعرف الناس كل شيء عنها.

وركز حسني على أن حبه لمدينة دمشق خلق بداخله حباً لتجسيدها بمعظم لوحاته ولو برموز صغيرة وغير واضحة تماماً فهي مدينة التاريخ والعراقة عالمياً وليس محلياً فقط، ولأن الفنان سفير لبلده ولا بد أن تحمل لوحاته عطر بلده فكان لا بد من أن يسهم في دمج ما يوحي إلى دمشق بجل أعماله.

علاقة أسطورية

أنا شاركت في هذا المعرض تلبيةً لدعوة أحد الأصدقاء الزملاء وإنه لمن دواعي سروري المشاركة بهذه التظاهرة لأن ريعها سيعود للمعالجة بالفن، هذا ما أخبر به الفنان غسان صافية الذي شارك بعمل من الرخام حفره ببراعة ليجسد معاناة المرأة وعلاقتها بالخصوبة، ولاسيما وهي في أشهر حملها الأخيرة والتي رغم كل ما تعيشه وتمر به لا تزال تشمخ برأسها عالياً وتتصل بالسماء ناظرةً إلى القمر كنوع من المناجاة بينهما بحيث إن هناك علاقة أسطورية بين المرأة والقمر وهو معروف تماماً للمهتمين بالأساطير البابلية فهو في خلاصة الأمر ربط بين الماضي والحاضر وإسقاطه على الواقع المعاصر المعاش.

كما بين صافية أن سبب انقطاعه عن المشاركة مؤخراً في كثير من المعارض هو انشغاله بأعمال ضخمة ومهمة وقد تم إنجاز بعض منها ومن المقرر أن تأخذ مكانها قريباً في ساحات الوطن بالتنسيق مع الجهات المعنية.

خليط من المشاعر

كما كان من بين المشاركين الفنان موفق مخول الذي تحدث عن لوحته منوهاً أنها تحمل في عمقها رموزاً لأشخاص سوريين يجسدون واقع الحياة السورية بخليط من المشاعر، حزن وهجرة وفقدان وضياع، ولا بد أن يتخلل ذلك الفرح بكل تأكيد، فالعمل ينخرط بالإنسان السوري وبمشاكله.

وأكد مخول أن المشاهد العادي لا يمكنه أن يستنبط المعاني التي يرمي إليها الفنان وإنما يفسرها حسب الحالة النفسية التي يعيشها فربما كان فرحاً سعيداً فسيراها أشخاص تتراقص وتلهو، وأكد أن العلاقات الإنسانية مبنية أساساً على المشاعر ولا يمكن إيضاحها واستبيان فحواها بطريقة اعتباطية.

كما شدد على أن وجود الإنسان أو ما يرمز للإنسانية في أي عمل فني يزيده أهمية فإن اللوحات التي ترتكز على الطبيعة أو الأحياء السكنية وما إلى ذلك لا تحمل عمقاً كبيراً وتكتفي بالطبيعة الصامتة على حين أن اللوحات التي يكون أساسها الإنسان تعج بالمشاعر والأحاسيس والكثير الكثير من الأسرار التي يحملها البعد في العمل الفني.

وفي الختام أفاد بأنه في خضم النزاعات والصراعات ربما يغفل البعض عن دور وأهمية الفن، ولكننا اليوم في هذا المعرض نبرهن أن الفن ليس فقط حالة تعبيرية ووجدانية بل هو حبل نجاة وشهادة ممهورة بختم الحياة الجميلة بوسط الحطام والفوضى والعبثية وانعكاس لصمود الروح البشرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن