بعد رحلة طيران دامت 11 ساعة متواصلة على متن الطائرة الرئاسية التي أرسلها الرئيس الصيني خصيصاً إلى دمشق، وصل الرئيس بشار الأسد ترافقه عقيلته السيدة أسماء إلى مطار خانجو في أول زيارة رسمية للصين منذ نحو عقدين.
حفاوة الاستقبال بالرئيس الأسد والاهتمام بأدق التفاصيل واستعراض ثلة من الحرس الرئاسي، كانت تدل على اهتمام صيني رسمي لافت، وأن الدعوة الموجهة للرئيس الأسد تتعدى افتتاح دورة الألعاب الآسيوية المقامة في الصين، وأن الزيارة ستحمل أبعاداً سياسية واقتصادية إستراتيجية ونتائج ملموسة في مختلف مجالات التعاون بين سورية والصين.
وبالفعل استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ نظيره السوري والوفد المرافق وعُقد اجتماع موسع بين الطرفين بُحث خلاله مختلف مجالات التعاون، كما جرى الإعلان عن توقيع معاهدة التعاون والشراكة الاستراتيجية بين الصين وسورية.
في بداية الاجتماع توجّه الرئيس الأسد بالشكر للرئيس شي وللحكومة الصينية على ما بذلته بكين من مساع حثيثة لدعم الموقف السوري في المحافل الدولية، لمساندة سورية والوقوف إلى جانب الشعب السوري في قضيته ومعاناته المريرة، متمنياً للشعب الصيني المزيد من الانتصارات العلمية والحضارية والإنسانية، مشيراً إلى أهمية توقيت زيارته للصين وظروفها، وخصوصاً في ظل تشكل عالمٌ مُتعدد الأقطاب، من شأنه ان يُعيد إلى العالم التوازن والاستقرار، ونحن من واجبنا جميعاً التقاط هذه اللحظة من أجل مستقبلٍ مُشرق وواعد.
وعبّر الرئيس الأسد عن سعادته لزيارة الصين التي تقف مع القضايا العادلة للشعوب منطلقة من المبادئ القانونية والإنسانية والأخلاقية، التي تُشكل أساس السياسة الصينية، المبنية على احترام استقلال الدول وإرادة الشعوب، كما أكد الرئيس الأسد أن سورية ترفض محاولات إضعاف الدور الصيني دولياً، مؤكداً أنّ سورية تتطلع بتفاؤل إلى دور الصين الفاعل والبنّاء على الساحة الدولية.
من جهته بادر الرئيس الصيني شي بالقول للرئيس الأسد: أحيي صمودكم، لقد دافعتم عن بلدكم بصلابة وشجاعة ونحن في الصين نتابع عن قرب كل ما يجري في سورية، ونحن معكم وإلى جانبكم، وأضاف: إنّ بكين مُستعدّة لتطوير التعاون مع سورية في سبيل الدفاع المشترك عن العدالة الدولية في ظلّ ظروف عدم الاستقرار.
الاجتماع بين الوفدين الصيني والسوري نتج عنه إعلان إقامة علاقاتِ شراكةٍ إستراتيجية، ما يعتبر حدثاً مفصلياً مهماً في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين.
الرئيس الصيني قال إنّ سورية تُعدّ من أوليات الدول التي أقامت علاقاتٍ مع الصين الجديدة، مضيفاً إن سورية أيدت مشروع قرار استعادة الصين لمقعدها في الأمم المتحدة، مشدداً على أنّ العلاقات السورية الصينية بقيت متينة أمام متغيرات الأوضاع الدولية منذ 67 عاماً وما زالت الصداقة بين البلدين راسخة، وختم الرئيس شي معلناً عن سعي بلاده لبذل الجهود اللازمة والدعم الثابت لتعزيز التعاون بين البلدين من أجل الدفاع عن العدالة والسلم الدوليين.
لا ريب بأن زيارة الرئيس الأسد إلى الصين تعتبر تاريخية بظروفها وتوقيتها ونتائجها، كما أن الزيارة ستؤدي حتماً إلى تفعيل الدور الصيني في سورية وخصوصاً في مجال إعادة البناء والنهوض مجدداً بالاقتصاد السوري المنهك، جراء العقوبات الأميركية الجائرة المفروضة ولاسيما قانون قيصر.
مما لا شك فيه أن اختيار الصين لسورية لم يأت عن عبث، بل جاء بعد دراسات صينية معمقة للموقع الجيوسياسي المهم لسورية، ولأن سورية تعتبر قلب العالم العربي، وهي عقدة الحل والربط لأزمات المنطقة، ولأن سورية صمدت بوجه المؤامرة الأميركية الغربية الظالمة، رغم الأهوال والكوارث التي حلت بها، ولأن الصين تدرك مدى أهمية الشراكة الاستراتيجية بين سورية وروسيا من جهة، وبين سورية وإيران من جهة أخرى، الأمر الذي يشكل مثلث المواجهة ضد المخططات الأميركية الهدامة للمنطقة، ولأن الشراكة الصينية السورية الاستراتيجية من شأنها تعزيز ورعاية هذا المثلث للمساهمة في كسر الهيمنة الأميركية وبناء عالم متعدد جديد.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي، زار موسكو قبل أربعة أيام من زيارة الرئيس الأسد للصين وذلك للتباحث والتنسيق في مجال التعاون بشأن الملف السوري، وقد شارك وانغ في توقيع الاتفاقات المبرمة بين سورية والصين.
البيان المشترك الذي صدر عقب الاجتماع الموسع في خانجو، يظهر مدى ثبات الموقف السوري لجهة التزامها بمبدأ الصين الواحدة، وبأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة التي تمثل الصين بأكملها، وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وأن سورية تدعم جهود الصين للحفاظ على سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها، وفي خطوة مهمة أكد الموقف السوري الداعم لموقف الصين في المواجهة ضد محاولات أميركا فصل جزيرة تايوان عن البلد الأم.
وفي بيان الشراكة الإستراتيجية السوري الصيني: أعلنت الصين صراحة رفضها المطلق قيام القوى الخارجية بالتدخل في الشؤون الداخلية لسورية والمساس بأمنها واستقرارها، كما أن الصين ترفض الوجود العسكري غير الشرعي في سورية، أو القيام بالاعتداءات العسكرية فيها، أو نهب ثرواتها الطبيعية بطرق غير شرعية، ويحث الدول المعنية على الرفع الفوري لجميع العقوبات الأحادية الجانب وغير الشرعية على سورية، في موقف صيني واضح رافض للوجود الأميركي في سورية الهادف إلى فصل منطقة الجزيرة شمال شرق سورية وسرقة ونهب ثرواتها الطبيعية والغذائية.
كما أعلن الجانبان الصيني والسوري رفضهما بشكل قاطع الهيمنة وسياسة القوة بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك فرض عقوبات أحادية الجانب وإجراءات تقييدية غير مشروعة على الدول الأخرى، ويدفعان بإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية، ويعملان يداً بيد للمساهمة في بناء نظام عالمي متعدد وتدعيم أسس العدالة والأمن المشترك وذلك لما فيه خير البشرية.
لا غلو بالقول إن الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية بين الصين وسورية، سيولد مفاعيل جديدة، من شأنها منح سورية الفرصة للانضمام إلى مجموعة دول البريكس ولو في المدى المتوسط، الأمر الذي سيعطي زخماً إيجابياً ليس لسورية فقط، إنما لمنطقة أوراسيا وغرب آسيا كما لمجمل المنطقة العربية.
إن المنطقة ما بعد زيارة الرئيس الأسد إلى الصين لن تكون كما قبلها، وأن العالم مقبل على مقاربة إستراتيجية جديدة قائمة على التعدد الذي يسوده العدل والمساواة لخدمة البشرية وبأن الصين بهدوئها ورزانة سياستها الملتزمة بالقوانين الدولية، ستشكل المظلة الواقية الراعية لعالم جديد، وخصوصاً للدول النامية التي تعاني من ظلم وسطوة الإدارات الأميركية الظالمة.
في الختام لا بد من الإشارة إلى ما أوردته مجلة «فورين بوليسي» بوصفها المحاولات الأميركية لكبح جماح الصين وتطورها التكنولوجي بالمحاولات الحمقاء، كما شبهت المجلة السياسة الأميركية الهادفة لإبطاء تطور وتقدم الصين، كمن أغلق باب الحظيرة بعد فرار الحصان.
إن الصين بدعوتها للرئيس بشار الأسد قد أطلقت العنان نحو عالم جديد متعدد اقتصادياً وسياسياً وأن العالم بات اليوم ينظر إلى سورية بعيون صينية.