اعتاد الناس أن يتحدثوا عن أشخاص أثروا في حياتهم.. في أغلب الأحيان يأتي بعد الوالدين شخصيات عامة أو معلمون تتلمذوا في مدارسهم أو تعلموا منهم أصول المهنة.. وفي السياق ذاته هناك شخصيات استطاعت أن تعلّم أجيالاً في مهن فكرية أو عملية وفي قطاعات شتى ودوماً ما يذكر هؤلاء الأشخاص بالخير.
المسألة ليست مجرد وفاء لأشخاص لهم فضل علينا بل هي نمط تفكير يعترف بالعلم والحاجة للتعلم، وبالمقابل هناك قلة لا يجدون فضلاً لأحد عليهم بالعلم ولا بغيره.
كل منا يستطيع الآن أن يذكر أشخاصاً أثروا فيهم ولهم فضل عليهم.. لكن هذا الأمر بدأ يتناقص وأظن أنه آخذ بالتناقص تدريجياً إلى أن ينتهي، والسبب أن الأستاذ الجديد وصاحب الفضل على الجميع هو الإنترنت.
الموضوع هنا متشعب، فلا شك أن مستوى اعتمادنا على الإنترنت أصبح كبيراً ويكاد يشمل معظم نواحي حياتنا، ففي بداياته كان استزادة وإثراء لمعلومات في جوانب مختلفة، الآن يكاد يختصر كل شيء نتعلمه، بل الأخطر من ذلك كل شيء نعلمه من باب الخبر والحدث.
معلم العالم الآن هو الإنترنت بكل برامجه وتطبيقاته واستخداماته، ومن أبرز تأثيراته أنه أصبح الجزء الأكبر من الحياة والعمل.
كثير منا أصبح أكثر كسلاً في حفظ المعلومات لأنها متوافرة بين يديه فلا داعي لتعب رأسه، وفي هذا تأثير كبير على السلوك البشري الذي يصبح شيئاً فشيئاً أكثر ميلاً للاعتماد على الأجهزة المتصلة بالإنترنت، وهناك دراسات وأبحاث تقدم إلى الجامعات معظم معلوماتها من الإنترنت، بل هناك كتب من تأليف الذكاء الاصطناعي، حيث ألفّ الذكاء كتاباً عن الدولة باللغة العربية، وهناك تعاون بين الذكاء والبشر في تأليف رواية يابانية تشارك الآن في المسابقات الأدبية.
الشيء الذي افتقدناه من التعلم الشخصي هي الروح التي يقدمها المعلم، لكن في الوقت نفسه الأستاذ الجديد لديه عقل بارد يعطيك المعلومة بلا تأثيرا ت صاخبة في العقل والعاطفة.
وفي هذا الوقت أصبح من السهل تعلّم عدة مهارات في قطاعات مختلفة فقط لمجرد أنك تمتلك الرغبة والوقت في التعلم، ولا شك أنه أقل تكلفة من تعلم الحرف بالطريقة التقليدية.
أستاذ العالم سيقدم لك ما تراه مناسباً، وسيمنح البعض الفرصة لإعداد أبحاث ودراسات جمع ولصق، وسيكون مثيراً جداً لو وجدت أشخاصاً في المستقبل لا يحفظون قصيدة شعر إلا من خلال شرائح إلكترونية تكون بمنزلة خزانة معلومات.
الجيل القادم ستسأله من له فضل عليك؟ سيقول غوغول أو جي بي تي.. وإن سألته من أستاذك الذي تتلمذت على يديه؟ سيقول لك الإنترنت، وإن سألته ما المدرسة التي تعلمت فيها أو الجامعة التي تخرجت فيها؟ سيقول لك سامسونج أو آيفون.
أقوال:
• كم يلزمنا من الذكاء لنخفي جرحنا باللغة.
• لا يمكن لمعدوم الذكاء أن يراه.
• المعلم لا يخلق الموهبة إنما يصقلها.