إقبال الصينيين على تعلم اللغة العربية … د. سلامي لـ«الوطن»: تستقبل جامعة بكين للدراسات الأجنبية في كل عام ما يقرب من ستين طالباً في كلية اللغة العربية
| مايا سلامي
يشهد تعليم اللغة العربية في الصين نشاطاً مكثفاً، حيث باتت الحكومة الصينية تولي اهتماماً واسعاً لتعليم هذه اللغة فأنشأت أكثر من 50 جامعة ومعهداً في الصين وأقساماً متخصصة لتدريس اللغة العربية وأولتها عناية فائقة، حيث استقطبت عدداً من الخبرات الأكاديمية والأساتذة المختصين بلغة الضاد من أعرق الجامعات العربية، كما حرصت على تحديث مناهجها باستمرار وإرسال طلابها في بعثات إلى عدة بلدان عربية لزيادة تعمقهم في أصول هذه اللغة الأصيلة.
إن تعليم اللغة العربية في الصين ليس وليد اللحظة فهناك مراجع كثيرة تتحدث عن تاريخ طويل للعربية في الصين، وتعتقد الأغلبية أن بداية تعليمها كانت مع بداية دخول الإسلام إلى الإمبراطورية الصينية قبل نحو 1300 عام حيث اقتصر تعليمها على المساجد لمئات السنين، حتى جاء المستعرب الصيني محمد مكين وأدرجها لأول مرة في مناهج التعليم العالي الصيني.
كما تعتبر مبادرة «الحزام والطريق» التي قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، من أهم العوامل التي أسهمت في تعميق التبادل الثقافي بين الحضارتين الصينية والعربية فشكلت فرصة ذهبية لدارسي اللغة العربية في بلاد التنين وانعكست إيجابياتها على واقع تدريس اللغة العربية في الصين.
الواقع الحالي
ومن أجل الحديث أكثر عن الواقع الحالي للغة العربية في الصين تواصلت «الوطن» مع الأستاذة في كلية الأدب العربي بجامعة دمشق الموفدة إلى جامعة بكين للدراسات الأجنبية الدكتورة سميرة سلامي.
حيث أكدت د. سميرة أن الجامعات الصينية والصينيين عموماً مهتمون بتعلم اللغة العربية فتستقبل جامعة بكين للدراسات الأجنبية في كل عام ما يقرب من ستين طالباً في كلية اللغة العربية، مشيرة إلى أنه تم إحداث كلية كاملة متخصصة باللغة العربية وليس قسماً فقط كما هو الحال مع بقية اللغات التي تدرس فيها والتي يصل عددها إلى نحو مئة لغة.
وعن سر اهتمام الصينيين باللغة العربية ودافعهم إلى ذلك، أوضحت أن ما يدفعهم في البداية لتعلم هذه اللغة هو ما يسمعونه عن الحضارة العربية في القديم أيام عز العرب وقوتهم، فتلك الحضارة أسهمت بشكل كبير في نمو وازدهار الحضارة الغربية في العصر الحديث، مشيرة إلى أن الدافع الثاني يكمن في أن مجال العمل بالنسبة لدارس اللغة العربية في الصين واسع، فهم يعملون في الخارجية وفي السفارات العربية في بكين، وفي السفارات الصينية في الدول العربية، إضافة إلى العمل في التجارة مع العرب وهذا مجال مربح جداً.
وبينت د. سميرة أن الشريحة الأكبر التي تقبل على تعلم اللغة العربية في الصين هي من الطلاب الذين يتخرجون في الثانوية ويلتحقون بالجامعة، وهناك شريحة قليلة من التجار تدرس اللغة العربية من أجل التواصل مع التجار العرب، إضافة إلى أسر العرب الذين تزوجوا من نساء صينيات.
التقارب الفكري
وفيما يتعلق بالتقارب الفكري بين الصينيين والعرب رغم الاختلاف الحضاري والثقافي الكبير، قالت د. سميرة: «لا أظن أن هناك اختلافاً حضارياً وثقافياً بيننا وبين الشعب الصيني، وعلى العكس هناك تقارب في الكثير من الأمور وهذا ما لمسته في حواري مع الطلاب، فهم يؤكدون أن لدى الشعبين الصيني والعربي حضارة ضاربة جذورها في التاريخ إضافة إلى أن كلا الشعبين تعرض للغزو الخارجي وتسبب هذا الغزو بالكثير من الويلات للشعبين، كما أنني أذكر لهم أحياناً بعض الحكم والأمثال العربية فيأتون على الفور بحكم وأمثال صينية مشابهة، وهذا دليل قوي على تشابه الثقافتين».
وأضافت: «لكن الاختلاف الحضاري والثقافي اليوم كبير جداً مع الأسف الشديد ففي هذا العصر وصلت الصين إلى قمة الحضارة العالمية في جميع المجالات، والشعب الصيني متمسك بتاريخه ومعتز به، ومتمسك بهويته، أما نحن العرب فبدأ إيماننا بتاريخنا وثقافتنا وهويتنا يهتز ويضطرب شيئاً فشيئاً».
وعن تجربتها في هذا التبادل الأكاديمي بين الصين وسورية، بينت: «لا نستطيع أن نسميه تبادلاً وخاصة في سورية لأن الأساتذة السوريين فقط يدرسون اللغة العربية في الصين من دون وجود أساتذة صينيين في جامعات سورية، وربما هذا التبادل يتم في الجامعات العربية التي تدرس اللغة الصينية وهي كثيرة.
وتابعت: «مثل هذا التبادل ضروري جداً، وأهميته تنبع من أن الإنسان الأجنبي لا يمكن أن يتعلم النطق السليم للغة ويعرف أساليبها إلا من أبنائها الحقيقيين، والجامعات الصينية تؤكد الاستفادة الكبيرة من الأساتذة العرب في تعلم العربية هناك، ونتمنى أن نفتتح أقساماً لتدريس اللغة الصينية في الجامعات السورية».
لمحة تاريخية
يعتبر الأستاذ عبد الرحمن نا تشونغ أول من بدأ تعليم اللغة العربية في جامعة صينية ففي عام 1943 وبعد تخرجه في جامعة الأزهر وعودته إلى الصين بدأ لأول مرة تعليم اللغة العربية في الجامعة المركزية «جامعة نانجينغ حالياً» حيث ألف الأستاذ نا تشونغ أول كتاب منهجي لتعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية، كما بدأ لأول مرة في عام 1945 يلقي على الطلبة محاضرات حول التاريخ العربي الإسلامي.
وتعتبر جامعة بكين أول جامعة صينية أنشئ فيها تخصص اللغة العربية، ففي عام 1946 استقدمت السيد محمد ما كين الذي تخرج في جامعة الأزهر لإنشاء شعبة للغة العربية في قسم اللغات الشرقية بجامعة بكين، وبهذا اخترق تعليم اللغة العربية في الصين مناطق المسلمين السكنية وأدرج في نظام التعليم العالي وبدا واضحاً جداً اهتمام الحكومة الصينية في إعداد الأكفاء باللغة العربية.
وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية حرصت الحكومة الصينية أكثر على تطوير العلاقات الصينية العربية، وفي عام 1956 تم اختيار دفعة من الطلبة الممتازين وإيفادهم إلى مصر لدراسة اللغة العربية، إلى جانب ذلك أنشأت الحكومة تدريجياً في بعض الجامعات تخصص اللغة العربية، فمنذ عام 1958 أنشئ تخصص اللغة العربية في كلية الشؤون الخارجية وجامعة الاقتصاد والتجارة الخارجية، وجامعة الدراسات الأجنبية في بكين ومعهد اللغات الأجنبية لجيش التحرير الشعبي الصيني، وجامعة الدراسات الدولية في شانغهاي، وغيرها.
وترمي المقررات في تخصص اللغة العربية في الجامعات والمعاهد العالية في الصين إلى تدريب الطلبة لاستيعاب المهارات الأساسية كالاستماع والمحادثة والقراءة والكتابة والترجمة، إضافة إلى إعطائهم المعارف العربية والإسلامية الضرورية.